Top

إنترنت الأشياء البحرية

البروفيسور عاطف شميم، الأستاذ المشارك في الهندسة الكهربائية (يساراً) يناقش المشروع البحثي مع كل من باحث ما بعد الدكتوراه ين-هونغ كو (في المنتصف)، وطالب الدكتوراه محمد أكرم كريمي (يمين).

-سونيا توروسينسكي، أخبار كاوست

عندما تلقّى عاطف شميم، الأستاذ المشارك في الهندسة الكهربائية، طلباً من زملائه في مركز أبحاث البحر الأحمر لتطوير تقنية الاستشعار تحت الماء للحيوانات البحرية، لم يكن شميم متأكداً من كيفية تسخير خبرته في هذا الأمر، إذ أنّ الحيوانات المطلوب رصدها تمضي معظم أوقاتها تحت الماء. ركّزت بحوثه حتى الآن على استخدام تقنية البلوتوث في تطبيقات على سطح الأرض، مثل الأجهزة الطبية القابلة للارتداء والمرتبطة بالهواتف الذكية من خلال بروتوكول اتصال بلوتوث.

ومع ذلك، لم يكن لدى الباحثين البحريين أي بديل عن أجهزة الاستشعار الثقيلة والتي يصعب تثبيتها وإزالتها عند تتبع الحيوانات في البحر. حيث لا يتوفر اتصال شبكي لهذه الأجهزة، والطريق الوحيدة التي يتم بها استرجاع البيانات هي باصطياد الحيوانات الموسومة من الماء والذي يعد أمراً غير عملياً في معظم الحالات وقد يلحق الضرر بالكائنات البحرية المراد دراستها. 

بعد التغلب على العديد من التحديات المتعلقة بالمواصفات غير العادية لجهاز الاستشعار البحري، بادر شميم، جنباً إلى جنب مع باحث ما بعد الدكتوراه ين-هونغ كو ، وطالب الدكتوراه محمد أكرم كريمي، إلى تطوير نظام اتصالات لاسلكي مختلط يرصد البارامترات الفيزيائية للبحر، ومستوى نشاط مختلف الحيوانات البحرية. 

يتألف النظام من جهاز استشعار وتتبع خفيف الوزن ومرن يعمل بتقنية بلوتوث ويخزّن بيانات لاقط الاستشعار عندما يغوص الحيوان البحري عميقاً تحت الماء. وبمجرد أن يرتفع الحيوان البحري إلى السطح يعمل المستشعر تلقائياً على مزامنة البيانات المخزنة مع أجهزة الاستقبال العائمة على السطح. 

رصد البيانات في الزمن الحقيقي

عندما تطفو الحيوانات البحرية تنتقل البيانات لاسلكياً إلى أجهزة استقبال عائمة صمّمت بحيث تتضمّن قدرات بلوتوث ونظام ملاحة GSM في اتصالات الهاتف المحمول معاً. ثم يتم ترحيل بيانات لاقط الاستشعار إلى شبكة GSM لمشاهدتها من أي مكان في العالم. عندما لا يكون هناك اتصال GSM، تتولّى طائرات من دون طيار فحص المنطقة والتقاط الإشارة من منارات عائمة ترسلها مرة أخرى إلى فريق البحث على الأرض. وهذا يعني أن الباحثين يتلقون بيانات تفصيلية شبه واقعية عن الحيوانات التي يدرسونها في بيئاتهم الطبيعية، باستخدام أجهزة استشعار آمنة وسهلة التطبيق وأجهزة استقبال عائمة.

يأتي هذا المشروع كجزء من تعاون متعدد التخصصات بين مركز أبحاث البحر الأحمر وثلاث مجموعات بحثية، بما في ذلك مجموعة البروفيسور شميم من قسم الهندسة الكهربائية، والذي يشكل جزءاً من مبادرة جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية لتطوير أجهزة الاستشعار. ويطور البروفيسور يورغن كوسل، الأستاذ المشارك في الهندسة الكهربائية، لواقط استشعار مغناطيسية استعداداً لدمجه مستقبلاً، فيما يعمل البروفيسور محمد حسين، أستاذ الهندسة الكهربائية، على إضافة لواقط استشعار حرارة وملوحة وضغط مرنة.

