Top

علماء كاوست يستكشفون الأعماق المعقدة للبحر الأحمر

استكشفت العالمتان، هيلدغارد ويستفال (يسار)، وفروكيه فان دير زوان، أعماق البحر الأحمر. وقد أتاح هذا التعاون بين التخصصات المختلفة فهمًا أعمق لهذه البيئات تحت الماء. تصوير: إليزا مخيتاريان.

أجرى علماء في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) خلال خريف عام 2023 رحلتين بحريتين استكشافيتين لدراسة الأعماق السحيقة للبحر الأحمر والتعرف على البيئة الغريبة والجميلة فيه، والتي تضم المياه الساخنة المغطاة بكتل ميكروبية واسعة، وبرك المياه المالحة وأنظمة الأمواج الخاصة بها والشواطئ تحت الماء.  

  

تم اكتشاف حقول الفوهات الحرارية المائية مع الكتل الميكروبية خلال الرحلة الاستكشافية، والتي تحتوي على مداخن (أعلى الصورة) وكائنات أعماق البحار مثل شقائق النعمان (منتصف الصورة) والقروش (أسفل الصورة). المصدر: M194، فريق الغواصة الآلية للعمليات عن بعد التابع لـجيومار.

جرت هذه الرحلتان على متن السفينة الألمانية للأبحاث "ميتيور" وضمت أيضًا علماء من مركز لايبنيز لأبحاث المناطق المدارية البحرية في بريمن (ZMT)، ومركز جيومار (GEOMAR) هلمهولتز لأبحاث المحيطات في كيل، وجامعتي بريمن وهامبورغ. 

تَقول البروفيسورة فروكية فان دير زوان، عضو هيئة التدريس وأستاذة علم البراكين والمدير المساعد لمركز أبحاث البحر الأحمر في كاوست "يضم البحر الأحمر حوض محيطي تنتشر في قاعه نظم بيئية ناضجة، وتطوره مشابهاً لتطور المحيط الأطلسي ما قبل التاريخ. هذا البحر الفتي لديه الكثير ليخبرنا به من خلال تضاريسه المتميزة وأنظمته البيئية الفريدة وتنوعه البيولوجي البديع". 

رحلات استكشافية مذهلة 

تقدمت فان دير زوان بمقترح إحضار السفينة "ميتيور" إلى البحر الأحمر قبل ست سنوات، ولم تكن في حينها قد انتقلت بعد من ألمانيا إلى كاوست. وقد ساعد الاهتمام الذي أبداه باحثون بارزون آخرون، بما في ذلك عالمة الرواسب الكربونية هيلدغارد ويستفال، عضو هيئة التدريس الزائرة من جامعة بريمن، وفولكر فيرينكامب، عضو هيئة التدريس في كاوست، في وضع خطط للرحلتين البحريتين. 

تقول فان دير زوان "من النادر أن تتاح لنا فرصة جلب مثل هذه السفينة البحثية الكبيرة عالية المواصفات إلى البحر الأحمر. نحن ممتنون لكل من تعاون معنا من مؤسسة العلوم الألمانية، وكذلك لإدارات كاوست وفرق المختبرات الأساسية في الجامعة لدعمهم اللوجستي، لا سيما في الحصول على التصاريح ذات الصلة." 

استغرقت كل رحلة استكشافية من على متن سفينة الأبحاث "ميتيور" شهرًا واحدًا واستضافت خلالها نخبة من فرق بحثية متعددة التخصصات، بالإضافة لاستخدام أحدث التقنيات لرسم خرائط قاع البحر وتصويره وأخذ عينات منه ودراسة مختلف السمات الجيولوجية والبيولوجية. كما حملت السفينة معدات زلزالية في رحلة بحرية واحدة وغواصات يتم تشغيلها عن بعد (ROVs) تحتوي على أذرع آلية وأدوات أخرى لأخذ العينات، إلى جانب كاميرات متعددة للمشاهدة بزاوية 360 درجة. 

استخدمت البروفيسورة فروكة فان دير زوان والفريق غواصة يتم التحكم فيها عن بعد (ROV) لدراسة قاع البحر الأحمر. المصدر: مارتا فيليبا سيمويس. 

أُجْرِيَت الأبحاث على مدار الساعة حيث عمل الباحثون في نوبات لمراقبة شاشات التصوير من كثب والتعاون في معالجة العينات والبيانات. تقول ويستفال "لقد قدم الطاقم والفنيون الموجودون على متن السفينة دعمًا وخبرة لا تقدر بثمن. وكان أفضل ما في الأمر هو أن هذه الرحلات البحرية توفر فرصة رائعة لمشاركة الأفكار، والتعلم من الأشخاص الذين توجَد معهم، كما أنها مناسبة رائعة لطرح النقاشات المثمرة التي تخلق فرص تعاون جديدة." 

