Top

تحويل ابتكارات اليوم من المواد المركبة إلى حقيقة في الغد

(من اليسار الى اليمين) : طلبة الدكتوراه خالد المحمدي (مهندس من شركة أرامكو)، ولاكشمي سيلفاكوماران وعلي موسوي مع البروفيسور جيليس لوبينيو.

نظرا لأن الإستدامة أصبحت محورا مركزيا متزايدا في كثير من قطاعات الاقتصاد العالمي، يسعى المصنعون باستمرار لزيادة الكفاءة فيما يتعلق باستخدام الطاقة، الوزن وانبعاثات الغازات، والحد من التأثيرات البيئية لمنتجاتهم بشكل عام. وتعد هذه المتطلبات هي الأسباب الرئيسية وراء الاعتماد بشكل واسع النطاق على المواد المركبة.

تتكون "المواد المركبة" عند انضمام مادتين أو أكثر وفقا للبنية المجهرية لهم (وفقا للطريقة التي تظهر بها هذه المواد معا في الفضاء). ترتبط خصائص المواد بشكل وثيق بالبنية المجهرية لها وذلك على نطاق واسع. وبعبارة أخرى، فإن التغيير الهندسي للبنية المجهرية للمواد الخام سينتج عنه سلوكيات مختلفة تماما.

وبذلك يكون هذا المجال حافلا بالكثير من الفرص المتاحة لتطوير وتحسين المواد المركبة ثم تطبيقها. ومع مراعاة كلاّ من السلوك الميكانيكي والفيزياء المتعددة للمواد (الحرارية والكهربائية)، فضلا عن التقارن بينهما، يمكن هندسة هذه المواد للحصول على السلوكيات المعقدة اللازمة لتحقيق بنيات متعددة الوظائف.

تدخل المركبات - على سبيل المثال لا الحصر- في صناعة المعدات الرياضية، والمباني، وصناعة الطائرات، وفي قطاع الطاقة. فعلى سبيل المثال تبلغ كفاءة الجيل الحديث من مركبات صناعة الطائرات ما يزيد عن 25 % مقارنة بالتصميم المعدني التقليدي. كما يمكن استخدام مركبات الأنابيب لتصنيع بنية تحتية غير قابلة للتآكل لنقل المياه والنفط وتعمل على الحد من تلوث المنتجات التي يتم نقلها.

ونظرا لأن الكربون يستخدم في كثير من المركبات الشائعة، لذا يشار إليها غالبا "بالمعادن السوداء"، و لكن على الرغم من أن هذه المركبات لا علاقة لها بالمواد المعدنية الكلاسيكية فإن الإشارة إليها بهذا الاسم يؤهلها لأن تصبح أكثر المواد تطويرا على نطاق واسع. ومع ذلك فإننا مازلنا في بداية ثورة "المعدن الأسود".

يقول د. جيلز لوبينو " الأستاذ المشارك بقسم الهندسة الميكانيكية في جامعة الملك عبدالله والباحث الرئيسي في مختبر تحليل ومحاكاة المواد المركبة والمواد غير المتجانسة: "نحن اليوم نجيد تطوير بنية المواد المركبة، ولكن المشكلة الرئيسية هي كيفية تطورهذه المواد مع مرور الوقت. وهذا يعني أنه من الممكن توظيف تقنيات بنية المواد المركبة المبتكرة لتصنيع الطائرات باختلاف أنواعها، شفرات الطواحين الهوائية، وشبكات الأنابيب الصناعية – ولكن يبقى السؤال الهام هو التأكد من "صلابتها و عمرها الافتراضي ."

يتركز التوجه البحثي للدكتور لوبينو وفريقه بشكل أساسي على النمذجة الحاسوبية والتطورات التجريبية لمعالجة المشاكل المعقدة المتعلقة بهندسة المواد المركبة. قام الفريق بتطوير مواد جديدة تصلح لمواجهة الشروط التشغيلية الصعبة الحديثة، مع تطوير التقنيات لتفسير سلوك هذه المواد، ومراقبة سلامتها، ووضع المناهج الحسابية التي تسمح بالتنبؤ بالعلاقة بين البنية المجهرية للمواد ووظائفها وقوة تحملها.

البروفيسور جيليس لوبينيو مع طلبة الدكتوراه.

تحسين البنية المجهرية لتحقيق أفضل أداء

يتطلب النجاح في فصل الخصائص الهيكلية والتوظيف الأمثل للمواد المركبة و المواد غير المتجانسة جهود فريق متعدد الجوانب من المهارات. إذ ينقسم أعضاء فريق COHMAS إلى 50 % من الخبراء في الميكانيكا الحسابية بينما الـ 50 % الأخرى من الأعضاء من ذوي الخبرة في الميكانيكا التجريبية.

