Top

الحدّ من تغيّر المناخ باستخدام الكربون الأزرق

وتتميز السواحل الشرقية والغربية للمملكة العربية السعودية بأشجار المنغروف وهي جزء مهم من النظم البيئية الكربونية الزرقاء - التي تعمل الدولة على الحفاظ عليها. الصورة مقدمة من أرامكو السعودية

​​
يعتبر الكربون الأزرق، أو الكربون الذي تعزله الأنظمة الإيكولوجية الشاطئية والبحرية وتخزنه في الأعشاب البحرية وأشجار المانغروف والسبخات الملحية والطحالب البحرية والرسوبيات في الأسفل، أحد أهم آليات الحدّ من تغير المناخ في العالم.

عقد مركز أبحاث البحر الأحمر في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية ورشة بعنوان: "الكربون الأزرق". وتناولت الورشة، التي عُقدت في 20 و21 مارس، دور هذه الأنظمة الإيكولوجية في التكيف والحدّ من تغيّر المناخ. وشهدت الورشة مشاركة عدد من المتحدثين الدوليين الخبراء وأعضاء لجان حوارية من الوسط الأكاديمي ومؤسسات أبحاث مختصة كالهيئة الإقليمية للمحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن (برسجا) وشركة أرامكو السعودية، ناقشوا مبادرات الكربون الأزرق وأهميتها في مختلف أنحاء العالم.

فوائد الكربون الأزرق​

توجد الأنظمة الإيكولوجية للكربون الأزرق في جميع القارات، ما عدا القارة القطبية الجنوبية، وتغطي مساحة تصل إلى 49 مليون هكتار من سطح الأرض. وتحتجز هذه الأنظمة غاز ثاني أكسيد الكربون بمعدلات تفوق بكثير معدلات احتجازه في الغابات البرية بالنسبة لوحدة المساحة، ناهيك عن قدرة ترتبها على الاحتفاظ بالكربون لفترات طويلة جداً تصل إلى ألفي عام.

تنظم هذه الأنظمة جودة المياه الشاطئية؛ وتقدم موطناً للثروات السمكية والأنواع البحرية المهددة بالانقراض؛ وتحمي من العواصف والفيضانات وارتفاع مستوى البحر؛ وتمنع تآكل الشريط الساحلي؛ وتوفر للمجتمعات الساحلية مصادر للغذاء وفرصاً للسياحة البيئية. وعندما تتحلل أو تُدمر أو تتحول إلى استخدام بري آخر، تصبح مصادر لغازات الدفيئة، وتبعث الكربون المخزن فيها على شكل ثاني أكسيد الكربون (CO2) إلى المحيطات والجو.
 

وتتميز السواحل الشرقية والغربية للمملكة العربية السعودية بأشجار المنغروف وهي جزء مهم من النظم البيئية الكربونية الزرقاء - التي تعمل الدولة على الحفاظ عليها. الصورة مقدمة من أرامكو​ السعودية​


ويجري تدمير الأنظمة الإيكولوجية للكربون الأزرق بمعدلات تتراوح بين 340,000 و980,000 هكتار سنوياً، مما يجعلها من الأنظمة الإيكولوجية المعرضة لأكبر تهديد في العالم. ويقدر بأن 67 بالمئة من أشجار المانغروف و35 بالمئة من السبخات الملحية المدّيّة و29 بالمئة من مروج الأعشاب البحرية في العالم، قد ضاعت، ناهيك عن توقع فقدان ما يتراوح بين 30 و40 بالمئة من الأعشاب البحرية والسبخات الملحية المدّيّة، وجميع أشجار المانغروف غير المحمية تقريباً في الـ 100 عام المقبلة.

ويتوقع أن يؤدي فقدان هذه الأنظمة البيئية إلى إطلاق ما يتراوح بين 0.15 و1.02 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، علماً أن تدمير هذه الأنظمة يحدث بصورة رئيسية بفعل الأنشطة البشرية كالتطوير الساحلي والزراعة والاستنبات المائي واستغلال غابات المانغروف ومصادر التلوث البرية والبحرية، أي كافة الأنشطة التي تتفاقم بسبب تغيّر المناخ.

