Top

إنقاذ المدن الخاوية

البروفيسور كمال يوسف تومي، أستاذ الهندسة الميكانيكية والروبوتات في معهد ماساتشوستس للتقنية، ومدير مشارك لمركز الأنظمة الهندسية المعقدة التابع لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية (KACST) ومعهد ماساتشوستس للتقنية، في كلمة عن كيفية إنشاء مدن مزدهرة خلال برنامج الإثراء في الربيع 2018.

بدأت الصين في أوائل عام 2000 في بناء مدينة أوردوس كانغباشي، وهي مدينة جديدة مستقبلية تقع في منطقة منغوليا الداخلية. وكان من المفترض أن تكون هذه المدينة استثنائية - مدينة للتعدين يقطنها الموظفون الحكوميون وغيرهم من العمال من مدينة دونغ شنغ، وهي مدينة صناعية قديمة وكبيرة تقع في الشمال. وجاء تأسيس مدينة أوردوس بعد ازدهار تعدين الفحم في المنطقة، حيث تتوقع الحكومة الصينية أن يبلغ عدد سكان أوردوس مليونًا بحلول عام 2023.

ومع ذلك، سرعان ما واجهت أوردوس مجموعة من مشاكل أهمها تعثر استخراج الفحم -وهو جزء أساسي من اقتصاد المنطقة -الامر الذي أجبر الحكومة الصينية على خفض استيعاب المدينة إلى 300,000 شخص. وعلى الرغم من المشاكل الاقتصادية، استمر بناء المدينة، حيث انتهى العمل من المرافق المركزية الرئيسية في أوردوس مثل دار أوبرا جميلة، وساحة مركزية كبيرة تنافس ساحة تيانانمن في بكين، ومكتبة ضخمة ومباني حكومية كبيرة، وسكن للمقيمين القادمين.

ساحة فارغة في مدينة أوردوس كانغباشي، في منطقة منغوليا الداخلية، في الصين، تحتوي على تمثال يحاكي تاريخ وثقافة المنطقة. وتبدو المدينة التي شيدت مؤخرًا خالية من السكان.

هل فشل مشروع أوردوس؟


بدأت مدينة أوردوس في جذب انتباه وسائل الإعلام في عام 2009 بسبب المساحات الشاسعة من المباني السكنية غير المشغولة والشوارع الفارغة التي يبلغ عرضها 40 مترًا. حتى أن وسائل الإعلام الدولية وصفتها بالمشروع الفاشل و"مدينة الأشباح"، وكارثة العمارة الحديثة.

ولكن هل كانت فعلاً كذلك؟ بحلول عام 2016، بلغ عدد سكان أوردوس أكثر من 100,000 نسمة، وت بيع ما يقرب من 90٪ من الشقق التي كان العديد منها لم يشغل بعد. ولكن الامر تغير بعد أن قامت الحكومة بتقديم حُزم من الحوافز -بما في ذلك السكن المجاني، والتعليم النموذجي للأطفال والمرتبات المرتفعة - وبدأ موظفو الحكومة بالانتقال إلى المدينة ، وشهدت تدفق مستمر من السكان القادمين من مدينة دونغ شنغ. إذن، لماذا تبدوا معظم مناطق أوردوس مهجورة؟

يقول البروفيسور كمال يوسف تومي، أستاذ الهندسة الميكانيكية والروبوتات في معهد ماساتشوستس للتقنية، خلال محاضرته في برنامج الإثراء في الربيع 2018 في حرم جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية: "الناس ليسوا سوى جانب واحد من هذه القصة. وهناك عوامل أخرى تلعب أدوراً مهمة أيضاً مثل البيئة متمثلة في المرافق والمناطق العامة، والتأثير الاقتصادي. فجميع المدن العظيمة تضم في تصميمها مرافق ومناطق عامة عظيمة وتمتلك أيضاً توازناً كبيراً بين التنمية الاجتماعية والاقتصادية ".

البروفيسور كمال يوسف تومي، أستاذ الهندسة الميكانيكية والروبوتات في معهد ماساتشوستس للتقنية، ومدير مشارك لمركز الأنظمة الهندسية المعقدة التابع لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية (KACST) ومعهد ماساتشوستس للتقنية، يوضح لماذا فشلت مدن مثل أوردوس في الصين في الازدهار وذلك خلال فعاليات برنامج الإثراء في الربيع 2018 في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية.

