Top

الذكاء الاصطناعي لدعم الاستدامة

رسم توضيحي يعرض موضوعات البحث العلمي. تصميم: خافير بيتا / كاوست.

يُجري البروفيسور غيورغي سيكيلي، الأستاذ المساعد في الهندسة الكيميائية في مركز الأغشية المتطورة والمواد المسامية في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية ( كاوست)، أبحاثًا في مجال التصنيع المستدام تعتمد على إحصائية مثبتة مفادها أن الصناعة القائمة على المواد الكيميائية تَهدر فِعْلِيًّا أكثر من 50 في المائة من الطاقة لصناعة منتجاتها سواء كانت سلعة كيميائية أو بوليمر للهاتف المحمول أو مركبًا دوائيًا دقيقًا. ويحدث معظم هذا الهدر في الطاقة خلال عمليات تنقية أو عزل الجزيء المطلوب من المزيج المعقد الذي تم إنتاجه فيه. ويمكن ملاحظة ذلك في تقنيات الفصل الصناعية التقليدية، مثل عملية التقطير الحراري كثيفة الاستهلاك للطاقة.

يركز بحث سيكيلي على تطوير تقنية يمكنها خفض استهلاك الطاقة بنسبة 90 في المائة من خلال استبدال عمليات الفصل الكيميائي الحراري بتقنية الأغشية المسامية الانتقائية - لتصفية المنتج المطلوب ببساطة في درجة الحرارة المحيطة - وبالتالي تحقيق زيادة هائلة في الكفاءة. يقول سيكيلي: "تستهلك عمليات الفصل بتقنية الأغشية جزءًا بسيطًا من الطاقة مقارنة بتقنيات الفصل التقليدية".

يُعد تحويل عمليات فصل المنتجات التي تعتمد على الحرارة في الصناعة المتعطشة للطاقة إلى عمليات تعتمد على تقنية الأغشية عالية الكفاءة تحديًا واجهه سيكيلي لأول مرة عندما حصل على درجة الدكتوراه في الهندسة الكيميائية، وتخصص في تقنيات فصل الأدوية، يقول: "كنت جزءًا من برنامج أوروبي جمع الشركاء الصناعيين والأكاديميين في محاولة للتعامل مع مشاكل الفصل الكيميائي للمنتجات في الصناعة". 

يواصل البروفيسور سيكيلي التركيز على مشاكل الصناعة، حتى أن بعض حلوله لفصل الأغشية هي قيد الاستخدام التجاري الآن، لكنها عملية بطيئة تستغرق شهورًا من التجارب في المختبر وقد ينطوي عليها زيادة في تكلفة استهلاك الموارد وتوليد النفايات. 

يقول سيكيلي: "إن تطوير مواد فصل جديدة من المحتمل أن يخلق مزيد من مشاكل الاستدامة أكثر من الحلول. خصوصاً أن هذا المجال عانى في العقود السابقة من الافتقار إلى البيانات المنظمة والتي يمكن الوصول إليها بسهولة، وهي مشكلة تعوق من اتخاذنا للخطوة التالية وتشغيل عمليات الفصل الكيميائي بكفاءة أكبر ".

وأضاف: " الذكاء الاصطناعي هو نهج جديد لمعالجة مشاكل البيانات. في الماضي، كان الذكاء الاصطناعي بحاجة إلى مجموعات هائلة من البيانات - وهو ما لم يكن لدينا - لذلك لم تكن هناك إمكانية لاستخدامه في تقنية الفصل الكيميائي. واليوم، واستنادًا إلى التطورات الحديثة في علوم الحاسب الآلي، أصبح بالإمكان تطبيقه على مجموعة بيانات تجريبية أصغر والقيام بالكثير من العمليات ".

البروفيسور غيورغي سيكيلي (يساراً) وريفان هارديان (يميناً) يجريان الاختبارات في مختبر الأغشية المتطورة والمواد المسامية في كاوست. المصدر: كاوست.

كما يمكن تطبيق تقنية تعليم الآلة للمساعدة في تطوير أو تحديد مادة الفصل المثالية في عدد من التجارب المختارة التي أجريت في المختبر، أو من مجموعة البيانات الصغيرة الموجودة مسبقًا، يقول سيكيلي: "بالنسبة لنا، فإن إجراء عمليات التحسين في المختبر سيستغرق وقتًا طويلاً، ولكن باستخدام القوة الحاسوبية نستطيع القيام بذلك في غضون دقائق أو ساعات فقط". 

يشار إلى أن مجموعة سيكيلي أنشأت مؤخرًا قاعدة بيانات مفتوحة يمكن لأي شخص الوصول اليها عبر الانترنت واستخدامها في مشكلات الفصل بالأغشية بتقنية الترشيح النانوي بالمذيبات العضوية. ويصف سيكيلي ذلك بقوله:" إنها ليست مجرد قاعدة بيانات، بل أيضاً أداة تنبؤ تعتمد على خوارزميات تعليم الآلة والذكاء الاصطناعي. ويمكن للأشخاص استخدامها عبر شبكة الإنترنت والحصول على حل لمشكلات الفصل الكيميائي التي يوجهونها". 

اختبر سيكيلي هذه الأداة الحاسوبية الجديدة عبر التعاون مع مجموعة التقنية الحيوية المستدامة والتركيبية في كاوست التي يديرها البروفيسور كايلي لورين. كان فريق لورين يعمل على هندسة طحالب تُستخدم في الإنتاج الحيوي المستدام لمركب كيميائي يعرف بالباتشولول (patchoulol)، ولكن كان لديهم مشاكل في عزله باستخدام تقنية الأغشية. لذلك أدخل الفريق المشكلة في الأداة الحاسوبية التي طورتها مجموعة سيكيلي عبر الإنترنت.

يقول سيكيلي: "توقع الحاسب الآلي أن الغشاء سيحتفظ بنسبة 100 في المائة من مركب الباتشولول، وعندما اختبرنا هذا الغشاء وجدنا أن نسبة فصله للباتشولول كانت 100 في المائة، أي أن الذكاء الاصطناعي كان دقيقًا جداً بنسبة 100 بالمائة في مشكلة في العالم الحقيقي."

بناءً على هذه النتيجة، أصبح لدى البروفيسور سيكيلي في كاوست أداة حاسوبية مقنعة لدفع أبحاثه في مجالات التصنيع المستدامة إلى الأمام.