تعد مروج الأعشاب البحرية في البحر الأحمر من المكونات الهامة للنظام البيئي الكربوني الأزرق في العالم.​​


الكربون الأزرق من أجل العالم

قال كارلوس دوارت، أستاذ العلوم البحرية ومدير مركز أبحاث البحر الأحمر في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، وأستاذ كرسي طارق أحمد الجفالي لأبحاث البحر الأحمر: "يكتسي موضوع الكربون الأزرق أهمية كبيرة للمملكة والعالم". وأشار إلى كيفية توضع الأنظمة الإيكولوجية للكربون الأزرق، بما فيها المانغروف، على طول السواحل البحرية الغربية والشرقية في المملكة العربية السعودية.

وأضاف: "لقد جرى الحفاظ جيداً على بيئة المملكة العربية السعودية، وهذا أمر ينبغي أن يستمر لأجيال. وبصورة فريدة من نوعها، لم تفقد أشجار المانغروف في المملكة، بل كانت مساحتها تزداد بنسبة تبلغ حوالي 30 بالمئة. ويعود هذا إلى الجهود التي بذلتها المملكة في مجال تطبيق استراتيجيات المحافظة والترميم، بالإضافة إلى جهود مؤسسات في القطاع الصناعي كشركة أرامكو مثلاً".

لقد زرعت شركة أرامكو​، في عام 2015 لوحده، ما يصل إلى 400 ألف شتلة مانغروف، وزرعت حالياً أكثر من 900 ألف شتلة على طول سواحل محافظة الشرقية في المملكة العربية السعودية ليصل العدد الإجمالي للشتلات المزروعة إلى مليوني شتلة في 2017. ​


تعتبر أشجار المانغروف أهم مصدر طبيعي، أو "حوض"، لتخزين غاز ثاني أكسيد الكربون في المملكة. واعترافاً منها بهذا، وفي إطار خطة التنوع الحيوي فيها، وضعت أرامكو السعودية مؤخراً خططاً لإنشاء منتزه بيئي لأشجار المانغروف في خليج الرحيمة على شاطئ الخليج العربي، وزرعت 10 آلاف شتلة لشجرة المانغروف هناك. ومن المتوقع للمنتزه لدى إكماله أن يؤمن حماية 63 كيلومتر مربع من أشجار المانغروف والسبخات الملحية والأعشاب البحرية.

لقد زرعت الشركة، في عام 2015 لوحده، ما يصل إلى 400 ألف شتلة مانغروف، وزرعت حالياً أكثر من 900 ألف شتلة على طول سواحل محافظة الشرقية في المملكة العربية السعودية ليصل العدد الإجمالي للشتلات المزروعة إلى مليوني شتلة في 2017.

وقال دوارت: "تكتسي خطة زراعة المانغروف بكثافة، التي تتبعها شركة أرامكو، أهمية بالغة. ونحن نشترك أيضاً مع أرامكو في إعداد تقريرهم عن الكربون الأزرق، وهو أول تقرير في العالم يجري إعداده في القطاع الصناعي. ونعتقد أن هذه الجهود قد أدت إلى جعل المملكة العربية السعودية المنطقة الوحيدة في العالم التي تزداد فيها أعداد أشجار المانغروف عوضاً عن نقصانها.

ترميم الأنظمة الإيكولوجية في المملكة العربية السعودية

أشار المتحدث الرئيسي الدكتور أسامة فقيها، وكيل وزارة البيئة والمياه والزراعة لشؤون البيئة في المملكة العربية السعودية إلى أن المملكة تملك خططاً طموحة لمواصلة الحفاظ على أنظمتها الإيكولوجية الساحلية والبحرية.

