Top

الحفاظ على الشعاب المرجانية في المملكة العربية السعودية من أجل المستقبل

تحدث الدكتور أحمد عاشور من الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة (PMEP) إلى الاعلام المحلي العام الماضي محذراً من حقيقة أن نحو 150 كيلومترا من ساحل مدينة جدة غير صالح لحياة الكائنات البحرية، وإذا لم يتم التحكم في مستوى التلوث أو معالجته فإن المملكة العربية السعودية ستضطر إلى استيراد الأسماك والروبيان قريبا لتلبية احتياجاتها.

ويقول البروفيسور مايكل بيرومين الأستاذ المشارك في قسم علوم البحار في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية: "تحتاج جميع البيئات البحرية إلى التفاعل الصحي بين جميع المخلوقات البحرية والشعاب المرجانية والأسماك والطحالب والمؤثرات البيئة البشرية المحيطة. وما تعلمناه على مدى السنوات القليلة الماضية هو أن نظم الشعاب المرجانية على امتداد سواحل المملكة ليست بمنأى عن المؤثرات البيئية العالمية التي تؤثر على الشعاب المرجانية في جميع أنحاء العالم".

وقد تم تسليط الضوء في المقالة الأخيرة في موقع الجامعة على جهود المسح التي قام بها مدير مركز أبحاث البحر الاحمر الدكتور اكزابيير ايريغوين والتي تشير إلى أحد المؤثرات الرئيسية التي يسببها الإنسان وهي التلوث الناتج عن البلاستيك الذي يشق طريقه إلى محيطات العالم. كما أشار إلى عامل آخر هو زيادة درجات الحرارة على مستوى العالم وما ينجم عنه من اختلال في درجة حموضة المحيطات. فبالإضافة إلى ذلك، توجد أيضاً بعض التحديات المحلية المحددة التي يجب معالجتها.

ويرى البروفيسور بيرومين أن هناك عامل رئيسي مؤثر آخر يجب التركيز عليه وهو الصيد الجائر. حيث يقول : "إن عدد الأسماك في أسواق السمك المحلية يفوق عدد الأسماك الموجودة في الشعاب ، وهذه مشكلة كبيرة تتطلب نظرة فاحصة لضبط ممارسات الصيد".

أين ذهبت جميع الأسماك الكبيرة؟

المملكة العربية السعودية محظوظة بامتلاكها شواطئ بحرية طويلة ممتدة وزاخرة بالشعاب المرجانية السليمة التي تشكل مساكن طبيعية للكائنات البحرية. كما أن الكثافة السكانية على طول سواحلها -باستثناء عدد قليل من المناطق الحضرية الكبيرة – تعتبر منخفضة نسبياً، الأمر الذي من شأنه أن يحد من التأثيرات البشرية السلبية على البيئة البحرية. بالإضافة إلى ذلك، فان عدم وجود نظم نهرية كبيرة تصب في البحر الأحمر يجعل هذه البيئة البحرية بيئة فريدة من نوعها.

ويحدث في كثير من مناطق العالم تحول لتركيبة التربة نتيجة الزراعة والممارسات الزراعية الكثيفة بفعل استخدام المواد الكيميائية والمبيدات الحشرية والأسمدة. ثم تأتي العواصف الممطرة الشديدة وتجرف هذه التربة الملوثة وتدفعها في اتجاه البحر. ولحسن الحظ، لا توجد هذه المشكلة في المملكة العربية السعودية. وكان هذا هو سبب اندهاش الدكتور برومين وفريق خبراء الشعاب المرجانية الأسترالي وفريق معهد وودز هول لعلوم المحيطات ومقره في الولايات المتحدة عند الغوص لأول مرة في البحر الأحمر على طول الساحل السعودي منذ حوالي سبع سنوات حيث تفاجؤوا بما شاهدوه. ويتذكر البروفيسور بيرومين قائلا: "كانت رحلتنا الأولى على متن قارب انتقل بنا من ينبع إلى جدة مروراً بالشعاب المتواجدة هنا في ثول. وقد أبحرنا جنوباً وكنا نتوقف كل عدة كيلومترات لفحص الشعاب المرجانية. وقد استغرق الأمر ما بين ثلاثة إلى أربعة مرات من الغوص. إلا أننا لاحظنا أن هنالك شيئاً مفقوداً، فبالرغم من جمال الشعاب المرجانية إلا أنها كانت خالية تماماً من الأسماك المفترسة وتساءلنا عندها: أين هذه الاسماك وأين جميع أسماك القرش التي كان من المفترض أن نراها؟".

ومن خلال الشراكة بين الجامعة ومعهد وودز هول لعلوم المحيطات، بدأ الفريق البحثي مشروعه لدراسة المؤثرات التي تتعرض لها مصايد الأسماك، سعياً لفهم أسباب رؤية فرق بحثية أخرى لأسماك أكبر حجما على الضفة الاخرى المقابلة للبحر الأحمر ، تحديدا على السواحل السودانية.

