Top

كاوست تطور تقنية تمكن الخلايا الشمسية من التتبع الذاتي للشمس

تمامًا كما تتعقب نبتة دوار الشمس حركة الشمس طوال اليوم، طور باحثو كاوست ألواحًا شمسية يمكنها عمل نفس الشيء باستخدام الطباعة رباعية الأبعاد. تصوير: خافيير بيتا.

«كاوست» تطور تقنية مبتكرة للتتبع الشمسي تستند الى الطباعة رباعية الابعاد لتمكين الخلايا الشمسية من التعقب الذاتي للشمس

بإشراف عالمة الأبحاث في مجال الهندسة الكهربائية، الدكتورة نازك الأتب، طور فريق متعدد التخصصات في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، ألواحا شمسية تستطيع توجيه نفسها وتعديل وضعها على مدار اليوم لتتبع حركة الشمس. ولا تتميز هذه التقنية بعدم استهلاكها للطاقة الكهربائية فحسب، بل إنها تزيد بشكل كبير من إنتاج طاقة الخلايا الشمسية المستخدمة.

وتتزامن مساهمات «كاوست» في مجال الطاقة الشمسية، مع تجدد الحديث بزخم عال عن تبني خيار استخدام الطاقة المتجددة، خاصة بعد اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية، تماما مثلما حدث ابان الحظر النفطي عام 1973.

كما تدعم تلك الأبحاث الخطط الطموحة التي تتضمنها رؤية المملكة 2030 فيما ما يتعلق بالطاقة المتجددة التي تستهدف زيادة الإنتاج لهذا المورد إلى الحد الأمثل، وتحقيق التوازن في مزيج مصادر الطاقة المحلية والوفاء بالتزامات البلاد تجاه تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وتستهدف المملكة تحقيق المزيج الأمثل للطاقة، والأكثر كفاءة والأقل كلفة في إنتاج الكهرباء، وذلك بإزاحة الوقود السائل والتعويض عنه بالغاز الطبيعي، إضافة إلى مصادر الطاقة المتجددة التي سوف تشكل ما يقارب 50%؜ من مزيج الطاقة لإنتاج الكهرباء بحلول عام 2030.

أهمية التعقب الشمسي

بحسب نشرات الأمم المتحدة في إطار العمل المناخي، فان الطاقة الشمسية تعد الأكثر وفرة من بين جميع مصادر الطاقة في العالم، ويمكن حتى توليدها في الطقس الغائم. ويفوق معدل اعتراض الأرض للطاقة الشمسية بحوالي 10000 مرة معدل استهلاك البشر للطاقة.

ويمكن لتقنيات الطاقة الشمسية توفير الحرارة والتبريد والإضاءة الطبيعية والكهرباء والوقود لمجموعة من التطبيقات. وتعمل تقنيات الطاقة الشمسية على تحويل أشعة الشمس إلى طاقة كهربائية إما من خلال الألواح الكهروضوئية أو من خلال المرايا التي تركز الإشعاع الشمسي.

ويكمن السبب الأهم لاستخدام أنظمة التتبع الشمسية في زيادة إنتاجية المنظومة الشمسية، اذ أن شدة أشعة الشمس على سطح الأرض تكون منخفضة بسبب المسافة الكبيرة بين الأرض والشمس والغلاف الجوي للأرض الذي يمتص وينثر الإشعاع. عليه فان أنظمة التتبع تضمن سقوط أكبر قدر ممكن من الإشعاع الشمسي على الألواح الشمسية المستخدمة، وبالتالي زيادة كمية الإشعاع الذي يتم تحويله إلى طاقة كهربائية من أجل الحصول على قدر أكبر من الطاقة من نفس عدد الألواح في نفس المساحة، وبتكلفة منخفضة.

اليوم تركز الكثير من الأبحاث على تحسين كفاءة الألواح الشمسية، ومع ذلك فإنها لا تعالج مشكلة عدم وصول أشعة الشمس لكافة أسطح هذه الألواح خصوصًا عندما تكون الشمس منخفضة في السماء، الأمر الذي ينتج عنه توليد جزء بسيط فقط من الطاقة مقارنةً عندما يضرب ضوء الشمس اللوحة من أعلى مباشرة.

