Top

خارطة طريق لإنقاذ الشعاب المرجانية

ترميم المرجان عن طريق العلاج الميكروبي. في الصورة، يضيف الأستاذان راكيل بيشوتو (كاوست) وكريستيان فولسترا (جامعة كونستانز) خليطاً من بكتيريا مفيدة معزولة من مستعمرات مرجانية صحية ومرنة، إلى مستعمرة مرجانية من نفس النوع لزيادة قدرتها على تحمل الإجهاد الحراري. تصوير: هيلينا فيليلا.

بالتعاون مع باحثين متميزين من حول العالم لإنقاض الشعاب المرجانية
علماء من كاوست يقترحون خارطة طريق لترميم الشعاب المرجانية وحمايتها

تواجه الشعاب المرجانية في جميع بحار العالم، تدهوراً سريعاً يهدد بقائها بسبب تغير المناخ والأنشطة البشرية المختلفة. ولهذه الظاهرة عواقب وخيمة على ما يقرب مليار شخص يمثلون المجتمعات التي تعتمد بشكل مباشر على خدمات النظام البيئي للشعاب المرجانية الاستوائية. وتؤكد التوقعات الحالية أن الشعاب المرجانية قد تنقرض بحلول عام 2050، في حال لم تتحرك الدول وأوجدت تطبيقات وحلول عملية فعالة لهذه المشكلة.

وفي هذا السياق، يتعاون نخبة من باحثو جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، مع مجموعة من الباحثين المتميزين من جميع أنحاء العالم، لتبني نهج تكيفي قائم على الطبيعة، لتعزيز استعادة الشعاب المرجانية وحمايتها. وكان نتاج هذا التعاون، دراسة بحثية نُشرت في مراجعات الأرض والبيئة لمجلة نيتشر العلمية (Nature Reviews in Earth & Environment)، في 12 أكتوبر 2021، تقترح استراتيجيات تدخل لمنع المستقبل القاتم للشعاب المرجانية.

"هولوبيونت المرجان"

الهولوبيونت (holobiont) هو عبارة عن تجمع يضم الكائن المضيف والعديد من الكائنات الأخرى، التي تعيش فيه أو حوله، والتي تشكل معًا وحدة بيئية منفصلة. وتعد بيئة الشعاب المرجانية من الأمثلة الشائعة لذلك، حيث أنها مضيفة للعديد من الكائنات الحية الدقيقة، بما في ذلك الطحالب التي تشترك معها تكافلياً في عملية التمثيل الضوئي. لهذا يُطلق عليها علمياً مصطلح "هولوبيونت المرجان" (The coral holobiont).

ولسوء الحظ، فإن تغير المناخ، وما يترتب عليه من ارتفاع درجة حرارة مياه البحر، أجبر المرجان على طرد هذه الطحالب الدقيقة التكافلية، الأمر الذي يفقد المرجان مصدره الأساسي للتغذية، وبالتالي يؤدي إلى مجاعته وانخفاض خصوبته، مما يسبب ابيضاضه ونفوقه على نطاق واسع.

هناك هاجس مشترك بين علماء البيئة، مفاده أن معدل التغير البيئي يمكن أن يفوق قدرة "هولوبيونت المرجان" على التكيف مع البيئة المتغيرة بسرعة. وبالتالي نحتاج الى تطوير نهج سريع، يأخذ في عين الاعتبار التكيفات البيولوجية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية، للحفاظ على الشعاب المرجانية وتأخير نفوقها على مستوى العالم. ومن هنا، وضع العلماء المعنين بالدراسة، خارطة طريق محددة لاستعادة الشعاب المرجانية، يتم التركيز فيها بشكل خاص على مكونات محددة من "هولوبيونت المرجان"، التي يمكنها زيادة قدرة التكيف الطبيعية للشعاب المرجانية، ومساعدتها على البقاء على قيد الحياة في ظل تغير المناخ.

