Top

رحلات المركبات الفضائية فويجر بين الفضاء والنجوم

الفيزيائي المشهور إد ستون من معهد كاليفورنيا للتقنية (Caltech) يتحدث عن الرحلات الفضائية المذهلة للمركبات الفضائية فويجر . تصوير ليلليت هوفانيسيان.

​​​
ألقى الفيزيائي المشهور إد ستون من معهد كاليفورنيا للتقنية كلمة رئيسية في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية تحدث فيها عن دوره كعالم مشارك في مشروع مهمات المركبات الفضائية الذاتية (فويجر) التابع لوكالة ناسا منذ عام 1972 في مختبر الدفع النفاث، وسلط الضوء أيضاً على التطورات التي تحققت في عملية استكشاف الفضاء. وتأتي هذه المشاركة المتميزة للعالم ستون كجزء من فعاليات برنامج الإثراء الشتوي السنوي (ويب) لعام 2017 الذي تنظمه جامعة الملك عبدالله ويستقطب ضيوفاَ ومتحدثين مرموقين من حول العالم.

 البراعة هندسية

تعتبر رحلات المركبات الفضائية فويجر 1 و2 الأولى من نوعها التي تتم باستخدام مركبات فضائية تعمل ذاتياً ويتم التحكم بها كاملاً بواسطة الحاسب الآلي. والمثير للدهشة، أن سعة ذاكرة الحاسب الآلي فيها كانت حوالي 4000 كلمة وهي ذاكرة صغيرة جداً مقارنة بأجهزة اليوم. يقول ستون: "الهاتف الذكي الذي بحوزتنا اليوم يحتوي على ذاكرة أكبر بمقدار 240,000 مرة من جميع أجهزة الحاسب الآلي التي كانت في مركبات فويجر الأولى."

كان إد ستون وفريق رحلات فويجر يهدف إلى عمل دراسات علمية لمجموعة من كواكب المجموعة الشمسية تضم كوكب المشتري وزحل وأورانوس ونبتون ولكن ذلك كان يتطلب إنجازاً هندسياً واستخدام أفضل التقنيات المتوفرة في ذلك الوقت. ولحسن الحظ تمكنوا من الخروج بحل ذكي لتحقيق هذا الإنجاز الهندسي والذي جاء بمحض الصدفة. ففي عام 1965، أوكل لأحد طلبة الدراسات العليا في معهد كاليفورنيا للتقنية والذي كان يعمل متدرباً في مختبر الدفع النفاث في فصل الصيف، أوكل له مهمة البحث عن طريقة تستطيع المركبة الفضائية من خلالها المرور بين الكواكب وفق مسار محسوب. يقول ستون: "اتضح أن ما اكتشفه المتدرب هو أنه في عام 1977، يمكن للمركبة الفضائية الطيران من كوكب المشتري، إلى كوكب زحل، ثم إلى كوكب أورانوس وأخيراً إلى كوكب نبتون في مسار واحد وفق هذا الترتيب. وأن ذلك ممكن مرة واحدة في كل 176 سنة، عندما تكون جميع هذه الكواكب على نفس الجانب من الشمس. وهذا ما دفعنا لتسريع عملية تطوير نوع جديد من المركبات الفضائية التي يمكنه قطع هذه المسافة والتوغل في أعماق الفضاء."

وأُطلقت مركبتي الفضاء فويجر 1 وفويجر 2 يوم 5 سبتمبر و20 أغسطس على التوالي من نفس السنة 1977. واستطاعت رحلات فويجر الوصول إلى كوكب المشتري، ثم زحل، ثم أورانوس ونبتون في الفترة من عام 1977 الى 1989. ويضيف ستون: "بعد ذلك، واصلنا على ما يسمى رحلات فويجر الاستكشافية بين النجوم والتي تهدف إلى الخروج من مدار مجموعتنا الشمسية واستكشاف الكواكب والنجوم  في الأنظمة الأخرى. وحدث ذلك أخيراً في عام 2012 حيث وصلت مركبة الفضاء فويجر 1 إلى أبعد نقطة ممكنة وهي الآن تعبر الفضاء بين النجوم ".
 

