Top

علماء من «كاوست» وكندا يكشفون عن بروتين يحمي شيفرة تكوين العضلات

مُركب بروتيني يعزز استقرار الحمض النووي الريبي في أثناء رحلته إلى مصنع البروتين في الخلية

إذا أتيحت لك الفرصة للنظر عبر مجهر الكتروني لما يحدث داخل نواة الخلية التي تعد أصغر وحدة بنائية يتكون منها الكائن الحي، لرأيت العجب العجاب. هذه الخلية تعد الوحدة الاساسية لكل اشكال الحياة بسبب وجود كل مقومات الحياة فيها.

وقد لا يصدق الشخص العادي ان نواة الخلية المتناهية الصغر تلك، هي عالم قائم بحد ذاته، فيه ورش عمل ومصانع تقوم بكل ما يلزم الكائن الحي من عمليات معقدة لضمان استمرار الوظائف الحيوية في جسمه، وبالتالي استمرار حياته، ومن بين هذه العمليات عملية تصنيع البروتين.

ولكي تقوم الخلايا بوظائفها المختلفة، تستخدم أدوات صغيرة تسمى بروتينات، وهي مُركبات وظيفية بيولوجية، وحدة بنائها الأساسية هي الأحماض الأمينية. وتتكون البروتينات من سلسلة طويلة جدًا من هذه الأحماض، وتقوم بدور أساسي في جميع التفاعلات الحيوية التي تجري في أجسامنا.

تحدث عملية تصنيع البروتين في جميع خلايانا على مدار الساعة ولا تستغرق الواحدة منها إلا بضع ثوان. وتبدأ العملية في نواة الخلية حيث يوجد الحمض النووي (DNA) الذي يحتوي على الشيفرة الجينية لصنع البروتينات، بما في ذلك البروتينات اللازمة لتكوين العضلات. بعد ذلك يقوم مراسل بنقل التعليمات لتشكيل البروتين، وهو الحمض النووي الريبي (RNA) الذي ينسخ الشيفرة البرمجية لتصنيع البروتين، وتسلسل القواعد فيها. بعدها يقوم بنقلها في رحلة من نواة الخلية، بعد ان يخترق مسام النواة، ليصل منها إلى الوسط السائل الموجود بين النواة وغشاء الخلية والذي يسمى (السيتوبلازما).

حامل الشيفرة

وثمَّة بروتينان لهما أهمية بالغة في حماية واستقرار الحمض النووي الريبي (RNA) كونه يحمل شيفرة تكوين العضلات عبر الخلية، وقد يكون لهذا المركب البروتيني - المرتبط باستقرار الحمض النووي الريبي - آثاراً من شأنها العمل على تعافي العضلات وعلاج الأمراض.

ويعدّ الحمض النووي الريبي (RNA)، بمثابة جزيء هش، وهو شبيه بالحمض النووي (DNA)، ولكنه يختلف عنه في أنه أصغر بكثير، ويعمل كوسيط أو مرسال يحمل الشيفرة الجينية المنسوخة من الحمض النووي إلى مصانع البروتين في الخلية، حيث يتم ترجمة الشيفرة لتشكيل مختلف المكونات الصغيرة التي تجعلنا منّا ما نحن عليه.

تقول عالمة الكيمياء الحيوية الدكتورة بريندا جانيس سانشيز من مبادرة «كاوست للصحة الذكية»: "لم يعد يُنظر إلى الحمض النووي الريبي (RNA) باعتباره مجرد قناة وسيطة أقرب ما تكون إلى الجندي المجهول، لكنه في واقع الأمر بمثابة نقطة تفتيش تنظيمية، ضرورية للوظيفة الطبيعية لجميع العمليات الحيوية."

هذا يعني أننا بحاجة إلى تضافر مختلف جوانب الآلية الخلوية؛ لمنع تحلل الحمض النووي الريبي المرسال، وللحفاظ على حركته، لضمان ترجمة الشيفرة التي يحملها في النهائية إلى بروتين. إذ إن في حالة اضطراب أي جزء من هذه العملية، سيتأثر تخليق البروتين بصورة كبيرة، مما يؤدي إلى سلوك خلوي غير طبيعي، وربما موت المرسال. في ضوء هذه المسألة الحيوية المعقدة، حدَّدت سانشيز وزملاؤها في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، وجامعة ماكجيل في كندا مركباً بروتينياً مهماً يدعم استقرار الحمض النووي الريبي المرسال أثناء تكوين ألياف العضلات.

