Top

مجلة "ساينس" العلمية الشهيرة تنشر دراسة دولية شاركت فيها كاوست تبحث العلاقة بين أزمات المناخ والتنوع البيولوجي

منظر جوي لمنطقة إزالة غابات الأمازون المطيرة في البرازيل عن طريق الحرق وتحويلها لمراعي ومزارع. المصدر: شاترستوك

شاركت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) بدراسة دولية نُشرت في مجلة "ساينس" العلمية الشهيرة عن الترابط الوثيق بين أزمات المناخ والتنوع البيولوجي، وكيف أنهما من التحديات الأساسية التي تؤثر في كامل النظم البيئية في كوكبنا. وقاد البروفيسور هانز أوتو بورتنر من معهد ألفريد فيجنر، هذه الدراسة التي حملت عنوان«التغلب على أزمات المناخ والتنوع البيولوجي المقترنين وآثارهما المجتمعية» بمشاركة باحثين مساهمين من كاوست.

يشار إلى أن هذه الدراسة هي نتاج لمجموعة عمل دولية تم تنسيقها على نحو مشترك من قبل مؤسستين منتسبين إلى الأمم المتحدة، وهما المنصة الحكومية الدولية للعلوم والسياسات في مجال التنوع البيولوجي وخدمات النظم البيئية (IPBES)، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPPC).

وتصف هذه الدراسة بالأرقام، مدى ارتفاع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وسرعة فقدان أنواع كثيرة من الكائنات الحية، على سبيل المثال، تبلغ انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في كل عام أكثر من 55 جيجا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، كما أن متوسط درجة الحرارة العالمية الحالية ارتفع بأكثر من 1,1 درجة مئوية منذ ما قبل حقبة الثورة الصناعية. إضافة لذلك، قدّرت الدراسة أن الأنشطة البشرية قد غيرت ما يقرب من 75 في المائة من سطح الأرض و 66 في المائة من المياه البحرية، وفقدنا ما يقرب من 80 في المائة من الكتلة الحيوية من الثدييات البرية و 50 في المائة من الكتلة الحيوية للنباتات البرية، فضلًا عن تفاقم خطر انقراض المزيد من الكائنات أكثر من أي وقت مضى في تاريخ البشرية. وتؤكد الدراسة أن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المتراكمة مسؤولة عن 38 في المائة من هذه التأثيرات، وأنها العامل الأساسي في تدمير الموائل الطبيعية وفقدان التنوع البيولوجي، بل إنها أيضًا مسؤولة عن تقليل قدرة الكائنات الحية والتربة والرواسب على تخزين الكربون، مما يؤدي بدوره إلى تفاقم أزمة المناخ العالمي.

ولمعالجة الأزمات البيئية المتعددة، يقترح خبراء الدراسة نهجًا طموحًا ومتعدد الجوانب يركز على الحد من الانبعاثات، وتَبني إجراءات الترميم والحماية البيئية، والإدارة الذكية للأراضي والموائل، وتشكيل تحالفات عبر المؤسسات والكيانات البيئية والسياسية، ووضع استراتيجيات من شأنها دعم هدف اتفاقية باريس للمناخ الساعية للحد من زيادة درجة الحرارة العالمية أكثر من 1,5 درجة مئوية مع المساعدة في تحقيق أهداف التنوع البيولوجي العالمية للحفاظ على 30 في المائة من الأراضي والمحيطات، ووقف خسائر التنوع البيولوجي واستعادة 30 في المائة من الموائل المتدهورة بحلول عام 2030.