ومن الخصائص التي ينفرد بها فريق د.لوبينو، الذي يعد جزءاً من برنامج الهندسة الميكانيكية والمتخصصين في مجموعة متنوعة من المواد المركبة، هو جمع أعضاء الفريق من خلفيات مختلفة جدا، تبدأ من الهندسة الميكانيكية، الرياضيات التطبيقية، والميكانيكا النظرية إلى علوم المواد والهندسة الكيميائية.

ويقول لوبينو "إن تنوع الخلفية العلمية لأعضاء فريق البحث يجعل الفريق قادرا على معالجة المشاكل الحقيقية للمواد المركبة والتي تشمل بالضرورة الفيزياء والمشاكل متعددة الأبعاد. ويجعل هذا التنوع الفريق قادرا أيضا على التصميم النظري للبنية المجهرية للمواد للوصول إلى الأداء الأفضل لها ، ثم تجميعها واختبارها من وجهة نظر تجريبية. ويعد توفرهذه القدرة مجتمعة في فريق واحد أمراً نادراً جداً".

ويوضح د. لوبينو أنه نظرا لأن الخلفية العلمية للفريق البحثي في المقام الأول هي الهندسة الميكانيكية وليست علم المواد ، "لذا فنحن ننظر للمواد من المنظور الهيكلي مما يغير تماما في النهج المستخدم في البحث" . وهكذا فإن فريق COHMAS يرى المادة كهيكل أو كعنصر من أجزاء الهيكل.

وبغرض التوضيح، يقوم د.لوبينو بعرض مثال إحدى الطائرات قائلا: "إن الأحمال، الضغوط وكل العوامل التي تتعرض لها الطائرة غير متجانسة على الإطلاق. لذلك يصبح من الضروري استيعاب التدرجات من أجل تحسين المواد المركبة المستخدمة في المواقع الهامة في هيكل الطائرة.

ولتحقيق ذلك، قام فريق د.لوبينو مؤخرا بتصميم ألياف من البوليمرات الموصلة ذات القدرة المحدودة على التوصيل والمقاومة للضغط. ويقول د.لوبينو "إن هذه الألياف ستساعد على تكوين هياكل جديدة متعددة الوظائف وذاتية الاستشعار كما ستساعد على تكوين عنصر سريع الاستجابة للحرارة يستخدم في منسوجات الملابس. تعد هذه الألياف هي اللبنات الأساسية لتكامل وظيفي أفضل يساعد على تخفيض التكلفة ويزيد من كفاءة استخدام الطاقة وتطوير القدرة على التوصيل. وقد أصبح ذلك ممكنا فقط من خلال جهود أعضاء الفريق ذوي الخلفيات العلمية المختلفة والذين يعملون سويا نحو تحقيق هدف مشترك.

يعمل فريق د.لوبينو أيضا على إنتاج المواد المركبة المخصصة لإنتاج الأنابيب الصناعية الضخمة، التي يصل قطرها إلى خمسة أو ستة أمتار، وتستخدم لنقل النفط أو الماء. وقد تتعرض هذه الأنابيب وبشكل خاص في المناطق القاحلة مثل المملكة العربية السعودية لمعدلات عالية من التحلل وشروط خاصة فيما يتعلق بعمرها الافتراضي نظرا للظروف البيئية القاسية. وهنا يجب مرة أخرى فهم دور البنية المجهرية في الأداء النهائي للمواد المركبة كعامل أساسي في التصميم وفي المعالجة المثلى لهذه المواد.

سلامة المتابعة والتوقع

إن تصميم المادة هام، ولكن يتساوى معه في أهميته فهم كيفية تطور المواد مع مرور الوقت. فقد تتميز المواد بخواص هائلة، ولكن قد تصبح هذه المواد عديمة الفائدة بالكامل على المدى الطويل في حالة عدم الحفاظ عليها في بيئة عمل حقيقية.

طلبة الدكتوراه في جامعة الملك عبدالله ، الطالب علي موسوي والطالبة لاكشمي سيلفاكوماران.

ومن بين العديد من العوامل التي يجب مراعاتها : التحلل الميكانيكي، العمر الافتراضي، وتقارنها مع البيئات.

وقال د.لوبينو "نحن في حاجة إلى التنبؤ بما سيحدث خلال ثلاثين عاما على أساس التجارب التي لا تستمر أكثر من بضعة أسابيع أو بضعة شهور. فما نريد تحقيقه يزيد عن مجرد نموذج تقليدي للظواهر ولكن نحتاج إلى نماذج يمكن استخدامها للتوقع بثقة، كما يمكن استخدامها لاكتشاف وتصميم حلول جديدة.