ويوضح البروفيسور برومين قائلا: "إن أسماك القرش موجودة في جميع أماكن الغوص في السودان، بالإضافة إلى (القُشريات، وأسماك الهامور والبياض الكبير، والحمرا الكبير). فهذه الأسماك المفترسة الكبيرة متوفرة على سواحل السودان ولكن لا تتواجد بكثرة في شواطىء المملكة. ومن النادر جداً رؤية أسماك القرش وأسماك الهامور الكبيرة أو أسماك الحمرا على الشعاب السعودية".

كما اكتشف فريق معهد وودز هول مستخدماً بيانات قطاع شؤون الثروة السمكية في وزارة الزراعة السعودية بشكل جزئي أن تناقص أعداد كثيرة من الأسماك نتيجة الصيد الجائر منذ عقدين أو ثلاثة عقود. ويقدر البروفيسور بيرومين عدد قوارب الصيد ما بين 8000 – 10000 قارب تعمل على طول الساحل السعودي، تمارس ما وصفه "بالصيد الحرفي".

وفي حين أن هذه القوارب لا تشمل قوارب الصيد التجارية الكبيرة كما قد يعتقد البعض عند دراسة حجم الصيد التجاري، غير أن هؤلاء الصيادين يحدثون تأثيراً كبيراً على مصايد الأسماك بقدر ما تحدثه قوارب الصيد التجاري الكبيرة حتى مع استخدامهم لأدوات بدائية للصيد كالسنارة، والخيوط، وبعض الشباك وربما بعض المصايد أيضاً إلا أن الصيد المستمر مهما اختلف نوعه يمكن أن يؤثر سلباً على البيئة البحرية".

دور التعليم في جهود المحافظة على الحياة البحرية

ويقول البروفيسور بيرومين: "بالإضافة إلى الصيد الجائر، يؤثر التلوث بصورة واسعة على العديد من الشعاب الساحلية والبيئات البحرية في البحر الأحمر. فعندما تتجه إلى ثول قادماً من جدة فإنك ترى غابة من أكياس البلاستيك؛ والكثير من هذا البلاستيك ينتهي به المطاف في البحر. والمشكلة لا تقتصر فقط على المناطق المجاورة للتكتلات الحضرية الكبيرة، ولكن يمكن ملاحظتها على امتداد الساحل السعودي. كما أن التخلص من البلاستيك سيكون تحدياً كبيراً بالنسبة لنا لعقود قادمة".

ويوضح الدكتور مايكل برومين أنه يمكن ملاحظة هذه المشكلة حتى في المناطق النائية مثل المنطقة الواقعة بين جزر فرسان والليث، التي يطلق عليها اسم "الحاجز المرجاني العظيم للمملكة "، حيث يوجد مئات من الشعاب المرجانية الجميلة. فبالرغم من بعدها عن المدن الكبيرة إلا أن الجزر في هذه المنطقة بها الكثير من النفايات والبلاستيك، وأغلب الظن أن الأسماك الصغيرة المهاجرة في هذه المنطقة تتناول الكثير من هذا البلاستيك".

وعلى مدى السنوات القليلة الماضية كان لوجود جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية ومركز أبحاث البحر الأحمر دوراً أساسياً في إجراء الأبحاث وعمليات المسح الهامة لمعالجة مشكلتي التلوث والصيد الجائر ذات التأثير المدمر على البيئة البحرية للبحر الأحمر.

كما أشار البروفيسور بيرومين إلى أن جامعة الملك عبدالله ملتزمة بنشر الوعي العام حول أهمية الحفاظ على البيئة البحرية عن طريق الأبحاث وعمليات المسح التي يقوم بها علماء البحار في الجامعة والتي تساعد كثيراً على تنظيم قواعد الصيد مثل تحديد الحد الأقصى أو الحد الأدنى لحجم الأسماك، تحديد كمية الصيد اليومية، مواسم منع الصيد، ومواقع الصيد المحظورة ومساعدة الجهات الحكومية المعنية في صياغة استراتيجيات الحفاظ على البيئة البحرية. وتحدث بيرومين عن الافتتاح الناجح لفقيه أكواريوم المطل على كورنيش جدة والذي يمثل مؤشراً إيجابياً للغاية خصوصاً في مجال التوعية البيئية. حيث يعد الأكواريوم الأول من نوعه في المملكة، ويشجع على المحافظة على البيئة عن طريق نشر الوعي من خلال التعليم بالترفيه، لذا أنا متفائل بأن هناك خطوات في الاتجاه الصحيح، وفي نهاية المطاف سوف يكون هناك تغيير جذري في السلوك العام تجاه المحافظة على البيئة."


روابط ذات صلة