Top

تقنية "كوانتوم دوت".. الجسيمات النانوية التي ستُغيّر العالم

تعمل شركة "كوانتوم سلوشنز" على تصنيع جسيمات نانوية من أشباه موصلات، تمتلك خاصية التوهج يمكن للعلماء ضبط طاقة الضوء المنبعث منها بدقة من خلال التحكم في حجمها وتكوينها. المصدر: كاوست.

بقلم تانيا بيترسن ، أخبار كاوست

لن تراها بعينيك المجردة ولا حتى من خلال الميكروسكوب الضوئي التقليدي، ولكن رغم كل ذلك فانها ستغير العالم، انها "الكوانتوم دوت"-quantum dots - أو ما يطلق عليها اسم النقاط الكمية أو الكمومية. ببساطة يمكننا تعريف "الكوانتوم دوت" بانها عبارة عن جسيمات نانوية متناهية في الصغر (اصغر من شعرة الرأس بـ 10,000 مرة). هذه الجسيمات هي في الأصل بلورات من أشباه موصلات من صنع الإنسان، وتمتلك خاصية متميزة تتمثل في اللمعان أو التوهج (luminescence)، حيث يمكن للكوانتوم دوت أن تمتص إشعاعات الطاقة العالية ذات الطول الموجي القصير على شكل ضوء، أو تكون مستثارة كهربائياً بحيث تشع ضوءً بطاقة كهربائية منخفضة -أي عند طول موجي أكبر. ويمكن ضبط طاقة الضوء المنبعث بدقة من الكوانتوم دوت من خلال التحكم في حجم وتكوين جسيماتها (بلوراتها) النانوية.

 تعد الكوانتوم دوت (quantum dots) من التقنيات الحديثة التي ستحدث نقلة نوعية في تقنيات المستقبل وذلك بفضل خصائصها الفريدة، حيث يعتقد العلماء أنه سيتم استخدامها قريبًا في كل شيء بدءًا من المصابيح الكهربائية، وتقنية تصوير الخلايا السرطانية، وتصميم الجيل القادم من الخلايا الشمسية فائقة الكفاءة.

في هذا الفرع من العالم المجهري بالغ الصغر تأسست شركة ناشئة في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) بأسم  "كوانتوم سلوشنز" -. كانت نقطة انطلاق هذه الشركة في عام 2017 عبر  برنامج تسريع "حكمة" من كاوست والمعني بالمساعدة في تحديد الشركات الناشئة المتعلقة بحقوق الملكية وتطويرها وتسريع مسارها. -واستطاعت الشركة الحصول على تمويل تأسيسي من صندوق تمويل الابتكار في الجامعة.

وتعتبر شركة "كوانتوم سلوشنز" من أوائل الشركات في العالم في انتاج وتسويق تقنية "كوانتوم دوت" القائمة على  مادةالبيروفسكايت (perovskite) ، حيث تستخدم في الأجهزة الإلكترونية البصرية المختلفة، بما في ذلك شاشات العرض والمستشعرات الضوئية، والخلايا الشمسية.

لطفان سيناترا، المؤسس المشارك لشركة "كوانتوم سلوشنز"، أثناء عمله على تقنية الكوانتوم دوت في مختبر الشركة في كاوست. المصدر: كاوست

ويشير البروفيسور عثمان بكر، أستاذ هندسة وعلوم المواد في كاوست، وأحد مؤسسي "كوانتوم سلوشنز" إلى تزايد الطلب في السوق لتقنية "كوانتوم دوت" القائمة على البيروفسكايت بسبب خصائصها الرائعة،  ويوضح بان انتاج الصور في شاشات العرض يتم من خلال الدمج الصحيح بين الألوان الأحمر والأخضر والأزرق لتوليد صورة بتدرجات لونية مختلفة: كالبرتقالي والأصفر والوردي والأحمر والسماوي وما إلى ذلك. ولأن  مادة"الكوانتوم دوت" يمكنها توليد لون أخضر وأحمر  شديدي النقاء من خلال امتصاص اللون الأزرق، فإن ذلك يزيد من حجم التدرج اللوني المعروض بحيث تظهر الصورة في شاشات العرض بألوان أكثر تباينًا وحيوية. ومن ناحية أخرى، تدخل "الكوانتوم دوت" في تطبيقات رئيسية مهمة في مجال استشعار والكشف عن الضوء خصوصاً في تقنية نظارات الواقع المعزز والسيارات ذاتية القيادة والخلايا الشمسية، حيث يمكن  لها تعزيز كفاءة الألواح الشمسية السيليكونية عن طريق امتصاص الأشعة تحت الحمراء الذي يتعذر على السيليكون امتصاصها.