يعد علم التنبؤ، القائم على مشاهدات التجارب الفيزيائية التي تم إقرارها لاحقا في نماذج دقيقة، ضروريا للفريق البحثي للدكتور لوبينو. حيث قام الفريق بالمشاركة في تصميم نماذج للعديد من الهياكل المتطورة في جامعة الملك عبدالله، تتراوح بين مركبات جسم الطائرة وتصل إلى مركبات أنابيب نقل المياه والنفط الآمنة في البيئة الحمضية.

ويؤكد د.لوبينو أن الهدف ليس مجرد إحلال الاختبارات المتسارعة والتي عادة ما تكون الخيار المفضل في الصناعة (وهذا يعني تعريض الهيكل إلى ظروف أشد خلال وقت أقصر للتنبؤ بالتآكل على المدى الطويل). وأضاف د. لوبينو "إن الهدف من اختبار التنبؤات هو أولاً، تصميم نموذج متسق للاختبار وفقا لمحددات الاختبار المتسارعة والتي تمثل واقعياً ما سيحدث على المدى الطويل، وثانيا لفهم الفيزياء بشكل جيد يسمح بتطوير تقنيات لمراقبة سلامة الهياكل (SHM)" .

إن مراقبة أداء المواد المركبة هو التحدي الحقيقي اليوم، حيث يتم اختبارالتقنيات العملية لتوفير طرق المتابعة الأكثر كفاءة والأكثر دقة مثل حساسات الألياف البصرية ( ألياف محزوزة براغ ) أو التصوير المقطعي المقاوم للكهرباء (EIT / ERT). وبفضل هذه الطرق الخاصة بالفحص يمكن تخيل هندسة أكثر تعقيدا من خلال تصميم استراتيجيات الصيانة الوقائية. ويقوم فريق د.لوبينو بدراسة إمكانية استخدام هذه النماذج الموثقة لتطوير تقنيات مراقبة سلامة الهياكل. وعلى سبيل المثال تم تحقيق النجاح فعليا في مراقبة أداء المواد المركبة التي تستند على المقاومة.

تقنيات حاسوبية حديثة لتصميم أفضل للهياكل المركبة

هناك محور أخير لجهود فريق د.لوبينو وهو تصميم التقنيات الحاسوبية الملائمة للتنبؤ بسلامة الهياكل المعقدة مثل الهياكل المركبة المصنعة.

ويعد التنبؤ بانتشار التصدعات في هذه الوسائط المعقدة تحديا من نوع خاص. ولكنه يعد متطلباً هاماً للصناعة.

يقول د.لوبينو: "إن التصدعات في المقام الأول تعني عدم استمرارية وميكانيكا الأوساط المتصلة لا تحب عدم الإستمرارية. فهي تجعل عمليات المحاكاة أكثر تعقيدا وفي بعض الأحيان لا تتفاعل مع التقنيات الحديثة في حالة وجود الكثير منها.

قام د.لوبينو بالتعاون مع شركة بوينج بتطوير تقنية ناجحة تدعى "التحول" تم نشر نتائجها في "مجلة ميكانيكا وفيزياء المواد الصلبة"، حيث يمكن المزج بكفاءة بين ميكانيكا الأوساط المتصلة غير الموضعية و ميكانيكا الأوساط المتصلة التقليدية. ويضيف د.لوبينو "توفر هذه التقنية نظاما طبيعيا لحساب تنوي التصدعات وامتدادتها. إن التقنية لا تزال في مراحلها الأولى، ولكننا نعتقد أنها تقنية واعدة في المستقبل".

التعاون في المجال الصناعي

يتم إجراء معظم أبحاث د.لوبينو في مختبر COHMAS بالتعاون مع الشركاء في برنامج التعاون الصناعي مثل شركة بوينج، سابك، أرامكو أو أميانتيت. حيث يتم اختبار وتطبيق المفاهيم النظرية والأبحاث التطبيقية مباشرة على المشاكل الواقعية.

وعلى الرغم من تنوع هذه المشاريع، فإنها ترتبط جميعا بتطبيقات المواد المركبة المتقدمة وأيضا ببعض التطبيقات الفعلية مثل مركبات جسم الطائرة ومركبات الأنابيب، المواد المركبة المستخدمة للهندسة المدنية أو لصناعة السيارات. ويقوم الفريق بالعمل على سد الفجوة بين المعلومات النظرية والتطبيق الحقيقي لهذه المواد.

تعد المملكة العربية السعودية بالفعل لاعبا رئيسيا كمصدر للمنتجات الخام. لكن يتوقع البروفيسور لوبينو للمملكة دورا موسعا في المستقبل، فبدلا من مجرد بيع المواد الخام، يمكن أن تقوم المملكة العربية السعودية بشكل مباشر ببيع التقنيات المستخدمة للمواد الأكثر تقدما وذلك بقيمة مضافة أعلى من قيمة المواد الخام. "وهذا يمكن أن يؤدي دورا رئيسيا في تنمية الاقتصاد المحلي."


روابط ذات صلة