نماذج أولييه لجهاز استشعار وتتبع خفيف الوزن ومرن ويعمل بتقنية بلوتوث لرصد الحيوانات البحرية من تطوير جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية.

وركّز كلّ من شميم وكو وكريمي على تطوير تقنية البلوتوث لأجهزة الاستشعار، والتي تعتبر الأولى من نوعها والتي يتم تثبيتها دون إضرار بالحيوانات البحرية، فضلاً عن التصميم البسيط المرن والمقاوم للماء. يوضح شميم: "إنّه مشروع صعب. وعلى الرغم من أننا استطعنا تطوير بعض التقنيات المرنة في الماضي، الا أننا واجهنا بعض التحديات الجديدة هنا".

أحد أكبر تحديات تصميم مثل هذه البطاقات اللاسلكية تمثّل في ضمان جودة الاتصال اللاسلكي بغض النظر عن وضعية جهاز الاستشعار التي لا يمكن التنبؤ بها والتي تتغير تبعاً لوضعية الحيوان المثبت به.

تمكن الفريق من إنشاء هوائي مرن خاص متساوي البث تقريباً، مع الحفاظ على شكل مسطح وبسيط. بعد ذلك، احتاج جهاز الاستشعار إلى الحفاظ على جودة الأداء مع الحفاظ على المرونة وعلى القدرة على مواجهة ظروف البحر القاسية. كان التحدي الأخير هو ربط الدائرة المتكاملة، واستخدام مواد خفيفة الوزن.

الابتكار في التصميم والوظيفة

جهاز الاستشعار، لم يكن الفرصة الوحيدة التي أتيحت للفريق لكي يبتكر. فعلى مستوى النظام، يعمل مستشعر البلوتوث مع جهاز استقبال عائم (منارة) يتصّل به وبنظام GSM لاتصالات الهاتف المحمول. ولدى شميم وكو وكريمي خطط كبيرة للتطوير هذا النظام أكثر في المستقبل.

يشرح شميم: "الخطة لهذا العام هي دمج الموجات فوق الصوتية. عندما نفعل ذلك، سيكون أول اتصال بالموجات فوق الصوتية وبتقنية GSM وبلوتوث في تاريخ دراسة الحيوانات الموسومة بأجهزة الرصد والاستشعار". سيحصل الباحثون بفضل الاتصال بالموجات فوق الصوتية على بيانات في الوقت الفعلي ولن ينتظروا صعود الحيوان إلى السطح لقراءة البيانات.

نجح اختبار جهاز الاستشعار على بضع الحيوانات البحرية في مدينة فالنسيا الاسبانية. ونتيجة لذلك، اجتذب المشروع اهتمام وسائل الإعلام الإسبانية، وستُعرض مقابلة قصيرة مع الطلبة المشاركين على قناة ناشيونال جيوغرافيك. كما تم عرض تقنية جهاز الاستشعار على صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع بالمملكة العربية السعودية في إطار منتدى الابتكار من أجل التأثير لعام 2018 الذي عقد في ماساتشوستس في مارس.

وفي وقت لاحق من هذا العام، يأمل شميم بإجراء عرض توضيحي كامل في الحرم الجامعي تظهر فيه الحيوانات الموسومة، وأجهزة الاستقبال والبيانات الحية على الشاشة.

ويخلص شميم إلى أن "مركز أبحاث البحر الأحمر أراد تطوير تقنية أجهزة استشعار خاصة، وتصادف أن قدراتنا لبّت احتياجاتهم. إنه أمر مثير خصوصاً لأن معلوماتنا تشير إلى عدم وجود شيء كهذا في السوق، ولذلك سيكون عملنا بمثابة مساهمة إنسانية حقيقية".