Top

أبحاث جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية تبتكر أجهزة استشعار "مجسات" ذكية لحياة أفضل وأكثر أماناً

يتم تثبيت جهاز الاستشعار الإلكتروني، الذي يزن 1.8غرام فقط، في مكعب ويحيطه هوائي ثلاثي الأبعاد. تصوير : محمد فهد فاروقي

يعمل عاطف شميم وكريستيان كلوديل الاستاذان المساعدان للهندسة الكهربائية معا بجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية لابتكار شبكات الاستشعار اللاسلكية "للمدن الذكية". ويصف بروفيسور شميم هذه التقنية قائلا " الطريقة ستتغير .... وسوف تغير الأسلوب الذي نؤدي به أشياء كثيرة في حياتنا وستنقلنا نحو معيشة أكثر ذكاء ".

في "المدن الذكية" مستقبلا، ستكون الأجهزة الإلكترونية والمعدات "ذكية" ، بوجود معدات تحتوي على أجهزة استشعار "مجسات" تتصل بعضها البعض، و نقاط الشبكات الثابتة والخوادم المركزية. يتم توصيل هذه المجسات من خلال الإنترنت (IOT)، والتي تمكنهم من تبادل المعلومات. ثم تستخدم الأنظمة الذكية في الحواسيب المركزية لتحليل ومعالجة البيانات الواردة من أجهزة الاستشعار.

ويوضح بروفيسور شميم " أن العنصر الحاسم لهذه الاجراءات هو أنظمة استشعار لاسلكية منخفضة التكلفة". " حيث أن نقاط المجسات الثابتة مفيدة، ولكنها تحتاج إلى الكثير من البنية التحتية، مثل الأبراج والتركيبات" .

إن مشروعنا هو تركيب بعض المجسات الثابتة، مع نشر العديد من المجسات الصغيرة المتنقلة التي تتواصل بدورها لاسلكيا مع أجهزة الاستشعار الثابتة، ثم تقوم بنقل جميع المعلومات الواردة اليها إلى المحطة المركزية لتحليلها ".

التعاون من أجل تقدم ذكي

أشار بروفيسور شميم إلى أن استخدام أجهزة الاستشعار المتنقلة الصغيرة سيؤدي إلى تخفيض تكلفة البنية التحتية بشكل كبير، كما تمكن أيضا البروفيسور شميم من جمع البيانات من الأماكن النائية مثل الغابات أو الصحاري حيث يصعب او يستحيل تركيب أجهزة استشعار ثابته بها.

وتدمج المجموعات البحثية لبروفيسور شميم وبروفيسور كلاوديل مواهبهم وخبراتهم معا لإحراز تقدما في استخدام أجهزة استشعار لاسلكية لرصد الفيضانات. وتعد هذه القضية ذات أهمية كبيرة للمملكة العربية السعودية و خاصة لمدنها مثل مدينة جدة، التي شهدت في عام 2009م كارثة الفيضانات التي أودت بحياة المئات وتسببت في أضرار فادحة بالممتلكات.

أشار بروفيسور كلاوديل " أن حلول أجهزة الاستشعار الكلاسيكية، مثل شبكات الاستشعار اللاسلكية الثابتة أو صور الأقمار الصناعية، تعد حلولاً مكلفة للغاية وقد لا تكون دقيقة بالقدر المناسب في الكشف عن الفيضانات – وخاصة الفيضانات المفاجئة" "وعوضا عن ذلك، فقد اختبرنا استخدام الطائرات بدون طيار المجهزة بأجهزة الاستشعار الدقيقة المتنقلة القابلة للطفو ذات الطباعة ثلاثية الأبعاد وبأنظمة الارسال الخاصة بأجهزة الاستشعار الخاصة برصد أحداث الفيضانات المفاجئة".

وصرح الباحثون أن نظام الاستشعار المتنقل القابل للطفو الحديث المسمى " نظام استشعار لاجرانجيان" يعد نظاما واعدا للاستشعار واسع النطاق او للاستشعار عند الطلب نظرا لأنه يتطلب الحد الأدنى من البنية التحتية. وعند استخدام هذا الأسلوب، تقوم الطائرات بدون طيار بإسقاط أجهزة الاستشعار اللاسلكية الصغيرة على المساحة التي سيتم رصدها. حيث تطفو أجهزة الاستشعار وتتحرك مع جريان مياه الفيضان وتقوم بإرسال اشاراتها الى الطائرة بدون طيار. حيث تشكل هذه الاشارات خريطة تحدد حجم الفيضان و يتم نقل هذه البيانات إلى محطة مركزية ثابتة لمعالجتها. ويمكن أن تستخدم هذه المعلومات فيما بعد لتحذير السلطات العامة وغيرها من الهيئات عن حجم الفيضان.