فغالبية الأنظمة المستخدمة حاليا لتتبع حركة الشمس، هي بشكل عام أنظمة ميكانيكية ضخمة تضم أجهزة استشعار ضوئية ومعالجات دقيقة ومحركات. وفي هذا الصدد تقول الدكتورة الاتب: "هذه الأنظمة الثقيلة والكبيرة مكلفة، وتستهلك الكثير من الطاقة وتتطلب صيانة مستمرة، فضلًا عن أن تطبيقاتها محدودة".

من هذا المنطلق ركز الفريق البحثي في «كاوست»، على تقنية الطباعة رباعية الأبعاد التي تختلف عن الطباعة ثلاثية الابعاد في أنها تستخدم مواد ذكية يمكنها التفاعل مع البيئة وتغيير شكلها.

هذا يعنى ان الطباعة رباعية الأبعاد تمنح الاشكال المطبوعة بتقنية الطباعة ثلاثية الابعاد القدرة على تغيير شكلها بمرور الوقت، وهذا بالضبط ما تشير اليه جملة "رباعية الابعاد" أي إضافة عنصر الوقت أو الزمن. هذه التقنية تجمع بين الطباعة ثلاثية الأبعاد، وعلوم المواد عالية المستوى والهندسة والبرمجيات، وتتجلى تطبيقاتها في مجالات متعددة مثل السلع الاستهلاكية، السيارات، الطب، الصناعات الدفاعية والفضاء.

تقنية «كاوست» المُطورة

تكمن الفكرة، في أن الجسم المطبوع بتقنية الطباعة رباعية الابعاد يمكن ضبط استجابته لمحفز معين، مثل الحرارة أو الرطوبة أو الضوء. وتوضح الدكتورة الاتب أن فكرتهم تعتمد على طباعة دعائم ألواح الخلايا الشمسية باستخدام مادة تتفاعل مع ضوء الشمس، فعند تعرضها لأشعة الشمس المباشرة تتقلص هذه المادة وتنكمش. وعندما يصطدم ضوء الشمس باللوحة من جانب واحد يتسبب بتقصير القوائم المعرضة للشمس، مما يؤدي إلى إمالة اللوحة نحو الشمس، وزيادة إنتاج الطاقة.

عملت الدكتورة الأتب على تطوير هذا المفهوم من خلال جمع فريق من مختلف التخصصات والمهارات التي يحتاجها مثل هذا المشروع، وتقول:" تطلب هذا المشروع وجود تخصصات مختلفة كالفيزياء والهندسة الكهربائية والهندسة الميكانيكية أيضاً". واعتمد تصميمهم لدعائم الألواح على كومة من الأسطوانات المجوفة مصنوعة من مادة بيضاء. وعند تعرضها لأشعة الشمس، يتغير شكل كل أسطوانة من شكل دائري إلى شكل بيضاوي، مما يؤدي إلى تقصير الدعائم. بعدها تم عمل تعديل بسيط على التصميم من خلال صبغ المادة باللون الأسود بواسطة قلم تلوين دائم. هذا الأمر ساعد في تسريع عملية استجابة المادة للضوء الى الضعفين. تقول الدكتورة الاتب: "نعمل الآن على إضافة لون أسود إلى المادة أثناء طباعتها".

أثناء الاختبار، كانت الألواح الشمسية المزودة بدعائم مطبوعة رباعية الأبعاد تتعقب أشعة الشمس بدقة. تقول الاتب: "تبين لنا أنه إذا كانت الشمس مائلة بحوالي 30 درجة، فإن الخلية الشمسية الثابتة ستفقد حوالي 30 في المائة من ناتج الطاقة، مقارنة بستة في المائة فقط باستخدام جهاز تعقب الطاقة الشمسية. وهو تحسن كبير ولكن لا يزال هناك مجال للمزيد من التحسين".

ويري الكثير من العلماء ان إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية سينمو بسرعة خلال السنوات المقبلة، ويشيرون الى ان اليوم تنتج الألواح الشمسية فوق السطوح والمنشآت الشمسية أكثر من 3 في المائة من الحاجة العالمية للكهرباء، وفي 2030 ستصل تلك النسبة إلى 35 في المائة.

وتؤكد الدكتورة الاتب على انها وفريقها دائما ما يبحثون عن الابتكارات التي تعالج التحديات الحقيقية التي تواجه المنطقة والعالم، وتضيف:" لهذا ننظر بعين الاعتبار لتقنية الطاقة الشمسية التي تعتبر مصدر الطاقة المتجددة الأكثر جدوى والبديل عن طاقة الكربون التقليدية".