كما أشارت الدراسة أيضاً إلى مناهج معينة ينبغي تطبيقها لحماية كل شعاب مرجانية بطريقة مخصصة، من خلال مراعاة مستوى التدهور والمكان والسمات الخاصة الأخرى.

عملية ترميم المرجان عن طريق زراعة الشعاب المرجانية في خزانات خاصة، تسمح لليرقات المرجانية بالاستقرار على ركيزة اصطناعية لتنمو إلى حجم معين في بيئة محكمة، يتم نقلها بعد ذلك الى موقع الشعاب المرجانية المتضررة في البحر. تصوير: آنا رويك.

توسيع القدرة على التكيف الطبيعي

ويقول البروفيسور كريستيان فولسترا، المؤلف الرئيسي للورقة البحثية، والأستاذ بجامعة كونستانز، وأستاذ غير متفرغ في كاوست: "تعتمد دراستنا على مبدأ توسيع قدرات التكيف الطبيعية للهولوبيونت، وبالتالي مساعدة الشعاب المرجانية على البقاء حتى في ظل سيناريوهات تغير المناخ الأكثر قسوة المتوقعة". ويؤكد فولسترا على أهمية التنسيق العالمي في هذا الصدد، لوضع إطار تدخل تكيفي لإنقاذ المرجان، مصمم حول الحلول القائمة على الطبيعة، واعتماد منهجية موحدة وتقييمات للسلامة وإجراءات تحليلية تقدم قياسات متسقة وقابلة للتطوير.

وفي الوقت نفسه، يعد فهم كيفية عمل الشعاب المرجانية أمرًا أساسيًا لنجاح أي نهج يستغل قدرتها الطبيعية على التكيف، إضافة للمعرفة التفصيلية حول بقاء الشعاب المرجانية على المدى الطويل، وفهم الآليات المختلفة لمقاومة هولوبيونت المرجان، والظروف البيئية التي تكمن وراء تحمل الإجهاد المرجاني. ويقول مانويل أراندا، أحد مؤلفي الورقة البحثية والأستاذ المشارك في كاوست:"بمجرد فهم هذه الجوانب، يمكن استخدام نفس الآليات التي تطورت بشكل طبيعي، لمساعدة الشعاب المرجانية على البقاء على قيد الحياة، وتعزيزها لتحسين مقاومة المرجان لتبعات تغير المناخ".

معدل النجاح وتقييم المخاطر والفوائد

سيختلف نجاح هذه التدخلات وأي مخاطر محتملة مرتبطة بها، اعتمادًا على النهج والبيئة الخاصة التي يتم تطبيقها فيها. كما سيعتمد أيضاً على مستوى تدهور الشعاب المرجانية. لهذا السبب، فإن التدخلات التكيفية هي الأكثر ملاءمة لتقييم المخاطر والفوائد.

ونظرًا لأن علم تدخلات الشعاب المرجانية لا يزال في بدايته، فمن الضروري تقييم المخاطر والفوائد المحتملة للعلاجات والمناهج المطروحة على المدى الطويل، لتحديد فعاليتها وقابليتها للتطبيق وأفضل طريقة لدمجها مع بعضها البعض أو مع التقنيات الأخرى.

وتقول راكيل بيشوتو، مؤلفة مشاركة في البحث وأستاذة مشاركة في علوم البحار في كاوست: " عند تبني أي نهج تدخل لإنقاذ الشعاب المرجانية، يجب أن ينظر الى عواقب تطبيقه مقارنة مع عواقب عدم التدخل ".

شارك باحثو كاوست هذه الدراسة مع قادة أبحاث عالميين لتطبيق استراتيجيات التدخل الطارئ لإنقاذ الشعاب المرجانية، التي تتدهور بسرعة في جميع أنحاء العالم بسبب تغير المناخ ولأنشطة البشرية. ويهدف الباحثون إلى توسيع القدرة التكيفية الطبيعية للحيوانات المرجانية والكائنات المجهرية، التي تعيش في المرجان للتعامل مع تغير المناخ وإنقاذ النظام البيئي للشعاب المرجانية من الانقراض.