قال بروفيسور شميم " يقوم بروفيسور كلاوديل بتصميم الأنظمة وتطبيقها على مشروع البحث، بينما يقوم فريقي بتطوير أجهزة الاستشعار الفعلية" " وبهذه الطريقة ،أعتقد أننا مناسبان جدا للتعاون معا."

أثمر هذا التعاون عن بحث تم نشره مؤخرا في مجلة " الهوائيات وانتشار الموجات " الصادرة عن جمعية مهندسي الكهرباء والإلكترونيات بعنوان " نظام تتبع لاجرانجيان القابل للطفو المطبوع طباعة ثلاثية الابعاد بطابعة الحبر inkjet لرصد الوقت الحقيقي للفيضان" DOI: 10.1109/TAP.2014.2309957

وقد تقدمت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية للحصول على براءة الاختراع لهذه التقنية وغيرها من التقنيات ذات الصلة.

تطوير حلول منخفضة التكلفة

كان تصميم أجهزة الاستشعار أحد تحديات أعمال البحث التي واجهت البروفيسور كلاوديل والبروفيسور شميم وفريقيهما. ويوضح بروفيسور شميم "أردنا أن نجعل المجسات منخفضة التكلفة لأنها تستخدم لمرة واحدة". "نحن نستخدم الطابعات النافثة للحبر لطباعة بيانات الالكترونيات على الورق والبلاستيك، ولكننا استخدمنا الورق في هذا البحث ،لأن الورق خفيف الوزن، وتمثل تكلفته 1/10 من تكلفة البلاستيك، ومناسب جدا للطباعة النافثة للحبر. وبالإضافة إلى ذلك، فان الورق غير قابل للتحلل ويتم تصنيعه من موارد متجددة ".

أنتج الباحثون مكعب ورقي صغير بحجم 13 ملم × 13 ملم × 13 ملم ويتم تثبيت جهاز الاستشعار الإلكتروني، الذي يزن 1.8 غرام فقط، فيه ويحيطه هوائي ثلاثي الأبعاد يسمح للمكعب أن يرسل اشاراته الى اي اتجاه يتحرك (او يطفو) فيه.

أشار بروفيسور شميم " نظرا لأننا كنا نعمل على تطبيق خاص برصد الفيضانات، كان علينا أن نطور جهاز الاستشعار ليعمل في المياه كما يعمل في الهواء." "كان لدينا شك في أداء أجهزة الاستشعار في المياه، لذا قمنا بتغليفها بنوع خاص من الغراء. ثم انتجنا مكعب صغير جدا، خفيف الوزن ، صالح للطفو فوق المياه وتم تغليفه كهربائيا. يعمل الجهاز بشكل جيد جدا في الماء ويشع لمسافة تصل الي 50 متر في جميع الاتجاهات. و كان الأداء أفضل مما كنا نتوقع."

قال بروفيسور شميم : هذه التقنية لها العديد من التطبيقات الممكنة الأخرى ، "فيمكنك اضافة أجهزة استشعار لغاز الأمونيا، الكبريت وأول أكسيد الكربون، الرطوبة أو درجة الحرارة في المكعب". "هذا سيسمح بالكشف عن الغازات السامة والأوضاع البيئية الأخرى، التي من شأنها أن تكون مفيدة خاصة في المواقع الصناعية والمناطق النائية، خلال أحداث مثل حرائق الغابات."

يأمل بروفيسور شميم و بروفيسور كلوديل في دمج تقنية أجهزة الاستشعار الدقيقة منخفضة التكاليف القابلة للطباعة والتي تستخدم لمرة واحدة في الحياة اليومية للمواطنين. ولن يقتصر دور هذه التقنية فقط على توفير حماية أكثر للمواطنين خلال الأحداث والكوارث مثل الفيضانات، لكنها ستساعد أيضا في تحديد أماكن السيارات في مواقف السيارات المزدحمة، وتتبع الأطعمة منتهية الصلاحية في محلات السوبرماركت، وفي انشاء المنازل الذكية، حيث تتمكن الأجهزة المنزلية وأنظمة الاغلاق الإلكترونية ان "تتصل "مع بعضها البعض للتأكد من أنها تعمل بشكل جيد.

ويقول بروفيسور شميم: " اعتقد أن هذه التكنولوجيا ستغير طريقة حياة الناس، وطريقة تسوقهم، ومتابعتهم للأمور". "وبهذه التكنولوجيا سيكون لدينا حياة أفضل، في منازلنا و مكاتبنا و أعمالنا – مما يحقق الفائدة للجميع."