الفيزيائي المشهور إد ستون من معهد كاليفورنيا للتقنية (Caltech) يتحدث عن الرحلات الفضائية المذهلة للمركبات الفضائية فويجر. تصوير ليلليت هوفانيسيان.​​

معضلة الطاقة

أدرك فريق فويجر عند تطويره للمركبات الفضائية أن عليه حل معضلة الطاقة المحركة للمركبة. إذ أن الطاقة الشمسية ليست خياراً مثالياً كون أشعة الشمس تصبح خافتة جداً كلما ابتعدت المركبة عن الشمس. وبدلاً منها، استعاض الفريق بمعدن البلوتونيوم 238 المشع الذي يمكنه توليد حرارة من خلال الانبعاثات الإشعاعية واستخدامها مصدراً للطاقة. ولكن نشاطه الإشعاعي يخف بمرور الزمن مما يعني أن الطاقة المحركة ستتناقص كل سنة. لذلك يقوم العلماء في مختبر الدفع النفاث التابع لناسا بخفض استهلاك الطاقة في المركبة بمقدار 4 واط في الساعة سنوياً بحيث يتوفر لديهم طاقة كهربائية كافية لتشغيل مركبة فويجر لفترة 10 سنوات. وبعد هذه الفترة يصبح لزاماً عليهم إيقاف الأجهزة في المركبة واحدة تلو الأخرى لتوفير الطاقة. ووفقاً لتقديراتهم ستنفذ الطاقة في المركبة ولن يستطيعوا استلام إشارات منها بحلول عام 2030.
 

الدراسات الحالية وآمال المستقبل

استطاعت مركبات فويجر من خلال رحلاتها الاستكشافية تزويد علماء الفضاء والفلكيين بالعديد من النتائج الجديدة والمثيرة. يقول ستون: "أصبحنا في كل يوم نتحصل على معلومات جديدة عن نظامناا الشمسي. فمثلاُ، تعرفنا على أن أحد أقمار كوكب المشتري ويدعى أي أو (Io) يتجاوز نشاطه البركاني 10 مرات النشاط البركاني للأرض. وقبل ذلك، كانت معلوماتنا تشير إلى أن البراكين النشطة توجد فقط على كوكب الأرض. وكان ذلك مفاجأة كبيرة بالنسبة لنا."

على الرغم من أن مركبات فويجر سيتوقف بثها للمعلومات في غضون السنوات ال 15 المقبلة، إلا أنها ستستمر في رحلتها الفضائية إلى أعماق المجهول. لذلك قام فريق مختبر الدفع النفاث بوضع تسجيلات فوتوغرافية على متن المركبات أطلق عليها اسم سجلات فويجر الذهبية تحتوي على ملفات صوتية وصور مختارة من الثقافات والحضارات المتنوعة في الأرض. وتهدف هذه السجلات إلى التعريف بالأرض في حال تواصلت مركبات فويجر مع أي شكل من أشكال الحياة الذكية في الكون إن وجدت. يقول ستون: "لا يزال السؤال الأكبر هو: هل هناك حياة أخرى خارج كوكب الأرض؟ لا شك أن العثور على حياة ميكروبية في أماكن أخرى من الكون يدعم هذه الفرضية."

نبذة عن الفيزيائي إد ستون

درس العالم إد ستون دراساته العليا في جامعة شيكاغو في فترة الخمسينات من القرن الماضي، وكان في الأصل مهتماً في دراسة الفيزياء النووية ولكن عندما بزغ عصر رحلات الفضاء مع إطلاق الروس لسبوتنيك في عام 1957 وهو أول قمر صناعي في العالم، تولد لدى ستون اهتمام كبير في علوم الفضاء. انضم إلى معهد كاليفورنيا للتقنية كعالم أبحاث ثم أصبح عضو هيئة تدريس في عام 1967. ثم انضم في عام 1972 إلى مشروع رحلات فويجر التابع لمختبر الدفع النفاث الذي يديره معهد كاليفورنيا للتقنية. ثم تقلد منصب مدير مختبر الدفع النفاث في الفترة من 1991 الى 2001.