Top

الفنان الهولندي ثيو جانسين يحمل رؤاه المبدعة إلى الحرم الجامعي في برنامج الإثراء الشتوي 2017

With the Spring Enrichment Program only a few weeks away, we look back at Theo Jansen's visit to campus during the ٢٠١٧ Winter Enrichment Program.

كتب ثيو جانسين 1990 مقالة رأي لصحيفة محلية، دافع فيها عن ضرورة استخدام رؤية إبداعية جديدة لحماية سكان هولندا من الطوفان. لقد قضى جانسين جلّ شبابه في هولندا، التي اعتادت، منذ زمن طويل، على التصدي للتحديات الجسيمة بالاستعانة بالإبداعات الهندسية، وهي تحديداً السدود والرسوم والمضخات والكثبان الطبيعية. قلب ذلك الرأي حياته رأساً على عقب. وفي حقيقة الأمر، فقد كان إشارة إلى أن هاجساً ما يشغله.

قال جانسين في سياق كلمته الرئيسية الأخيرة: "مارست الرسم لسنوات عديدة. إلى أن خطرت لي فكرة بناء صحن طائر. كان عرضه أربعة أمتار، ويمكنه الطيران. أطلقته في سماء المدينة، واعتقد الناس في الشوارع أن ثمة صحناً طائراً حقاً. وظهرتُ على التلفاز، وصرت مشهوراً في بلدي لبضعة أشهر. وبعد ذلك، لم أعد قادراً على الرسم!. حينئذ خطرت لي فكرة (ستراند بيست)".

زار جانسين الحرم الجامعي في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في مطلع يناير 2017 للمشاركة في فعاليات برنامج الإثراء الشتوي. وألقى كلمة رئيسية، وشارك في العديد من ورشات العمل، وأجريت معه مقابلة ضمن سلسلة "ويب على الهواء"، بُثّت مباشرةً على "فيسبوك".



 


​السباحة عكس التيار

مكتب جانسين هو عبارة عن شريط ساحلي في شمال هولندا، حيث يجمّع إبداعاته الكثيرة هناك. تخيّل أكواماً غريبة بشعة من الأنابيب الكهربائية البرتقالية، التي يبدو أنها قد جمعت على عجل لتصنع تأثيراً بصرياً غريباً، قابعة بلا حركة على الرمال. ولا تُعرف لها غاية أو هدف محدد. ولا يبدو أن أحداً قد حاول إيجاد استخدام واضح لها. ويطوف جانسين حولها بحماسة شديدة، وهو يضبطها ويعدّلها ويصلحها. ومن ثم تدبّ فيها الحياة بلمح البصر على نحو مذهل، لتتجول عبر الشاطىء كما لو كانت تسير بمحض إرادتها.

يمثل جانسين مفارقة تاريخية. فهو من بقايا زمن يسبق الزمن الذي عرفت فيه الثقافة الحديثة سبيلها إلى حياتنا اليومية. وهو يسبح عكس التيار، ويبدو أنه، في الحقيقة، مسرور باللاجدوى التامة لاختراعاته. لقد اخترع جانسين "ستراند بيست"، وهي مجموعة لا معنى لها من المنحوتات شبه الحيّة، التي يصفها، هو نفسه، بأنها "تأسر قلبك وتهدر وقتك".

و"ستراند بيست" (Strandbeest) تعبير جديد منحوت من الكلمة الهولندية شاطىء (strand) و(beest) التي تشبه الكلمة الإنجليزية الوحش (beast). وتبيّن أن تأثيرها الغريب الساحر على المشاهدين يحقق هدفاً أسمى، ألا وهو الإلهام.

قال جانسين: "لقد بدأ الأمر بهدف. فقد رغبت في البداية في جمع الرمال، وبناء كثبان لحماية البلد من ارتفاع منسوب البحر. ولكنني كنت مأخوذاً أكثر بعملية التطور حتى أنني نسيت كل ما يتعلق بحماية البلد".

وأضاف: "قد يكون من المفيد أن تسهم هذه المخلوقات بمجرّد تنظيف الشواطىء أو إزالة البقايا البلاستيكية. وربما تسهم رؤيتها على الشاطىء في زيادة الوعي بالمناخ وكوكب الأرض".
 

"ميم" معدية

كانت رؤية جانسين المهمّة مؤلفة من مجموعة من 13 رقماً. وتشكل هذه الأرقام أساس النسب التي تتيح لهذه المخلوقات المشي بأناقة على مئات من الأقدام الصغيرة. وليست هذه أفضلية يمكن شرحها، بل يمكنك ببساطة متابعتها وهي تمشي كي تقدّر سحر الرياضيات.

بقدوم الإنترنت والطباعة ثلاثية الأبعاد، صار بوسع جانسين تحويل رؤيته المهمّة إلى موجة افتراضية لمخلوقات غريبة تمشي. ويأمل بأن يلهم هذا الناس لصناعة مخلوقات بأنفسهم، باستخدام موادهم ولخدمة أهدافهم الخاصة.

قال جانسين في المقابلة التي أجريت معه في إطار برنامج "ويب على الهواء": "أضع أسراري كلها على موقعي الإلكتروني. وفي الوقت الحالي، راح طلبة من مختلف أنحاء العالم يعيدون صناعة نسخ جديدة من (ستراند بيست). لقد باتت هذه الأشياء تطبع طباعة ثلاثية الأبعاد في مختلف بقاع العالم. وهذا خارج عن السيطرة تماماً، فثمة تطور يحدث على الإنترنت. لقد تأثر الناس بميم (ستراند بيست)، وشرعوا ببناء أشياء من دون أن يدركوا أنهم ليسوا سوى أداة في إعادة إنتاج (ستراند بيست)".


 


جانسين عن التفكير المبدع

وقال جانسين شارحاً: "قد تعتقد أن وضع قيود على (المواد) يحدّ من الإمكانيات. ولكنني وجدت الشيء المعاكس تماماً. فأدمغتنا جيدة جداً، ولكنها متشابهة إلى حد كبير. لذلك، فإذا كنت تفكر بشيء، فثمة شخص آخر قد فكر بالأمر نفسه أيضاً".

يكره جانسين التصنيفات. ويتحدث بحماسة عن الزمن الذي كان الناس فيه يخترعون الأشياء من دون أن تقيّدهم التصنيفات. ويرى جانسين أن مشكلة التصنيفات تكمن في أن الناس يبدؤون بتبنيها، مما يؤدي إلى الحدّ من إمكانيات الإبداع لديهم.

ولكنه لا يدعو إلى الحرية المطلقة. وللمفارقة المثيرة، فجانسين يدافع في حقيقة الأمر عن الحرية، ولكنه ينصح الناس بأن يحدّوا من خياراتهم كي يتمكّنوا من التعمق أكثر في مجهود إبداعي واحد، ما يساعدهم على الخروج بالمزيد من الأفكار المتميّزة.

"أستيقظ كل يوم بأفكار جديدة. ومن ثم أذهب إلى الاستوديو، وتدفعني الأنابيب إلى اتجاه مختلف، فهي لا تريد فعل ما أرغب أنا في فعله. وفي الصباح التالي، يصبح لديّ فكرة مختلفة، ولكنها ترتكز على التجربة مع المواد. المسار ليس واضحاً جداً، بل يصعب التنبؤ به. وأحصل على النصيحة من الأنابيب. واكتشفت نوعاً ما أن النصيحة التي تسديها لي الأنابيب أفضل من أفكاري. وعندما أفرغ من صناعة المخلوقات في نهاية المطاف، أجد أنها أفضل بكثير مما كنت أتخيل".