من اليسار: الدكتورة بريندا جانيس سانشيز والبروفيسور عماد الدين غالوزي من مبادر «كاوست للصحة الذكية». © «كاوست» 2023؛ أناستاسيا سيرين.

هل يمكن أن يؤدي المركب إلى إنتاج ألياف عضلية أفضل؟

يتكون المركب من بروتينين، هما: المستضد البشري R (HuR) وبروتين ربط Y-Box 1 (YB1)، حيث لا يزال يتعين اكتشاف الأدوار الدقيقة لكل بروتين على حدة في عملية استقرار الحمض النووي الريبي. ويساعد المزيد من التحقق على الوقوف على آلية القيام بكل ما يمكن أن يساعد العلماء في التحكم في كمية وأنواع البروتينات المصنوعة في العضلات وكذلك في الأنسجة الأخرى في أي وقت.

وتتساءل جانيس سانشيز والتي تشمل اهتماماتها البحثية تطوير علاجات قائمة على الحمض النووي الريبي؛ لتحسين نمو العضلات الهيكلية ومكافحة الأمراض المرتبطة بالعضلات: "ماذا لو تمكنا من تعزيز ارتباط البروتينين HuR وYB1 أثناء علاج إصلاح العضلات؟ هل يمكن أن يؤدي هذا إلى إنتاج ألياف عضلية أكثر أو أفضل؟ وتشير إلى أنّ تعلُّم كيفية التحكم في دوران الحمض النووي الريبي أثناء تكوين الألياف العضلية، قد يكون له تداعيات هائلة في تطوير علاجات جديدة تمنع الأمراض ذات الصلة بالعضلات.

عرف العلماء مسبقاً دور بروتين HuR في عملية تثبيت الحمض النووي الريبي المرسال، الذي يحتوي على تسلسلات قاعدة نيتروجينية مميزة، تسمى العناصر الغنية ( AU)في المناطق غير المترجمة. لكن هذا البروتين له وظائف متعددة حتى أنها تتعارض في بعض الأحيان، حيث يمكنه أيضاً أن يؤدي إلى تحلل الرنا المرسال.

في هذا السياق قاد البروفيسور عماد الدين غالوزي، عالم الأحياء ومدير مبادرة «كاوست للصحة الذكية»، مع جانيس سانشيز الفريق البحثي للكشف عن شبكة البروتين التي يمكن أن تشارك في ضمان قدرة "HuR" على تثبيت الحمض النووي الريبي المرسال على وجه التحديد أثناء تكوين الألياف العضلية.

قد تؤدي نتائج الفريق إلى علاجات جديدة للأمراض التنكسية للعضلات. © «كاوست» 2023؛ أناستاسيا سيرين.

استخدم الفريق الأجسام المضادة لعزل بروتين HuR من سلائف خلايا عضلات الفأر (تسمى الخلايا العضلية)، ثم استخدموا تقنية تسمى قياس الطيف الكتلي لتحديد البروتينات المرتبطة بها. عبر هذه العملية تجلى بروتين YB1 لأنه معروف أيضاً بدوره في تثبيت وربط الحمض النووي الريبي المرسال.

بعد ذلك، استهدف الفريق الجين الذي يتم ترميزه في البشر بــ YB1؛ لإيقافه في الخلايا العضلية، لكنهم وجدوا أن هذا النهج يحدّ - بشكل كبير - من كفاءة نضوج هذه الخلايا وتحولها إلى خلايا عضلية. أيضاً، عندما اُستهدفت الجينات في الخلايا العضلية الطبيعية لإنتاج كميات أكبر من HuR، تحسنت عملية تكوين ألياف العضلات.

في المقابل، لم يحدث هذا في خلية الأرومة العضلية (نوع من سلائف الخلايا الجنينية القادرة على إنشاء خلايا العضلات)، فمع إيقاف بروتين YB1 أثبتت الاختبارات الإضافية بعد ذلك أن HuRوYB1 يشكلان معاً مركباً يرتبط بالعناصر الغنية (AU) في (الرنا) المرسال لتعزيز استقرارها أثناء عملية تكوين ألياف العضلات.

في هذا الصدد يقول البروفيسور غالوزي: "إن إنشاء شبكة من البروتينات المرتبطة بـ (الرنا)التي تتفاعل مع بروتينHuR، بالإضافة إلى تشريح الآلية التي تشارك من خلالها هذه المركبات في العمليات الحيوية، مثل تكوين الألياف العضلية، سيكون أمراً بالغ الأهمية في فهمنا للعقيدة المركزية للبيولوجيا الجزيئية".