Top

إستخدام علوم الأحياء الدقيقة الجزيئية في إيجاد حلول لمواجهة ندرة المياه

البروفيسورة بيينغ هونغ (يسار) وفريقها البحثي من جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، هم أول من وضع فكرة استخدام أشعة الشمس فوق البنفسجية، مع العاثيات للحد من مقاومة البكتيريا لأشعة الشمس. الصورة من الأرشيف.

تشكل بعض أنواع البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، تهديدًا عالمياً ناشئًا وخطيرًا. وأدى تباطؤ معدل اكتشاف المضادات الحيوية الجديدة في العقود القليلة الماضية، إلى تنامي الحاجة للبحث عن طرق بديلة للقضاء على هذه البكتيريا. ومن الطرق المستخدمة في هذا المجال، أشعة الشمس فوق البنفسجية، التي تعالج مياه الصرف الصحي في المناطق ذات المناخ الدافئ. ومع ذلك، توجد بعض سلالات البكتيريا التي تقاوم المضادات الحيوية وفي نفس الوقت لا تتأثر بأشعة الشمس، الأمر الذي يجعلها بالغة الخطورة على البشر.

في هذا السياق، تجري البروفيسورة بيينغ هونغ، الأستاذ المشارك في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، وفريقها في مختبر السلامة البيولوجية والتقنية الحيوية، أبحاثاً رائدة تعتبر الأولى من نوعها، تظهر الاستخدام المشترك لأشعة الشمس فوق البنفسجية مع العاثيات (الفيروسات التي تهاجم البكتيريا)، لزيادة حساسية البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية تجاه عملية مكافحتها باستخدام ضوء الشمس وحده. يشار إلى أن  استخدام العاثيات ليس جديداً، فقد تم استخدامها في روسيا وأوروبا الوسطى منذ عقود من الزمن كبديل للمضادات الحيوية ضد سلالات البكتيريا المقاومة للأدوية. وتتمحور الفكرة الأساسية لبحث البروفيسورة هونغ وفريق أبحاثها، على استخدام هذه الفايروسات لإضعاف مقاومة البكتيريا للأشعة فوق البنفسجية.

البروفيسورة بيينغ هونغ تتوسط كل من طالب الدكتوراه السابق في كاوست ديفيد مانتيلا (يسار) والدكتورة ندى الجاسم (يمين) في مختبرها في الحرم الجامعي. الصورة من الأرشيف.

وفي دراسة سابقة، أظهرت هونغ أن أشعة الشمس كانت مفيدة لتثبيط مقاومة المضادات الحيوية وكبح العامل الممرض في سلالة البكتيريا القولونية (E. coli)، التي تم العثور عليها في محطة معالجة مياه الصرف الصحي في المملكة والمعروفة بسلالة (PI7). وبحسب الدراسة فإن ضوء الشمس قام فعلاً بتطهير سلالة البكتيريا القولونية المسببة للأمراض، إلا أن وتيرة التطهير والمكافحة تمت بمعدل أبطأ من الذي لوحظ في سلالة البكتيريا القولونية الأخرى غير المسببة للأمراض.

تقول هونغ: "تبين لنا من خلال الأبحاث أن سلالات البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية والممرضة قد تكون أكثر مقاومة لأشعة الشمس. وقد أوضحت أبحاثنا في ذلك الوقت أن السلالة المقاومة للمضادات الحيوية تدافع عن نفسها بنشاط أكبر عند تعرضها لأشعة الشمس، ولكن من ناحية أخرى، لاحظنا أيضًا أن الجينات التي تساعد البكتيريا على مقاومة العاثيات، كانت أقل نشاطًا. وهذا ما دفعنا إلى التفكير في الاستخدام المشترك للعاثيات مع أشعة الشمس لقتل البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية".

ترى البروفيسورة بيينغ هونغ أهمية مشاركة أهدافها البحثية في وضع حلول لندرة المياه مع فريقها البحثي. الصورة من الارشيف.

