Top

«كاوست» تقود مشاريع بحثية رائدة تبشر بتجديد الغطاء النباتي

هناك ما يزيد عن 425000 جين لكل نبتة، ولكل جينٍ دورٌ يلعبه.

تُعدّ جهود الحدّ من ظاهرة التصحر، وتجديد الغطاء النباتي، من بين المساعي التنموية الطموحة بالسعودية، ويرى عالم النبات، البروفيسور هيربرت هيرت بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، إمكانية تحقيق هذه الاهداف عبر الأبحاث العلمية والتحلّي بروحٍ تعاونيةٍ حقيقيةٍ.

في هذا الصدد، يقدم مشروعان طموحان يتبعان ل«كاوست» معلومات جديدة وشديدة الأهمية حول النباتات والأشجار الصحراوية والتجمعات الميكروبية التي تدعم التربة، وهو ما يأتي في صميم تحقيق هدف مبادرة السعودية الخضراء ورؤية المملكة للوصول إلى الحياد الصفري لانبعاثات الكربون بحلول 2060.

تستهدف مبادرة السعودية الخضراء زراعة عشر مليارات شجرة في أنحاء البلاد بهدف عكس مسار التصحر ومقاومته، ولهذا يعمل علماء النبات في الجامعة على إعداد استراتيجية الاستدامة خصيصاً لهذه المبادرة.

يقول هيرت إنّ: "زراعة النباتات المناسبة في بيئتها الزراعية المناسبة أمرٌ بالغ الأهمية، وإلا ستموت ببساطة؛ حيث فشلت العديد من جهود التخضير بسبب زراعة الأشجار غير الملائمة، أو استنزاف التربة بالأسمدة لدرجة عجز النبات عن الاستمرار في النمو".

ويعتقد عالم النبات وفريقه ان زراعة الأشجار بشكل عام والمستوردة بشكل خاص لا تعني بالضرورة "الخيار الأفضل" لمشروع تخضير الصحراء؛ في المقابل يرى الباحثون أنّ الشجيرات - على الأقل في البداية – تعمل على تثبيت التربة، وتجديدها، كما تتطلب كميات أقل من المياه، ولديها فرصة أكبر للبقاء على قيد الحياة.

التصحر ببساطة هو عمليةٌ ديناميكية ومستمرة، تنتج عن الرعي الجائر للماشية، لأنه يقطع دورة نمو النباتات، فتعجز عن الإنبات لأنها تؤكل قبل أن تُنتج بذورها.

يستطرد هيرت: "يُغذي النبات التربة، لذا في حال لم يتوفر الغطاء النباتي في أي مكان، ينقطع الغذاء عن التربة، وتموت حياتها الميكروبية أًيضاً، فتتفاقم المشكلة، ومعلوماتنا عن خصائص التربة والتجمعات الميكروبية في المناطق شديدة الجفاف ضئيلةٌ نسبياً؛ لأن أغلب الأبحاث المتعلقة بعلوم التربة أُجريت في المناطق المعتدلة. لذا فإن علم التربة في المناطق القاحلة يعدّ حالياً مجالاً ثرياً لإجراء المزيد من الأبحاث".

يعمل الفريق على إعداد مجلدٍ لخرائط التربة في المملكة لأن بها مساحة شاسعة من الأرض، وتضم مجموعة كبيرة ومتنوعة من النظم البيئية والمناطق المناخية التي يتوفر فيها مختلف أنواع التربة.

يوضح هيرت: "ليس بوسعنا دراسة النباتات بشكلٍ منفصل، لأنها تنمو مع ميكروبات البيئة جنباً إلى جنب، إنها تتطلب هذا الشكل من التكافل حتى تظل على قيد الحياة. ولهذا السبب، معرفة كل من التربة والتركيبات الميكروبية أمران أساسيان لضمان نجاح مبادرة السعودية الخضراء".

أسس الفريق البحثي أكبر بنك حيوي في العالم للميكروبات الصحراوية، ثم وضعَ الخرائط الجينومية لكل ميكروب. يأمل هيرت أن يُستخدم هذا البنك الحيوي لاستكمال المفقود من الميكروبات، التي كان مفترضاً أن تتواجد في التربة لكنها اُستنزفت أو فُقدت تماماً.

يُشير عالم النبات إلى أنّ: "هذه الاستراتيجية تفسح الطريق لتجديد التربة بطرقٍ طبيعية من خلال استبدال العناصر المفقودة، لكن لتعويض هذه العناصر بشكلٍ فعال، علينا الاستعانة بمساعدة الذكاء الاصطناعي. لا شك في براعة العقل البشري، لكننا لا نتمتع بمثل السرعة أو القدرة الحاسوبية التي تتمتع بها الخوارزميات آلية التعلُّم".

وبحسب هيرت فان كل نبات يحتوي على حوالي 25000 جين ويستضيف من البيئات الميكروبية ما يقرب من ألف نوعٍ مختلف، فيما يوجد لدى كل نوع ميكروبي حوالي أربعة آلاف جين يمكن أن تساهم في نمو النبات، مما يعني ان هناك ما يزيد عن 425000 جين لكل نبتة، ولكل جينٍ دورٌ يلعبه.

وتهدف خوارزمية الذكاء الاصطناعي التي صممها الفريق هو إنشاء خارطة التمثيل الغذائي لكل "هولوبيونت" (وهو عمل النبات والميكروبات معاً)، وتتنبأ بوظيفة كل جين، بعدها يمكن إضافة العناصر المفقودة من تربة معينة لمساعدة نباتٍ بعينه على النمو مجدداً.

المانغروف.. مستودع للكربون

في عام 2021، وفي خطوة تاريخية، أعلنت السعودية، خطة للوصول إلى الحياد الصفري لانبعاثات الكربون بحلول عام 2060، من خلال نهج الاقتصادي الدائري للكربون، وبما يتوافق مع خطط البلاد التنموية، وتمكين تنوعها الاقتصادي.

في هذا الاتجاه تعد أشجار المانغروف، أحد الأنظمة البيئية الهامة في السعودية التي يمكن اعتبارها مستودعات للكربون، إضافة لدورها في الحدّ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

ويرى العلماء ان مستنقعات المانغروف التي تشكل نظاماً بيئياً غايةً في التفرد والتنوع في منطقة المدّ والجزر، تحتاج إلى التجديد، حيث دُمرت مساحات شاسعةٌ منها لإفساح المجال أمام الناس للعيش والعمل على الساحل.

يقول هيرت: "دون وجود غابات أشجار المانغروف، تُنتج التجمعات الميكروبية الواقعة في تلك المنطقة الساحلية كمياتٍ هائلةٍ من أكاسيد النيتروجين والميثان، وهما من أسوأ الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري". ويضيف: “صحيحٌ أن أشجار المانغروف بارعة في التخلّص من ثاني أكسيد الكربون، إلا أنها لديها قدرة أفضل في منع الميكروبات من إطلاق غاز الميثان في الجو من الأساس".

النجاة من الفيضانات

تشكل أشجار المانغروف جزءاً من النباتات البحرية والبرية، مما يجعلها مصدراً ثرياً بالميكروبات الفريدة من نوعها، التي يمكن استخدامها في مقاومة آثار التغيرات المناخية حول العالم مثل الفيضانات.

ويوضح هيرت ان أشجار المانغروف تستضيف تجمعاتٍ ميكروبية قد تساعد النباتات على النجاة من الفيضانات، ويشير الى انهم حققوا بالفعل في هذا الاتجاه نتائج مذهلة في تجارب الأرز التي أجروها في «كاوست». من جانب اخر، وجد علماء الجامعة ان في مقدورهم كذلك تحفيز الأرز لينمو بشكل أسرع عبر تعزيز المجموعات التكافلية الميكروبية، وبهذا يمكن زيادة المحصول سنوياً في المناخات الاستوائية، وفي هذه الحالة ليس من المستبعد أن تغيّر هذه الاستراتيجية شكل الإمدادات الغذائية العالمية على نحوٍ مجدٍ.

كشف جديد اخر تم بواسطة هيرت وفريقه عن سمةً غير متوقعة متعلّقةً بالتمثيل الغذائي في النباتات الصحراوية وميكروباتها يمكن أن تحتجز الكربون لقرونٍ طويلة.

يشرح هيرت: "تزيل النباتات كميات محدودة من الكربون في الهواء عبر عملية التمثيل الضوئي، يتم تصفية جزء منه في ميكروبات التربة. في وسع بعض الميكروبات المتعايشة مع هذه النباتات تحويل جزء من الكربون إلى كربونات الكالسيوم، وهي طريقة متوازنة وآمنة للغاية لاحتجاز الكربون لعقود بل حتى لقرون.

ويضيف: "في حال نجحنا في إقناع دول العالم القاحلة بالاستثمار في زراعة النباتات الملائمة والتي تحتوي على الميكروبات الملائمة في التربة المناسبة، فستتغير مجريات الأمور تغيراً تاماً".

ويرى هيرت أنّ الضرائب المفروضة على منتجي ثاني أكسيد الكربون بكثافة، قد تغطي تكلفة هذا النظام بالكامل، خاصةً وأن العديد من المناطق القاحلة في العالم هي الأفقر أيضاً.

وفي الختام يُضيف: "تتوافر كل عوامل تنفيذ هذه الفكرة وتطوريها، نحتاج فقط فهم طريقة حل ألغازها، وقد آن الأوان لنتحد اتحاداً وثيقاً، ونعمل على حل إحدى أصعب الأزمات في العالم".