Top

علماء كاوست في موطن أقوى مصدر للإشعاع السنكروتروني في أوروبا

حلقة مختبر الإشعاع السنكروتروني الأوروبي وتبرز خلفه جبال فيركوز وشيغتيوز الفرنسية. المصدر: مختبر الإشعاع السنكروتروني الأوروبي (ESRF).

-بقلم تانيا بيترسن، أخبار كاوست

في عام 2014 بدأ مشروع التعاون البحثي بين جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) ومعهد نيل التابع للمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي (CNRS) ، ومنذ ذاك التاريخ اصبح التعاون دائمًا، بل تطور ليشمل مواضيع جديدة مهمة مثل إعادة استخدام غاز ثاني أكسيد الكربون. وحتى الآن تم نشر حوالي 15 دراسة كنتيجة لهذا المشروع البحثي، وتصدرت إحدى هذه الدراسات النشرة السنوية لمجلة (ESRF Highlights) التابعة لمختبر الإشعاع السنكروتروني الأوروبي في عام 2018، مما يعكس أهمية ونجاح هذه الشراكة البحثية.

حول المشروع وما يتضمنه من ابحاث يحدثنا سامي أولد شيكا، مهندس أبحاث في مركز أبحاث الحفز الكيميائي في كاوست عن بداية رحلته البحثية في فرنسا، حيث ركز أولاً على المواد التركيبية ومشاكل التآكل وتشكيل الفولاذ والسيراميك لتكون قوية قدر الإمكان من الناحية الميكانيكية. وجذبت أبحاثه المعهد الفرنسي للبترول والطاقة المتجددة الذي كان يبحث عن حلول لمشكلة المقاومة الميكانيكية التي كانت تواجه محفزاته السيراميكية.  يقول أولد شيكا:" كانت هذه بداية دخولي عالم المحفزات والمواد الوظيفية، حيث استخدمت مهاراتي في المواد التركيبية في صنع محفزات عالية المقاومة للمفاعلات الصناعية الكبيرة، وفي الوقت نفسه، أصبحت أكثر وعياً بالقضايا المتعلقة بالطاقة وبالتالي اخترت العمل في مجال الطاقة المتجددة، وتخصصت في تحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة كيميائية من خلال عملية الحفز الضوئي". 

انضم المهندس سامي أولد شيكا لمركز أبحاث الحفز الكيميائي في كاوست عام 2010. الصورة بعدسة خلود معاذ.

 ​

الطريق الى كاوست

أدى تركيز أولد شيكا على الطاقة المتجددة والحفز الضوئي إلى التعرف على كاوست في عام 2009 عندما عمل كجزء من مشروع بحثي مشترك بين الجامعة وقسم الحفز الضوئي في المختبر الفرنسي (IRCE) في ليون. ثم انتقل إلى المملكة العربية السعودية في عام 2010 لافتتاح مركز الحفز الكيميائي في كاوست.

 ويوضح أولد شيكا أنه عندما كان يعمل كزميل ما بعد الدكتوراة كان بحاجة إلى إتقان التحليل الطيفي لامتصاص الأشعة السينية كي يستطيع استكمال دراساته وأبحاثه في الحفز الضوئي ويصبح خبيرًا للأشعة السينية في مركز الحفز الكيميائي في كاوست.

اليوم يعمل أولد شيكا مع زملاء آخرين بالتعاون مع معهد نيل التابع للمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي(CNRS) وتحديداً في مختبر الإشعاع السنكروتروني الأوروبي (ESRF) في مدينة غرونوبل الفرنسية، موطن أقوى مصدر للإشعاع السنكروتروني عالي الطاقة في أوروبا. ويعمل هذا المختبر - الذي يحتفل حاليًا بمرور 25 عامًا على تدشينه - على مدار الساعة، وينتج أشعة سينية مكثفة قادرة على اختراق المواد وكشف البنية الداخلية وصولاً إلى مستوى الذرات والجزيئات.

حلقة مختبر الإشعاع السنكروتروني الأوروبي الذي يحوي أقوى مصدر للإشعاع السنكروتروني عالي الطاقة في أوروبا. المصدر: Shutterstock.