جدير بالذكر ان  الاهتمامات البحثية للبروفيسور عثمان بكر تتمحور حول الفيزياء والكيمياء للمواد الهجينة، ويقوم مع مجموعة أبحاثه في مختبر المواد النانوية الوظيفية في كاوست بدارسة تصنيع وتجميع المواد الهجينة العضوية وغير العضوية والمواد النانوية ذات الخصائص البصرية والإلكترونية الجديدة. وتهدف أبحاثهم إلى تطوير تطبيقات مبتكرة لهذه المواد في مجال الخلايا الشمسية والأجهزة الإلكترونية البصرية.

البروفيسور عثمان بكر، أستاذ هندسة وعلوم المواد في كاوست، وأحد مؤسسي "كوانتوم سلوشنز"، يوضح أن الشركة تأسست بهدف الاستفادة من تقنيات المواد المنتجة في مختبرات كاوست وتسويقها كمنتجات تجارية. المصدر: كاوست.

ولادة الفكرة

يوضح البروفيسور عثمان بكر أن فكرة "كوانتوم سلوشنز" ولدت بهدف الاستفادة من تقنيات المواد المنتجة في مختبره في كاوست وتسويقها كمنتجات تجارية، ويضيف: " يطور مختبرنا مجموعة واسعة من المواد ذات إلامكانات التجارية الواعدة، ونحن نقضي الكثير من الوقت في اختبار النماذج الأولية ومحاولة التواصل مع العملاء المحتملين وتحليل أبحاث السوق قبل أن نقرر التركيز على انتاج مجموعة محددة من المواد. قمنا بتطوير فئات معينة من "الكوانتوم دوت" بعد أن تبين لنا مدى الطلب الكبير عليها في صناعات شاشات العرض والمستشعرات الضوئية والخلايا الشمسية".

وتعتبر شركة كوانتوم سلوشنز واحدة من الشركات الناشئة المتميزة والواعدة في كاوست والتي يَنظر اليها مسؤولي الجامعة بتفاؤلٍ كبير مثل السيد فرانسوا بيكوت، مدير الاستثمار في صندوق الابتكار في كاوست، حيث يقول:" قام البروفيسور عثمان بكر بتشكيل فريق بحثي قوي برئاسة الرئيس التنفيذي مارات لوتفولين، إنهم حقاً مثال رائع لشركة ناشئة قامت ببناء مختبر لها في كاوست، وتعمل من خلاله على تسويق منتج مطلوب في السوق بنجاح باهر".

ومنذ إطلاقها، تميزت "كوانتوم سلوشنز" بتنامي الطلب على منتجاتها وازدياد أعداد عملائها الذين يمثلون كبرى شركات تصنيع الإلكترونيات والكيماويات والمؤسسات البحثية من 15 دولة، بما في ذلك اليابان وكوريا وتايوان والصين وسنغافورة والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وكندا وبلجيكا والسويد والدنمارك واستراليا. ومن هؤلاء العملاء مختبر لوس ألاموس الوطني، وجامعة أكسفورد، وشركات ريكن، وميرك / سيجما ألدريتش، وكامبريدج ديسبلاي تكنولوجي. وتقوم الشركة في الوقت نفسه بعمل مشاريع مشتركة مع العديد من الشركات متعددة الجنسيات لتطوير مواد "الكوانتوم دوت" للجيل القادم من الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية.

فريق "كوانتوم سلوشنز" يعمل في أحد مختبرات مدينة الأبحاث والتقنية في كاوست. المصدر: كاوست.

تحديات

ولا شك أن بناء شركة تصنيع ناشئة من نقطة الصفر ومتخصصة في صناعة حديثة بدأت للتو في الظهور من بيئة أكاديمية وبحثية لا يخلوا من التحديات، يوضوحها البروفيسور عثمان بكر بقوله:" نصيحتي قبل إطلاق أي منتج ما أو الاستثمار فيه بعمق هو تحديد أولاً من هم العملاء المحتملين وقياس مدى اهتمامهم بتقنيتك. لقد أدركنا في وقت مبكر أنه من خلال الاستماع بعناية إلى عملائنا، يمكننا اكتشاف معظم المزايا الجاذبة في منتجنا وتطويرها وتجنب تلك التي قد تضعف القوة التسويقية لها حتى لو حقق المنتج أرباحاً في بدايته. لقد تمكنا من خلال الجهود الجبارة التي قام بها فريقنا الموهوب والدعم المستمر الذي قدمه لنا قسم الابتكار والتنمية الاقتصادية في كاوست من التغلب على هذه التحديات وتحقيق هذا الإنجاز الكبير الذي وصلنا إليه اليوم. نحن مصممون على أن يكون لنا مكان قيادي في سوق من المتوقع أن يمر بتوسعات سريعة خلال العامين المقبلين، وأن نصبح الشركة الرائدة عالمياً في مجال تصنيع مواد (الكوانتوم دوت)".