Top

فريق بحثي يرصد تحركات القشرة الأرضية أثناء اندلاع بركان في أيسلندا

في الطريق الى موقع ثوران البركان. فوهة البركان الرئيسية النشطة تظهر في خلفية الصورة وهي جزء من شق بركاني ممتد لمسافة تصل الى كيلومتر يقوم بتغذية منطقة حمم بركانية مساحتها كيلومتر مكعب وهي تعد أضخم الحمم البركانية المنبعثة في أيسلندا منذ 230 عاما. الصورة مهداة من د. جويل روش

قام بروفيسور سيجرجون جونسون - الاستاذ المساعد بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وجويل  روش – زميل ما بعد الدكتوراة بالجامعة وبعض الباحثين المتعاونين من إيطاليا و إيسلندا مؤخرا بزيارة موقع انفجار بركاني كبير في أيسلندا.

بدأ النشاط البركاني يوم 15 أغسطس بموجة زلزالية قوية في حفرة  بارداربونجا البركانية (وسط أيسلندا)، علي بعد ما يقرب من 250 كيلومترا من عاصمة البلاد " ريكيافيك". وأعقب ذلك بعد أسبوعين انبثاق الصخور المنصهرة على السطح مع انفجار بركاني قوي يمثل بالفعل أحد أكبر الانفجارات البركانية في العقود الأخيرة.

وبحلول نهاية شهر أغسطس، إندلع ثوران بركاني في تصدع يقع على بعد 45 كم من الحفرة البركانية ينبعث منها ما يقرب من (100-200 م3 / ثانية) من الصخور المنصهرة. وراقب الباحثون انتقال النشاط الزلزالي (انتشار الصهارة في الصخور المحيطة) نحو حافة أكبر غطاء جليدي في أوروبا (Vatnajökull). ثم تحول مسار انتشار الصخور المنصهرة أفقيا خلال الأسبوعين التاليين لمسافة تزيد عن 45 كيلومترا من موقع الحفرة البركانية.

من المعروف أن الجليد السميك يغطي قمة بارادابونجا بعمق يصل الي 800 متر وتخضع القمة لنشاط زلزالي وتشوهات قوية، بالإضافة الى سلسلة من 60 زلزالا بقوة تفوق M5.  وتشير قياسات أجهزة تحديد الموقع العالمي GPS التابعة لمكتب الأرصاد الجوية الأيسلندي الى أن حفرة بارداربونجا البركانية تنحسر بمعدل نصف متر يوميا مما يؤدي إلى إنخفاض قمته الى ما يقرب من 50 متر تحت سطح الأنهار الجليدية.

العمل البحثي الميداني في موقع إنفجار البركان

وصل الفريق البحثي الي موقع الإنفجار في الحادي عشر من أكتوبر، بعد رحلة استغرقت يومين من مدينة ريكيافيك عاصمة ايسلندا. وكان الوصول الى الموقع محظوراً لأسباب تتعلق بالسلامة، ولا يسمح للدخول سوى للعلماء وموظفي الحماية المدنية وبعض الصحفيين.

وكان الهدف الرئيسي لدراسة الفريق البحثي لموقع الانفجار هو قياس وتحليل نطاق حركات القشرة الأرضية المرتبطة بالبنية الكبيرة المنهارة حديثا (تسمي garben) التي وقعت نتيجة تسرب الصخور المنصهرة بالقرب من موقع الانفجار.

ويوضح د. روش، " لضمان تسجيل دقيق للحركة الرأسية للقشرة الأرضية ، قمنا بتثبيت مجموعة من نقاط القياس عبر مساحة الكتلة المنحسرة  وتم قياس مواقع النقاط باستخدام جهازين من أجهزة تحديد الموقع العالمي GPS. وسنقوم بإعادة قياس المسافات مطلع العام المقبل للحصول على معلومات جديدة حول المزيد من التغييرات، على أن تتم مقارنة هذه النتائج فيما بعد مع الملاحظات المكتبية التي تم استنتاجها باستخدام قياسات رادار الأقمار الصناعية من نفس الموقع. ومن خلال دراسة التغيرات الطبوغرافية قبل وأثناء وبعد ثوران البركان، سنتمكن من قياس حجم التغيرات ومن ثم دمج هذه البيانات مع البيانات التي تم الحصول عليها عن بعد وفي الموقع.