 ​
ويستذكر أولد شيكا باعتزاز انطباعه الأول عن عمله في هذا المختبر المتطور بقوله: "انبهرت جداً عند مشاهدتي جميع خطوط الإشعاع للمرة الأولى في القاعة الرئيسية للمختبر، ومدى ضخامة العمل. وعلمت وقتها أن عملي هنا هو عمل متخصص يتطلب الكثير من الخبرة والوقت. واليوم، وبعد خمس سنوات من الخبرة، اعتدت على العمل في هذه البيئة البحثية وبرفقة علماء رفيعي المستوى، لكنني لا أزال استمتع برؤية علامات الاعجاب والانبهار في وجوه الطلبة الذين يرافقونني لمختبر السنكروترون لأول مرة كما حدث معي في البداية. أتمنى من خلال هذه المشروع البحثي المشترك بين كاوست ومعهد نيل أن نتمكن من انتاج علوم جميلة ومؤثرة".

جدير بالذكر ان لدى إشعاع السنكروترون خصائص فريدة، منها ارتفاع درجة تألقه، ومجموعة طيفية واسعة وقابلية ضبط طول الموجة/الطاقة، توفر له قدرات تحليلية ملحوظة لتوصيف المواد. والسنكروترونات وليزر الإلكترونات الطليقة هي مصادر الإشعاع الكهرمغنطيسي التي تولدها الإلكترونات التي تتحرك تقريباً بسرعة الضوء. وتستخدم هذه التكنولوجيا على نطاق واسع في العديد من التخصصات العلمية وفي الصناعة من الأدوية والتكنولوجيا الحيوية إلى إنتاج السيارات، وشبه الموصلات ومستحضرات التجميل..

صورة مقربة لمطياف محلل الكريستال في مختبر الإشعاع السنكروتروني الأوروبي. المصدر: مختبر الإشعاع السنكروتروني الأوروبي (ESRF).


الكشف عن التركيب الذري

يركز المشروع البحثي الحالي بين كاوست ومعهد نيل على لب النشاط البحثي لمركز الحفز الكيميائي في كاوست والمتمثل في تطوير محفزات كيميائية عالية الأداء ودراسة العلاقات بين التركيب الذري والأداء الحفزي.

لاحظ أولد شيكا أنه على الرغم من أفضل الدراسات التي يقدمها الباحثون، إلا أنه في كثير من الأحيان لا يمكن الحصول إلا على رؤية جزئية للتركيب الذري. لذلك كان من الضروري الاستعانة بتقنيات أكثر تقدمًا لا تتوفر الا في مختبر الإشعاع السنكروتروني الأوروبي. وفي هذا السياق يقول:" يذهب الباحثون بصورة عامة الى هذا المختبر لإجراء تجارب تشتت الأشعة السينية أو امتصاصها أوانبعاثها، وكجزء من مشروعنا التعاوني، أردنا أن نذهب أبعد من ذلك وأن نطور الأدوات لدراسة محفزاتنا في عملية تفاعل كيميائية عبر استخدام الأشعة السينية المنتجة في مختبر الإشعاع السنكروتروني".

مرافق مركز الحفز الكيميائي المتطورة في كاوست. الصورة بعدسة انستازيا خرينوفا.


تطبيقات المشروع

ترتبط معظم تطبيقات هذا المشروع التعاوني ارتباطًا وثيقاً ومباشراً بالمجالات البحثية الرئيسية في مركز الحفز الكيميائي في كاوست، بما في ذلك تلك المتعلقة بأبحاث كيمياء المعادن العضوية السطحية بقيادة البروفسور جان ماري باسيت، والحفز الكهربائي والضوئي، بقيادة البروفيسور كازوهيرو تاكانابي، إضافة الى أبحاث البروفيسور خورخي جاسكوين في إعادة استخدام غاز ثاني أكسيد الكربون. كما تم تطبيق العديد من التقنيات الناتجة من هذه الشراكة التعاونية على المشاريع الصناعية لشركاء مثل الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) لإعادة تشكيل الميثان الجاف وإزالة هيدروجين البروبان.

ويوضح أولد شيكا: "بالنسبة لهذا المشروع، سيكون من الضروري إنشاء مفاعل جديد في السنكروترون قادر على الوصول إلى الضغوط العالية ودرجات الحرارة المطلوبة. هذا المشروع الجديد مستمر ويجري الان الانتهاء من عملية تصميم المرفق الخاص به حيث نأمل أن نتمكن من إجراء أولى دراسات الضغط المرتفع بين سبتمبر 2019 ومارس 2020. وتوجد خطط أيضاً لدراسة تصنيع الأمونيا، وربما لاحقًا عملية مجموعة التفاعلات الكيميائية المعروفة باسم  تقنية فيشر-تروبش (Fisher-Tropsch)، وكلاهما تفاعلات صناعية تجرى في الضغط المرتفع".