تتمحور أبحاث ويستفال حول علم الرواسب الكربونية، مع التركيز على نحو خاص على الشعاب المرجانية حيث تفحص الرواسب البحرية في جميع أنحاء العالم لتحديد أنماط المناخ القديمة والضغوطات المختلفة على الشعاب المرجانية والحياة البحرية الأخرى. وتمكنت بمساعدة من البروفيسور فيرينكامب من فحص خصائص الحجر الجيري الكربوني تحت الماء، وجمع لب الرواسب لدراسة تغير المناخ في الماضي. 

غالبًا ما توفر عينات الرواسب في أعماق البحار، التي جُمِعَت في كلتا الرحلتين، بيانات أكثر شمولاً من تلك المأخوذة من سطح الأرض. كما تسلط الضوء على ثروات أحد أكثر المحيطات دفئًا وملوحة على وجه الأرض، مما يوفر رؤى حول آلية مستقبل الحياة البحرية في محيطات العالم. 

تقول ويستفال "من المرجح أن الظروف البيئية الشديدة التي عصفت بالبحر الأحمر منذ القدم هي التي أدت إلى رفع قدرة الكائنات الحية التي نشاهدها اليوم على الصمود والبقاء. وعلى عكس المحيطات الأخرى، فإن البحر الأحمر دافئ حتى القاع، لذا فإن الشعاب المرجانية في المياه العميقة وأشكال الحياة الأخرى فيه فريدة حقًا". 

برك ملحية جديدة 

وكان من بين الاكتشافات الخاصة اكتشاف بركة مياه ملحية جديدة. تتشكل هذه البرك عالية الملوحة والكثيفة عند سفح تدفقات الملح، وتكون بصورة "جبال جليدية" ملحية تحت الماء، حيث تشبه برك المياه المالحة بحيرات المياه الذائبة. 

يقول فيرنكامب "تتميز هذه البرك المالحة بشواطئها الخاصة تحت الماء وأنظمة الأمواج. كان أحد الشواطئ مغطى بالطحالب، ويعج بالروبيان الصغير؛ شاهدنا سلوكًا رائعًا للروبيان، بما في ذلك تعاون اثنين معًا مثل النمل لحمل سمكة ميتة. لقد كان الانضمام إلى هذه الرحلة من أبرز أحداث مسيرتي المهنية".  

أعضاء الرحلة الاستكشافية يعملون خلال مناوبة الليل (فولكر فارينكامب الثاني من اليسار)

الكشف عن فوهات مائية حرارية جديدة 

كان تركيز فان دير زوان منصبًا على إيجاد ودراسة حقول الفوهات الحرارية المائية النشطة، وهي الينابيع الساخنة التي ترتفع من الشقوق الموجودة في قاع البحر بسبب النشاط البركاني. وتقول "تشير الأدلة إلى أن البحر الأحمر لا بد أن يحتوي على العديد من هذه الفوهات، لكننا لم نعثر على الحقول الأولى إلا مؤخرًا قبل بدء هذه الرحلات البحرية". 

واستنادًا إلى كيمياء الصخور البركانية وخرائط قاع البحر والأدلة من جريان عمود الماء، تمكن الفريق من تحديد الأماكن المحتملة لهذه الفوهات. 

تقول فان دير زوان "حددنا خلال رحلتنا الاستكشافية ستة حقول تضم فواهات جديدة، وجمعنا كمية مذهلة من البيانات والعينات. كانت هذه الحقول مختلفة تمامًا عما توقعناه. لقد فوجئنا بالعثور على جبال من الكتل الميكروبية الصفراء الرقيقة التي تزدهر في البحر الدافئ المظلم حول الينابيع الساخنة". 

فروكة فان دير زوان وميجان نولان تبحثان في عينات الصخور عن كائنات حية مثل المرجان الصغير. المصدر: كونستانتينوس ثومايديس.

يذكر أن فريق متعدد التخصصات من كاوست وجيومار والمعاهد المتعاونة يقوم الآن بدراسة بيئات هذه الفوهات الفريدة بالتفصيل. 

وتضيف ويستفال "إن هذه الرحلات البحرية الاستكشافية ليست إلا مجرد بداية القصة. ولدينا الكثير من القصص البحثية والبيانات المثيرة التي نتطلع إلى مشاركتها مع العالم