Top

أسماك "قرش النمر" تقود العلماء إلى أكبر نظام بيئي للأعشاب البحرية في العالم

تساعد الكاميرات المثبتة على زعانف قرش النمر العلماء في العثور على الأعشاب البحرية ورسم خرائط لها بناءً على تتبع تحركاتهم عبر هذه النظم البيئية الشاسعة في جزر الباهاما. تصوير: دييغو كاميجو

​أكتشف العلماء أخيراً أكبر نظام بيئي للأعشاب البحرية في العالم في منطقة في جزر البهاما على مساحة تقدر بنحو 92000 كيلومتر مربع. وقام العلماء برسم خريطة لهذه المنطقة ونشر نتائج دراستهم في المجلة العلمية "نيتشر" Nature Communications. وتوضح الدراسة- التي تحمل عنوان "مساهمات أسماك قرش النمر في توصيف أكبر نظام بيئي للأعشاب البحرية في العالم"- النهج المبتكر للباحثين المتمثل في استخدام كاميرات الرصد لتتبع تحركات أسماك قرش النمر فوق مروج الأعشاب البحرية، مما ساعد العلماء على رسم خريطة لها والتحقق من صحة التقديرات المكانية السابقة عن هذه المنطقة، وبالتالي تأكيد وجود مخزونات هائلة من الكربون الأزرق في جزر البهاما لأول مرة.

تُظهر كاميرا على سمكة قرش النمر حركاتها وهي تشق طريقها في قاع المحيط الضحل الرملي عبر مروج الأعشاب البحرية في جزر البهاما. يستخدم العلماء البيانات لفهم النظم البيئية للأعشاب البحرية الشاسعة ورسم خرائط لها. المصدر: BTW

تعتبر أسماك قرش النمر من أكبر الحيوانات المفترسة البحرية الموجودة في البحار الاستوائية، وهي محمية في جزر الباهاما لأكثر من عقد من الزمان وتتم دراسة سلوكها بانتظام بواسطة معهد (Beneath The Waves-BTW)، وهو معهد غير حكومي متخصص في أبحاث المحيطات، يركز على تحسين المناطق المحمية البحرية الحالية والمستقبلية للحفاظ على أسماك القرش.

بدأ الدكتور أوستن غالاغر، كبير العلماء والمدير التنفيذي لمعهد (BTW) في عام 2019 في تثبيت أجهزة استشعار خاصة بالتصوير عبر الكاميرات على زعانف أسماك قرش النمر في جميع أنحاء جزر الباهاما، واستطاع من خلال مقاطع الفيديو المسجلة التي تحصل عليها من هذه المستشعرات الحصول على دليل لعبور أسماك القرش فوق مروج شاسعة وكثيفة من الأعشاب البحرية.

ثم عرض غالاغر مقاطع الفيديو على أحد العلماء المتعاونين في هذه الدراسة والمشاركين في تأليف هذه الورقة البحثية وهو البروفيسور كارلوس دوارتي من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) والذي يعتبر من رواد العلماء في بيئة الأعشاب البحرية.

الدكتور أوستن غالاغر يجمع بيانات عن أحواض الأعشاب البحرية في جزر الباهاما كجزء من دراسة بحثية نُشرت في مجلة "نيتشر" تتضمن رسم خرائط لمروج الأعشاب البحرية باستخدام أسماك قرش النمر. تصوير: كريستينا ميترماير

وعندما اطلع دوارتي على البيانات التي أنتجتها أسماك القرش النمر، قال: "النظام البيئي البحري في جزر الباهاما يحتوي على أكبر ضفاف رملية في العالم، وهي موائل ضحلة مناسبة تمامًا لزراعة الأعشاب البحرية. لقد اعتقدنا أن جزر البهاما لديها على الأرجح نظامًا بيئيًا واسع النطاق للأعشاب البحرية، ولكن لم يتم تحديد التقدير المكاني الحقيقي بشكل صحيح، لأن مسح هذه المنطقة البحرية الشاسعة يمثل تحديًا كبيرًا".