 

المناطق العامة


ويعرّف البروفيسور كمال، مصطلح المناطق العامة "بالمساحات التي تكون حول المباني وبينها وداخلها والتي يمكن الوصول إليها بشكل عام، بما في ذلك الشوارع والحدائق والمساحات المفتوحة، والمتنزهات التي يستخدمها الناس، والتي تعزز التفاعل وتسمح لهم بالاستمتاع بالحياة". وأكد أن " المناطق العامة والأثر الاقتصادي هما مفهومان مهمان وموجودان في معظم المدن والأمم الناجحة".

وعلى الرغم من جمالية العمارة الهندسية في مدينة أوردوس، وتطور الطراز العمراني لمبانيها الأنيقة والمساحات المفتوحة الضخمة، الا أن هناك خللاً منطقياً في تصميمها. فمثلاً نجد أن شوارع المدينة الضخمة والتخطيط الهائل، يجبر سكان المدينة على التنقل بالسيارة لمسافات طويلة جدًا للتسوق والترفيه والعمل، الأمر الذي جعل سكان المدينة لا يرون بعضهم البعض إلا نادرًا. كما أن معظمهم أصبح بفضل الذهاب بسيارته إلى مدينة دونغ شنغ للترفيه. 

ويشرح البروفيسور كمال: "يجب أن يراعى في تصميم وبناء المدن تعزيز التفاعل بين الناس، والبيئة تلعب دوراً مهمًا جدًا في هذا الصدد. ومع ذلك، فإن البيئة نفسها ليست كافية، يجب على مدن مثل أوردوس أن تنوع فرص العمل لتحقيق النجاح في المستقبل".

الدرس الذي تقدمه لنا مدينة أوردوس هو أن عامل ازدهار البيئة المدنية مرهون بتركيز مسؤولي تخطيط المدينة على المناطق والمرافق العامة وخلق فرص للتأثير الاقتصادي. وعلى الرغم من محاولات الحكومة الصينية تنويع اقتصاد أوردوس بعيدًا عن تصدير الفحم، وخلق فرص للشركات الناشئة ومصانع إنتاج السيارات الكهربائية والسياحة، إلا أن معظم قضايا المدينة الرئيسية لا تزال قائمة.


​البروفيسور كمال يوسف تومي، أستاذ الهندسة الميكانيكية والروبوتات في معهد ماساتشوستس للتقنية، ومدير مشارك لمركز الأنظمة الهندسية المعقدة التابع لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية (KACST) ومعهد ماساتشوستس للتقنية.

 

تصميم وبناء مدينة عظيمة

يعمل البروفيسور كمال يوسف تومي أيضاً مديراً مشاركاً لمركز الأنظمة الهندسية المعقدة التابع لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية (KACST) ومعهد ماساتشوستس للتقنية، الكائن في مدينة الرياض. وفي مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، يركز هو وفريقه من الباحثين الدوليين على تطوير طرق لنمذجة وتصميم وإدارة ومحاكاة الأنظمة المعقدة، مثل النقل الجوي والبري والسكك الحديدية والشبكة الكهربائية وشبكات توزيع المياه -وكلها مهمة في التصميم وإدارة المدن الحديثة. يقول: "نطور تفاعلات متقدمة بين الإنسان والحاسوب في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية بحيث يمكن استخدام هذه النماذج في العديد من الجوانب المختلفة، مثل المراقبة والتخطيط أو التنبؤ في التعامل مع الأنظمة المعقدة والكبيرة". وهي مجالات أبحاث كانت ستخدم مخططي مدينة أوردوس لو أنهم استشاروا فريق البروفيسور كمال يوسف تومي في المراحل المبكرة من تصميم المدينة التي باتت تعرف دولياً "بمدينة الأشباح".

يقول البروفيسور كمال: "التغيير والتكيّف مهمان بنفس القدر للناس والمدن. وعلينا أن نكيف أنفسنا -ومدننا -مع تغير الأوقات والاستراتيجيات. يجب أن نتكيف، وأن نتعلم مهارات جديدة ونستمر. إن العزم على التغيير مع المعرفة الجديدة أمران مهمان لجعل المدن العظيمة على ما هي عليه اليوم ".