يذكر أن أستاذ علوم البحار المتميز البروفيسور كارلوس دوارتي في كاوست كان من بين الـ 18 مؤلفًا الذي ساهموا في هذه الدراسة الدولية، حيث ساهمت خبرته الواسعة في علم المحيطات والبيئة البحرية في استكشاف طرق جديدة ومبتكرة للتخفيف من تبعات تغير المناخ وسن السياسات البيئية باستخدام الحلول القائمة على الطبيعة. كما لعبت خبرته دورًا حيوياً في تحقيق نتائج هذه الدراسة المشتركة بين المنصة الحكومية الدولية للعلوم والسياسات في مجال التنوع البيولوجي وخدمات النظم البيئية والهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ - وهي المرة الأولى التي تجتمع فيها هاتين المؤسستين لمعالجة العلاقة بين أزمات المناخ والتنوع البيولوجي. يشغل دوارتي حاليًا منصب المدير التنفيذي لمنصة تسريع أبحاث وتطوير المرجان (CORDAP)، التي أنشأتها مجموعة العشرين، والتي تشترك مع منظمات مرموقة مثل صندوق الأمم المتحدة العالمي للشعاب المرجانية لتسريع حلول ترميم واستعادة الشعاب المرجانية في جميع أنحاء العالم.

شعاب مرجانية صحية في البحر الأحمر. يعتبر المرجان من بين الكائنات الحية التي تتأثر إلى حد بعيد بظواهر الطقس المتطرفة واحترار المحيطات. المصدر: كاوست

أشار دوارتي إلى الشعاب المرجانية كمثال رئيسي للكائنات الحية التي تتأثر إلى حد بعيد بظواهر الطقس المتطرفة واحترار المحيطات. وقال «قد تختفي الشعاب المرجانية الكبيرة تمامًا على المدى البعيد في حال استمرت درجة حرارة المحيطات في الارتفاع، وزادت مناطق نقص الأكسجين في التوسع، الأمر الذي سيعرض سواحلنا لارتفاعات غير مسبوقة لمستوى سطح البحر وزيادة حدوث العواصف بصفة مستمرة، ومن ثم التأثير في سبل عيش الناس عبر الأجيال».

ينادي البروفيسور دوارتي وبقية العلماء المشاركين في هذه الدراسة بضرورة حماية ما لا يقل عن 30 في المائة من جميع مناطق الأراضي والمياه العذبة والبحرية والموائل المتدهورة واستعادتها، ويقترحون إنشاء شبكة من المحميات الطبيعية المترابطة وممرات الهجرة التي تُعزز من تعافي النظم البيئية الطبيعية واستدامتها، وتساعد على مكافحة تغير المناخ.

يقول دوارتي «تُظهر هذه الدراسة البحثية بجلاء الروابط القوية بين أزمات التنوع البيولوجي والمناخ، وتدعو إلى وضع خطط عمل شاملة تقلل من العواقب غير المقصودة. الرسالة الرئيسية هي أنه يجب تفعيل الحلول القائمة على الطبيعةبأعلى مستوى ممكن، والتي تتضمن حفظ واستعادة النظم البيئية التي تعمل كمخازن لثاني أكسيد الكربون، لأنها تساهم بقوة في التخفيف من حدة المناخ، وتعزز التنوع البيولوجي، وفي الوقت نفسه تعود بفوائد كبيرة للناس».

يضيف البروفيسور هانز أوتو بورتنر أن الاستعادة المكثفة حتى 15 في المائة من المناطق التي تم تحويلها لاستخدامات المشاريع والأراضي يمكن أن تكون كافية لمنع 60 في المائة من أحداث الانقراض المتوقعة. كما حذر من أن «[هذه الحلول] لن تنجح إلا إذا تظافرت جهود حماية المناخ والحفاظ على التنوع البيولوجي والتوعية الاجتماعية للمجتمعات المحلية في الوقت ذاته». ويؤكد أنه «من غير المحتمل أن نصل إلى أهداف التنوع البيولوجي والمناخ والاستدامة العالمية الجديدة المخطط لها لعامي 2030 و 2050 إذا فشلت المؤسسات الفردية في التعاون بشكل مكثف. فنحن اليوم بحاجة ماسة إلى نهج شامل يمكننا من تحقيق هذه الأهداف».