أجرى الفريق تحليل الاستشعار عن بعد بهدف تحديد المساحة الإجمالية التي تغطيها الأعشاب البحرية في جزر الباهاما، ودمجوا نتائجهم مع تقديرات صور الأقمار الاصطناعية السابقة، لتوليد تقدير مركب للنظام البيئي للأعشاب البحرية في المنطقة. وتم إقران هذه البيانات مع المسوحات الموثقة القديمة، بما في ذلك أكثر من 2400 مسحًا للأعشاب البحرية أجراها غواصون من جميع أنحاء المنطقة. وبالتالي استطاعوا رسم خرائط مفصلة لمناطق إضافية من قاع البحر بفضل التعاون مع أسماك قرش النمر.

أسماك الرقيطة وهي تسترخي على مروج الأعشاب البحرية في قاع المحيط الرملي الضحل لجزر الباهاما، وهي من بين العديد من الحيوانات البحرية التي تجعل من الأعشاب البحرية موطنًا لها. تصوير: كريستينا ميترماير

يقول الدكتور دوارتي: "أظهرت الأبحاث التي أجراها معهد (BTW) أن أسماك قرش النمر تقضي حوالي 72٪ من وقتها في القيام بدوريات في أحواض الأعشاب البحرية، وهو ما يمكن ملاحظته بواسطة الكاميرات بزاوية 360 درجة التي ثبتناها على أسماك القرش. لقد وفر هذا فرصة لتوسيع نطاق استكشاف الأعماق الشاسعة والصعبة لضفاف جزر البهاما، حيث تغطي أسماك قرش النمر حوالي 70 كيلومترًا في اليوم الواحد".

ساعد التحقق الإضافي الذي قدمته أسماك قرش النمر في رفع تقديراتنا عن منطقة موائل الأعشاب البحرية عبر ضفاف جزر الباهاما من 66000 كيلومتر مربع كحد أدنى إلى 92000 كيلومتر مربع.

الدكتور أوستن غالاغر يجمع بيانات عن أحواض الأعشاب البحرية في جزر الباهاما. تصوير: كريستينا ميترماير

تقدم هذه الدراسة التي تجرى لأول مرة باستخدام أجهزة استشعار للتصوير مثبتة على أسماك القرش النمر نموذجًا للتعاون بين البشر والحيوانات البحرية الكبيرة لاستكشاف المحيطات. حيث جمع فريق البحث أيضًا عينات من الرواسب من النظام البيئي الشامل للأعشاب البحرية لتقييم كمية الكربون المخزنة في الرواسب، وكشف في النهاية أن جزر البهاما تحتوي على الأرجح على 25٪ من المخزون العالمي من الكربون الأزرق القائم على الأعشاب البحرية.

وقال رئيس وزراء جزر الباهاما، فيليب بريف ديفيس، بهذه المناسبة: "يمثل العمل المبتكر الذي قام به معهد (BTW)، بالشراكة مع جزر البهاما، لرسم خريطة لمروج الأعشاب البحرية الشاسعة في بلادنا، تقدمًا علميًا استثنائيًا، يقدم مساهمة كبيرة للغاية في تنميتنا الوطنية وأمننا. وقد تكون جزر البهاما في صدارة التصنيف بشأن قابلية تأثرها بالمناخ، ولكن لدينا الآن دليل على أننا أيضًا نتصدر قائمة النقاط الساخنة للكربون الأزرق في العالم، مما يعني أن أعشابنا البحرية يمكن أن تلعب دورًا حاسمًا في توليد الموارد التي نحتاجها للانتقال إلى الطاقة المتجددة والتكيف مع ظاهرة تغير المناخ".

فيما يؤكد غالاغر: "يجب أن يمنحنا هذا الاكتشاف الأمل في مستقبل محيطاتنا. لقد كانت أسماك قرش النمر محمية في جزر البهاما لسنوات عديدة، وبسببها تمكنا من دراسة ورصد العمليات القديمة التي كانت هذه الحيوانات منخرطة فيها لآلاف السنين واستطعنا اكتشاف نظام بيئي للأعشاب البحرية في هذه الجزر من المحتمل أن يكون أهم حوض للكربون الأزرق على هذا الكوكب".