وعلى الرغم من أهمية هذا الاكتشاف من الناحية الطبية، إلا أن البروفيسورة هونغ ترى مجالاً أخر مختلفاً جداً يمكن أن يؤثر فيه بصورة كبيرة، ألا وهو الحفاظ على البيئة وخاصةً في موضوع ندرة المياه، التي تعد من أكبر تحديات القرن الحادي والعشرين. وتأمل هونغ أن تتمكن من معالجة مياه الصرف لدرجة تجعلها أنقى من المياه الجوفية، مع ضمان خلوها من أي بكتيريا ضارة مثل سلالة (PI7)، وإذا ما تحقق لها ذلك فقد يكون اكتشاف من شأنه إحداث نقلة نوعية في عملية معالجة مياه الصرف الصحي في العالم، قد يساعد أيضاً في تقليل الطلب المتزايد على المياه العذبة من المصادر التقليدية غير المتجددة.

وتقول هونغ: "يجب ترشيد الناس بضرورة الحفاظ على مواردنا من المياه الجوفية غير المتجددة، وإحدى الطرق لتحقيق ذلك هي الاستفادة من مياه الصرف الصحي المعالجة. ويوجد الكثير من التصور السلبي تجاه مياه الصرف المعالجة، وبالتالي فإن قبول استخدامها منخفض جداً بشكل عام حتى في البلدان شحيحة المياه. هناك بالفعل تقنيات متاحة لمعالجة المياه يمكنها أن تزيل وتخفف من المخاطر المرتبطة بالملوثات، ومن خلال إجراء المزيد من الأبحاث العلمية، سنتمكن من تحسين هذه التقنيات بدرجة أكبر لتقليل المخاطر".

إن جعل مياه الصرف الصحي آمنة وإيصال الرسالة التي تفيد بأنه يمكن - بل وينبغي استخدامها كبديل لمصادر المياه الجوفية غير المتجددة، قد يساعد أيضًا في حل مشكلة أخرى تعتبر من أكبر تحديات القرن، ألا وهي الأمن الغذائي لسكان العالم الذي يبلغ 10 مليارات نسمة والذي يواجه تأثيرات متزايدة لظاهرة تغيّر المناخ.

البروفيسورة بيينغ هونغ من المهتمين الفاعلين في مجال الحفاظ على البيئة وخاصةً في قضايا ندرة المياه، والتي تعد من أكبر تحديات القرن الحادي والعشرين.

تعمل هونج الآن مع علماء النبات والمزارعين للاستفادة من المياه المعالجة في الري الزراعي، وتوسيع مشاريع إظهار مدى أمان المياه لإنتاج الغذاء من الناحية العلمية. وتشرح هونغ :" نتعاون مع زملائنا العلماء المعنيين في دراسة النبات لبحث تأثير المياه المعالجة على المحاصيل الزراعية وصحة النبات ، وفي نفس الوقت ، نستخدم ما تعلمناه عن الملوثات البكتيرية الناشئة لوضع استراتيجيات منخفضة التكلفة لتعزيز سلامة إعادة استخدام مياه الصرف المعالجة. ويمكن أيضًا توسيع استراتيجيات مكافحة البكتيريا واستخدامها في مصادر المياه الأخرى، مثل مياه البحر. ولتقييم جودة المياه بشكل أفضل، نقوم أيضًا بتطوير أدوات لتوفير اختبارات جودة المياه بشكل أسرع وأكثر دقة، والتي نعتقد أنها ضرورية لحماية الصحة العامة. "

وتوضح البروفيسورة هونغ أن لديها التزام واضح بمواصلة بحثها على الرغم من كل التحديات، وتقول:" لدي رغبة كبيرة في المساهمة في مواجهة التحديات العالمية الكبيرة خصوصاً قضية ندرة المياه. وأنا سعيدة جداً بمشاركة هذه الرؤية مع فريقي الذي يشاركني نفس الشعور في تحقيق هذا الهدف المشترك. "