قال: "نرغب في استعادة الحياة النباتية الطبيعية التي تضررت كثيراً من قطع الأشجار والرعي وغيرها من الأنشطة البشرية، ولكننا ينبغي أن ننجز ذلك بحرص شديد مع أخذ شحّ المياه بعين الاعتبار. لدينا مبادرة لزراعة 4 ملايين شجرة مانغروف في غضون السنوات الأربعة المقبلة، وتوسيع زراعة هذه الأشجار في المملكة".​

صورة جماعية للمشاركين في ورشة عمل الكربون الأزرق ​​

 
​وأضاف: "يجب أن نصمم خطط التأهيل بعناية، دون استنزاف مواردنا الطبيعية في الوقت ذاته، وأن نعيد تأهيل المناطق الهامة للحد من تغيّر المناخ على نحو مستدام. ويعتبر شركاء مثل شركة أرامكو السعودية وجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية والمنظمات غير الحكومية من مقومات تمكين هذه الاستراتيجية".

الجهود الدولية للحفاظ على البيئة

لقد أجرت بلدان أخرى، كالولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا، عمليات ترميم موسعة، واتخذت تدابير لوقاية النظام الإيكولوجي للكربون الأزرق. وتشمل هذه التدابير وضع سياسات واستراتيجيات الإدارة الساحلية، وتطوير أدوات تستخدم لترميم الأنظمة الإيكولوجية الساحلية والحفاظ عليها.
ومن المزمع وضع نظام جديد قيد الاستخدام عالمياً يتضمن وضع بروتوكولات لإضافة خدمات الكربون الساحلي في أسواق الكربون، ما من شأنه أن يشجع على زيادة استثمار القطاع الخاص في جهود المحافظة على المواطن الساحلية للنباتات.
ومن الممكن تحقيق الأرباح عن طريق المحافظة على هذه الأنظمة الإيكولوجية، التي تمتاز بقدرتها على تخزين الكربون الأزرق و/ أو إمكانية احتجازه، وقد تضاهي أو ربما تتجاوز الأرباح الناتجة عن الأنشطة التي تؤدي إلى تحلل الأنظمة الإيكولوجية وتدميرها كالزراعة والاستنبات المائي والتطوير الساحلي.
وناقش بول لافيري، أستاذ الإيكولوجيا البحرية في جامعة إيدث كوان (أستراليا)، بعض هذه الخطط في عرضه الذي قدمه في إطار ورشة العمل، مشيراً إلى أن "أحد الأهداف الرئيسية لمجتمع الكربون الأزرق كان جعل الحكومة والقطاع الصناعي يدركان أهمية القروض الخاصة بالكربون الأزرق. وتعتبر أستراليا، التي تضم حوالي 12 بالمئة من مواطن الكربون الأزرق في العالم بأكمله، من أكثر البلدان المرشحة للاستفادة من وضع خطط خاصة بالكربون الأزرق".
ويقول خبراء من المبادرة الدولية للكربون الأزرق: "قد تبدو أسواق الكربون الطوعية مصدراً للدعم المالي للمحافظة على الأنظمة الإيكولوجية الساحلية وأنشطة ترميمها"، مشيرين إلى ضرورة نشر عدد من الآليات في المستقبل لحماية هذه الأنظمة والكربون الموجود في نباتاتها وجذورها وتربتها الغنية.

البروفيسور جي. بون كوفمان​


رفع الوعي بالكربون الأزرق​

قال البروفيسور جي. بون كوفمان، المتحدث في المؤتمر، وهو أستاذ جامعي في قسم الثروات السمكية والحياة البرية في جامعة ولاية أوريغون (الولايات المتحدة الأمريكية): "ينبغي أن نحشد دعماً محلياً ودولياً للأنظمة الإيكولوجية للكربون الأزرق. فما زلنا متأخرين على صعيد الوعي بأهميتها، علماً أن من شأنها المساعدة على تحقيق أهداف الاستراتيجيات الوطنية على صعيد تخفيض الانبعاثات، ناهيك عن أهميتها في الطبيعة".

​​