Top

إعادة بناء الحياة البحرية في عام 2050

الحيتان الحدباء تسبح أمام بركان في تشيلي. شهدت الحيتان الحدباء ازدياداً كبيرًا في أعدادها - بفضل جهود الكبيرة للحفاظ عليها – حيث ازادت من بضع مئات في السبعينيات إلى عشرات الآلاف اليوم. تصوير ر. هوك - غايت (UACH / CBA).

كشفت دراسة دولية نُشرت أخيراً في مجلة نيتشر (Nature) وقادها أساتذة جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) البروفيسور كارلوس دوارتي والبروفيسورة سوزانا أغوستي، عن خارطة طريق تحدد الإجراءات اللازم اتخاذها لتمكين الحياة البحرية في العالم من التعافي والوصول الى وفرة كاملة بحلول عام 2050.

وجمع هذا المشروع البحثي علماء ورواد عالميين في مجال علوم البحار من أربع قارات، في 10 دول ومن 16 جامعة شملت كاوست، وجامعة آرهوس، ومعهد ماساتشوستس للتقنية، وجامعة ولاية كولورادو، وجامعة بوسطن، والجامعة الكاثوليكية في تشيلي، وجامعة السوربون، وجامعة جيمس كوك، وجامعة كوينزلاند، وجامعة دالهوزي، وجامعة يورك.


يقول البروفيسور دوارتي، وهو أيضا أستاذ كرسي أبحاث طارق أحمد الجفالي لدراسة بيئة البحر الأحمر في كاوست: "نحن في مرحلة حاسمة يتعين علينا الاختيار اما المحافظة على محيط متزن ونابض بالحياة أو محيط مضطرب لا يمكن إصلاحه. سعينا في هذه الدراسة لتوثيق انتعاش التجمعات البحرية والموائل والأنظمة البيئية بعد جهود المحافظة على البيئة البحرية السابقة، وأن نقدم توصيات محددة تستند إلى الأدلة لتوسيع نطاق الحلول المثبتة عالمياً".

على الرغم من أن البشر قد غيّروا الحياة البحرية إلى حد كبير، وجد الباحثون دليلاً على المرونة الملحوظة للحياة البحرية وتكيّفها للحد من خسائرها الكبيرة طوال القرن العشرين حيث تم ملاحظة وجود تباطؤ في هذه الخسائر - وفي بعض الحالات انتعاش الحياة على مدى العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين. ومن بين أبرز الأدلة  المذهلة عن هذا التعافي ، نجدها في حالة الحيتان الحدباء (Humpback Whales)، التي انتعشت واستعدت وفرتها في الحياة البحرية، مما يتيح اقتصادًا أكثر استدامة يعتمد على المحيطات.

شهدت أسماك القرش والحيوانات المفترسة البحرية الكبيرة انخفاضًا كبيرًا في أعدادها، لكن الأدلة تشير إلى أنه يمكن زيادة أعدادها من خلال تدابير الحماية المناسبة. تصوير: مانو سان فيليكس (National Geographic).

وتشير الدراسة إلى أنه يمكن تسريع معدل استعادة الحياة البحرية لتحقيق انتعاش كبير في غضون عقدين إلى ثلاثة عقود لمعظم مكونات النظم البيئية البحرية، شريطة معالجة آثار تغير المناخ على نطاق واسع. وفي هذا السياق تقول البروفيسورة أغوستي: "إن إعادة بناء الحياة البحرية يمثل تحديًا كبيرًا ممكنًا للبشرية والتزامًا أخلاقيًا وهدفًا اقتصاديًا ذكيًا لتحقيق مستقبل مستدام".

من خلال دراسة تأثير التدخلات الناجعة السابقة للحفاظ على المحيطات واتجاهات التعافي البيئي، حدد الباحثون تسع مكونات أساسية لإعادة بناء الحياة البحرية وهي: البرك المالحة، وأشجار المانغروف، والأعشاب البحرية، والشعاب المرجانية، والطحالب البحرية، وشعاب المحار، ومصائد الأسماك، والحيوانات البحرية الضخمة، وأعماق البحار.

تساهم سلامة مجتمعات الأسماك من تعافي الشعاب المرجانية وكبح الضغوط البيئة عنها. تصوير: مانو سان فيليكس (National Geographic).

كما اعتمدت الدراسة إجراءات محددة لست تدخلات تكميلية تسمى "أسافين التعافي البيئي"، هي : حماية الكائنات البحرية، والصيد بحكمة، وحماية المسطحات، وتعافي الموائل، والحد من التلوث، والتخفيف من تبعات تغيّر المناخ. وفي حال تطبيق هذه "الأسافين" على نطاق واسع، فإن المقاييس الزمنية لاستعادة الحياة البحرية المتضررة سابقًا ستكون في غضون جيل بشري واحد، أو كحد أقصى في الفترة من عقدين إلى ثلاثة عقود، أي بحلول عام 2050.

قاد كل من البروفيسوركارلوس دوارتي (يسار) والبروفيسورة سوزانا أغوستي (يمين) دراسة دولية نُشرت أخيراً في مجلة نيتشر (Nature) وناقشت خريطة طريق للإجراءات اللازم اتخاذها لاستعادة وفرة الحياة البحرية الكاملة على كوكب الأرض بحلول عام 2050.

أحد العناصر الرئيسية التي تم تحديدها للنجاح في هذا المسعى هو التخفيف من تبعات تغيّر المناخ الناجمة عن انبعاثات الغازات الدفيئة، وهي تبعات حقيقة تحد بالفعل من نطاق إعادة بناء المرجان الاستوائي وتقنن من انتعاشه بشكل جوهري. إن هدف إعادة بناء وفرة الحياة البحرية لا يمكن أن ينجح إلا إذا تم تحقيق معظم الأهداف الطموحة والمنصوصة في اتفاقية باريس للمناخ. وتؤكد الدراسة أن النجاح هنا يعتمد إلى حد كبير على دعم الشراكة العالمية الملتزمة والمرنة للحكومات والمجتمعات المتوافقة مع هذا الهدف، وسيتطلب ذلك التزامًا مالياً كبيرًا، مع الأخذ في الحسبان أن المكاسب البيئية والاقتصادية والاجتماعية من إعادة بناء الحياة البحرية ستكون بعيدة المدى.

تنبع أهمية الشعاب المرجانية الصحية من كونها مصدر مهم يدعم الكتلة الحيوية للعديد من الكائنات البحرية. تصوير: مانو سان فيليكس (National Geographic).

جدير بالذكر، أن هذه الدراسة تتزامن مع قيادة المملكة العربية السعودية لشركائها في مجموعة العشرين (G20) كرئيس للمجموعة لعام 2020، حيث تنظر الدول اليوم في إجراءاتها للحفاظ على التنوع البيولوجي بعد عام 2020، وستتناول المجموعة القضايا المهمة في هذا الصدد تحديداً التعامل مع التحديات المناخية وحماية الشعاب المرجانية والنظم الهشة الأخرى في البيئية البحرية حول العالم.

يقول البروفيسور دوارتي: "لدينا الان فسحة ضيقة من الفرص لتقديم محيط صحي للأجيال القادمة، ولدينا المعرفة والأدوات للقيام بذلك. فشلنا في هذا التحدي هو أمر مرفوض تماماً، إذ يعني حرمان أحفادنا من خيرات محيط محطم غير قادر على دعم سبل العيش".