يقذف التصدع البركاني أيضا كميات هائلة من ثاني أكسيد الكبريت (حوالي 40 كيلوطن يوميا) وذلك يؤثر بشكل  قوي على حياة السكان المحليين نتيجة لتحذيرات إنبعاثات الغاز المتكررة. ويقوم الباحثون هناك برصد تصاعد الأدخنة بالإعتماد على اتجاه الرياح للتمكن من تحذير سكان القرى والمدن خلال لحظات مثل هوفن وريكيافيك.

ويوضح بروفيسور جونسون ذلك قائلا: "إن هذه الإنبعاثات تسبب مشاكل تلوث ضخمة، فالبركان ينبعث منه كميات ضخمة من الكبريت تصل الى ما يقرب من أربعة الى خمسة أضعاف كمية الكبريت الناتجة يومياً عن النشاط الصناعي في أوروبا. ويستمر هذا التلوث الى القدر الذي يدفع السلطات في بعض الأحيان الى مطالبة السكان بالبقاء في منازلهم وتجنب الخروج في الهواء الطلق. وعلى الرغم من شهرة أيسلندا بهوائها النظيف إلا أن هذا ليس هو الحال في الوقت الراهن ".

من أيسلندا إلى البحر الأحمر

يمثل العمل الميداني الذي قام به فريق العمل في موقع الإنفجار حالة نادرة، حيث تمت قياسات القشرة الأرضية و رصد الملاحظات الميدانية خلال التسرب الفعلي للصخورالمنصهرة  (جيب نافذ) الذي يحدث تحت سطح الأرض، وتحت أقدام الباحثين شخصيا . ويوضح روش ذلك قائلا:" لقد تمكنا - بفضل هذه الزيارة بالإضافة الى بيانات الرادار الفضائية- من تحليل تصدع القشرة الأرضية ورصد تطور عيوبها التي تحدث نتيجة لتسرب الصخورالمنصهرة، وهي ملاحظات هامة لتحليل وفهم كيفية تطور مناطق التصدع مثل منطقة منتصف البحر الأحمر مع مرور الوقت، و أيضاً لتحديد كيفية تكون القشرة المحيطية."

ويضيف د. روش " إن حدثاً منفرداً مثل هذا التسرب له القدرة على إحداث تغيرات طبوغرافية دائمة عادة ما تستغرق مئات إلى آلاف السنين لتتطور في الحالات الطبيعية. ويتشابه هذا النشاط البركاني مع التغيرات التي تظهر في حواف الصفائح الأرضية التباعدية الأخرى، كما هو الحال في البحر الأحمر، حيث تتباعد اثنتين من الصفائح التكتونية عن بعضها البعض وهي أيضا حالة فريدة من نوعها لأننا فعليا نتحرك فوق حواف الصفائح الأرضية التباعدية حيث تتكون القشرة المحيطية، وعادة ما يكون 98% من هذه الصفائح المتباعدة مغموراً تحت الماء."

ويجري التخطيط على قدم وساق لزيارة الفريق البحثي للجزء الجنوبي من البحر الأحمر مطلع العام المقبل لدراسة اثنين من الجزر البركانية الجديدة التي ولدت عامي 2011م و 2013م في مجموعة جزر الزبير. ويقول روش " نحن حريصون على دراسة هذه المنطقة لأنها منطقة صدع نشطة ظهرت نتيجة الموجات الزلزالية وتسرب الصخور المنصهرة التي لم يتم تقديرها بقدر كاف مسبقا. ونسعى من خلال دراستنا تسليط الضوء على أنشطة الصهارة بجنوب البحر الأحمر باعتباره فاعلا رئيسيا في المنطقة."

يقدر روش وفريقه البحثي أهمية رحلتهم الأخيرة بحق. ويعلق على ذلك قائلا: " لقد تمكنا من الوصول الي مسافة تقرب من كيلو متر من منطقة البركان التصدعي ولم نستطيع الإقتراب لمسافة أكبر لأن المنطقة كانت محاطة بمنطقة الحمم البركانية الحديثة، حيث تصل درجة حرارة الصهارة خلال البركان التصدعي الى 1200 درجة مئوية، كما يتسع موقعها تدريجيا. وفيما يتعلق بحفرة  بارداربونجا البركانية، أضاف روش قائلا :"نحن نعرف أن النشاط الزلزالي بالموقع ثابتا ولا يوجد دلالات على انخفاض نشاطه، ولكن ما لا نعرفه هو إلى متى سيستمر هذا الثبات أو كيف سيتطور مع مرور الوقت. وقد كانت فرصة طيبة لنا لرؤية الموقع عن قرب، علما بأنه حتى وقت كتابة هذا التقرير لا توجد دلائل على انخفاض النشاط الزلزالي في الموقع.

بقلم : ديفيد ميرفي، أخبار جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية