Top

ساعاتنا البيولوجية

تناول الدكتور مايكل يونغ، الحائز على جائزة نوبل والأستاذ في جامعة روكفلر، أبحاثه حول الإيقاعات اليومية خلال مشاركته في برنامج الإثراء الشتوي ٢٠١٩ الذي إحتضنته كاوست. الصورة بعدسة أندريا باخوفين-إخت.

-بقلم تانيا بيترسن، أخبار جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية

تتحكّم ساعاتنا البيولوجية بحياتنا أثناء محاولتنا التعامل مع الدورة اليومية للضوء والظلام، التي تهيمن على الحياة على الأرض. وتتحكم الساعة البيولوجية بالإيقاع اليومي الخاص، الذي تستخدمه العديد من الكائنات الحية.

بالنسبة لمعظمنا، فإن ساعاتنا البيولوجية تلعب دوراً جيد جداً في إبقائنا ضمن دورة حياتنا اليومية من النوم والاستيقاظ، ولكنها ليست مثالية. فعندما نطير في رحلة سفر طويلة، يستغرق الأمر وقتاً لإعادة ضبط ساعاتنا وفق المناطق الزمنية الجديدة، ويجاهد بعضنا لتحويل ساعاتنا البيولوجية إلى "الوضع الليلي" في الأوقات المناسبة، فيما يصارع آخرون للبقاء مستيقظين بعد الوجبات المسائية.

إستخدمت الكثير من أبحاث الدكتور مايكل يونغ المتعلقة بفهم الإيقاع اليومي، ذبابة الفاكهة كنموذجاً. مصدر الصورة: شترستوك (ShutterStock).

خلال برنامج الإثراء الشتوي 2019 الذي أقامته جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، ألقى البروفيسور الدكتور مايكل يونغ، أستاذ في جامعة روكفلر في نيويورك والحائز على جائزة نوبل، كلمة رئيسية تحدّث فيها عن أكثر من 40 عاماً من الخبرة في دراسة الإيقاعات اليومية.

وساهمت أطروحاته العلمية الرائدة التي تناولت جينات ذبابة الفاكهة، في تغيير فهمنا للآليات التي تتحكم في الإيقاعات اليومية وكيفية تنظيمها. وحاز على إثرها على جائزة نوبل في الطب والفيزيولوجيا للعام 2017 إلى جانب مايكل روسباش وجيفري جيم هول.

أشار الدكتور مايكل يونغ خلال محاضرته في برنامج الإثراء الشتوي 2019 إلى أنه، إلى جانب زملائه الباحثين، اكتشف تسعة جينات تشرح معاً كيف يمكن توليد إيقاع الساعة البيولوجية على المستوى الجزيئي داخل الخلايا. مصدر الصورة: شترستوك (ShutterStock).

ويشرح يونغ قائلاً: "وجدنا تسعة جينات تشرح معاً كيف يتولد إيقاع الساعة البيولوجية على المستوى الجزيئي فيما بين الخلايا". وتعمل الجينات على تشفير بروتين يتراكم في الليل ويتحلل خلال النهار عند تعرضه لأشعة الشمس، ما يخلق دورة على مدار الساعة. يتوقف تشغيل الجينات ليلاً عندما تدخل البروتينات إلى نواة الخلية وتوقف إنتاج البروتين. ثم يأتي ضوء النهار فيدفع بروتيناً آخر إلى بدء تدمير البروتينات المثبطة، لتبدأ العملية من جديد.

والأمر الأكثر دهشة هو أن جينات الساعة تؤثر على مئات أو حتى آلاف أنماط التعبير الجيني في جينات الكائن. أي أنها تتحكم بحالة تشغيل أو تعطيل التعبير الجيني طوال الليل والنهار في الجسم.

الدكتور مايكل يونغ، أستاذ في جامعة روكفلر ,الحائز على جائزة نوبل، متحدثاً إلى جمهور كاوست خلال محاضرته التي ألقاها في 14 يناير، ضمن فعاليات برنامج الإثراء الشتوي 2019. الصورة بعدسة أندريا باخوفين-إخت.

ويقول يونغ: "في غياب هذه المجموعة من الجينات على مدار الساعة، لا يمكن لأي من هذه الإشارات البيئية، كتعاقب الليل والنهار، أن ينتج دورة النشاط الجيني هذه. من الضروري أن تكون هناك ساعات من أجل ترجمة الإشارات البيئية إلى نشاط بيولوجي، وبالطريقة ذاتها نحن لم نعد بحاجة إلى دورات بيئية لتشغيل الساعة. وتعمل الساعة البيولوجية في الظلام الدامس، الأمر الذي يساهم في استنتاج هذه الموجات من التعبير الجيني حتى في غياب الإشارات البيئية".

بالإضافة إلى الساعات التي تتحكم في أنماط التعبير الجيني عبر الجينوم، الموجودة في جميع أنحاء الجسم، يعمل كل عضو وفق ساعته البيولوجية الخاصة به ووفق معدلات استجابته وتكيفه المختلفة. هذا ما يفسر ظاهرة تأخر الاستجابة عند السفر البعيد إلى مناطق زمنية مختلفة.


اكتشف الدكتور مايكل يونغ وزملاؤه الباحثون، أن لكل عضو في جسم الإنسان ساعته البيولوجية الخاصة به، والتي تستجيب وتتكيف بمعدلات مختلفة، الأمر الذي يفسر ظاهرة تأخر الاستجابة للجسم خلال رحلات السفر الطويلة والبعيدة (ضمن مناطق زمنية مختلفة). مصدر الصورة: شترستوك (ShutterStock)

يرى يونغ عمله مجرد بداية لفهم الدور المهم الذي تلعبه الساعات البيولوجية في تنظيم أجسامنا. والأبحاث جارية بالفعل في علاج السرطان والاضطرابات النفسية. ويقول: "بدأت هذا العمل منذ 40 عاماً، وشهدنا توسعاً في عدد الاتجاهات التي اتخذتها الأبحاث. فهي تتطرق إلى مجال السلوكيات والفيزيولوجيا التي لم نتخيل أبداً قبل أربعين سنة أنها ذات علاقة بالأمر، ولا أرى دليلاً على أن الأبحاث المقبلة في هذا المجال قد تكون نهائية".