التحق بالجامعة
الانتقال إلى الجامعة
انضم إلينا
وظائف أعضاء هيئة التدريس
رؤيتنا
المجلة العلمية
لو جرى استغلال مياه الصرف الصحي الناتجة عن سكان المملكة البالغ عددهم 34,3 مليون نسمة، لأمكن إنتاج ما يقارب 9 ملايين متر مكعب من المياه المعالجة يومياً.
ولإثبات جدوى إعادة استخدام المياه على نطاق واسع، يعمل مفاعل حيوي غشائي لاهوائي تجريبي منذ ثلاث سنوات في المدينة الصناعية بجدة التابعة للهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية (مدن)، حيث يعالج يومياً 50 ألف لتر من مياه الصرف - أي ما يعادل ما ينتجه مجتمع يضم 200 شخص — وبتكلفة طاقة معدومة.
هذا المشروع، الذي تقوده بروفيسورة بيينغ هونغ من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، هو ثمرة سنوات من البحث لتطوير تقنية تعالج المياه المعاد تدويرها بما يقلّل من أخطار الملوثات الميكروبية. ويعمل المفاعل كمنشأة لا مركزية لمعالجة مياه الصرف تعمل على مدار الساعة وخارج شبكة الكهرباء، ما يجعلها مناسبة للمجتمعات النائية.
تستمد المحطة طاقتها من مياه الصرف وأشعة الشمس، مع تخزين الفائض من الطاقة المتجددة في الموقع. إضافةً إلى ذلك، تنتج المحطة مخلفات صلبة أقل بـ 20 مرة مقارنة بالأنظمة الهوائية التقليدية، وتحتفظ المياه المعالجة بعناصر مغذية قيّمة مثل الأمونيوم والفوسفات يمكن إعادة استخدامها كأسمدة سائلة للمحاصيل.
وتوضح هونغ "بعد إثبات نجاح التقنية على مستوى تجريبي، تلقينا اهتماماً من عدة جهات لتوسيع نطاقها، وما زلنا ندرس أفضل السبل للمضي قدماً". وتضيف "طورنا حلاً مدمج مع نظام مراقبة مستمر يعتمد على الذكاء الاصطناعي، ما يضمن إمكانية استخدام المياه المعاد تدويرها بأمان في الزراعة وإنتاج الغذاء أو لدعم مبادرات السعودية الخضراء".
مع التراجع السريع للمياه الجوفية غير المتجددة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يُعدّ استخدام المياه المعاد تدويرها لريّ المحاصيل أحد الحلول، إلى جانب استخدام مياه البحر المحلاة جزئياً.
وكغيرها من دول المنطقة، تعتمد المملكة على مياه التحلية. وعلى الرغم من أن هذا قد يبدو خياراً عملياً للمدن الكبيرة القريبة من البحر، فإن تقنيات التحلية الحالية تستهلك كميات كبيرة من الطاقة، ومعظمها من مصادر أحفورية.
يركّز بحث البروفيسور نور الدين غفور في كاوست على تطوير تقنيات تحلية تخفض استهلاك الطاقة. فقد طوّر فريقه عملية مبتكرة تدمج الطاقة المتجددة مع أنظمة تحلية منخفضة الاستهلاك.
مع تراجع احتياطيات المياه الجوفية، يزداد الاعتماد على مياه البحر كمورد حيوي. ويعمل باحثو كاوست على تطوير تقنيات جديدة للتحلية تتطلب طاقة ومواد كيميائية أقل.
ويشير غفور إلى أن أبرز تحديات تقنيات التحلية هي الاستهلاك العالي للطاقة، وتصريف المحلول الملحي المترسب، إضافة إلى مشاكل مثل تلوث الأغشية الحيوية وكثرة استخدام المواد الكيميائية. ويقول "هدفنا تطوير عمليات تحلية أكثر كفاءة تستخدم طاقة ومواد كيميائية أقل، وتقلل من حجم المحلول الملحي المترسب عبر رفع كفاءة استرداد المياه".
وتعتمد العملية التي طورها فريقه على التقطير الغشائي باستخدام الطاقة الشمسية لتوليد الحرارة اللازمة لإنتاج المياه العذبة. ويجري الآن اختبارها في محطة تجريبية بكاوست.
وتعمل التقنية في ظروف قريبة من الحرارة والضغط المحيطين، ما يقلّل الحاجة إلى الطاقة الحرارية، ويستهلك مقداراً ضئيلاً من الكهرباء لضخ المياه في النظام.
ويضيف غفور "على عكس التناضح العكسي الذي يتطلب ضغطاً عالياً مع ارتفاع الملوحة، فإن هذه العملية أقل تأثراً بالملوحة، مما يسمح بإعادة تدوير أكبر للمياه، ويوفر فرصاً جديدة لمعالجة المحلول الملحي المترسب. إنها تقلل التكاليف، سهلة التشغيل، تتطلب كهرباء ومواد كيميائية أقل، كما أن تصميمها المعياري يجعلها ميسورة التكلفة ومناسبة للمناطق النائية أو المجتمعات المتضررة من الكوارث التي تفتقر للبنية التحتية اللازمة".
ويجمع كل من هونغ وغفور على أن الهدف الرئيس هو تقليل الاعتماد على مياه التحلية وحصر استخدامها أساساً للشرب، فيما تُخصّص المياه المعاد تدويرها أو المحلاة جزئياً للزراعة والمشاريع الخضراء، بما يحقق الاستخدام الأمثل للمياه عبر القطاعات المختلفة.
تستخدم بيينغ هونغ وفريقها الذكاء الاصطناعي لتحسين مراقبة الملوثات الميكروبية. فقد طوروا جهاز استشعار حاسوبي يعتمد على الشبكات العصبية لرصد وجود الخلايا البكتيرية والفيروسية في المياه. وتوضح هونغ "نسعى باستخدام هذا المستشعر توفير قياسات تنبؤيه لكثافة الكائنات الدقيقة في المياه بالاعتماد على بيانات فيزيائية أو كيميائية، ما يتيح مراقبة الجودة دون الحاجة إلى مختبر أو أجهزة تحليل مكلفة".
وبينما يتم تطبيق هذه الأداة في محطة معالجة مدن، تسعى هونغ إلى توسيع استخدامها لتشمل أنواع مياه أخرى، بما في ذلك مياه الشرب والمياه في مختلف مراحل التحلية.
أما غفور، فيسخّر الذكاء الاصطناعي لمعالجة مشكلة التلوث الحيوي للأغشية في مشروع مع شركة أكوا باور السعودية. حيث قام فريقه بتركيب جهاز ذكي غير تدخلي في محطة تجريبية للتناضح العكسي تابعة للشركة يحتوي على نموذج ذكي وكاميرا لمراقبة سطح الغشاء ورصد تراكم الترسبات المسببة للتلوث. ويقول غفور "يمكن للجهاز التنبؤ بالمشكلات قبل حدوثها، ما يساعد على تجنّب توقف الخدمة وتكاليف عمليات التنظيف والصيانة".