Top

كيف يعمل الكون؟

البروفيسور جون إليس، أستاذ كرسي كليرك ماكسويل للفيزياء النظرية في كلية كينغز كولدج لندن، خلال مشاركته في برنامج الإثراء الشتوي ٢٠١٩ في كاوست. الصورة بعدسة سارة مُنشي.

-بقلم: تانيا بيترسن، أخبار جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية

خلال مشاركته في برنامج الإثراء الشتوي 2019، الذي إحتضنته جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) بين 13 و24 يناير 2019، حاول البروفيسور جون إليس، أستاذ كرسي كليرك ماكسويل للفيزياء النظرية في كلية كينغز كولدج لندن، الإجابة على الأسئلة التالية: "من أين نأتي؟ ما نحن؟ إلى أين نذهب؟"، من منظور الفيزياء النظرية.

بالعودة إلى نظرية الانفجار العظيم (Big Bang theory)، يقدر الفيزيائيين أن عمر الكون يبلغ حوالي 13.8 مليار سنة وهو في توسع مستمر، والأمر الذي لا يزال العلماء يحاولون تحديده، هو بالضبط من أي شيء صنع الكون.

ضمن فعاليات برنامج الإثراء الشتوي 2019 التي أقيمت في الحرم الجامعي بين 13 و24 يناير 2019، حاول البروفيسور جون إليس، أستاذ كرسي كليرك ماكسويل للفيزياء النظرية في كلية كينغز كولدج لندن، الإجابة على الأسئلة التالية "من أين نأتي؟ ما نحن؟ إلى أين نذهب؟". الصورة بعدسة سارة مُنشي.

يسأل إليس: "يأتينا أبكر إشعاع يمكن أن نراه من 380000 سنة بعد الانفجار العظيم. ولكن، ماذا حدث في تلك الفترة قبل انبعاث الإشعاع الأول؟ يقول لنا علماء الفلك إن معظم مادة الكون، لا تصنع من نفس المواد التي يصنع منها الإنسان، بل إنها في الواقع نوع من المادة المظلمة غير المرئية وضعيفة التفاعل. ولكن، ما هي هذه المادة المظلمة؟ هل هي أيضاً مصنوعة من نوع محدد ما من الجسيمات؟".

يوضح إليس أن الفيزيائيين حتى الآن عملوا مع النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات. ويقول: "إنّها نظرية تقوم على أنّ المادة تحتوي على جسيمات المادة: إلكترونات، كواركات، ولسبب لا نفهمه حقاً، ثمّة جزيئان أثقل وزناً مثل الإلكترونات، وهناك أيضاً النيوترينات. ثم، بين هذه الجسيمات الأساسية للمادة، نميز أربعة تفاعلات أساسية: الجاذبية، الكهرومغناطيسية، ثم داخل عالم الجسيمات الأساسية هناك قوة نووية قوية وقوة نووية ضعيفة مسؤولة عن أشكال النشاط الإشعاعي".

يرى جون إليس أن هذه الجسيمات والقوى، تشكل الحمض النووي الكوني الذي إذا ما عرفت خصائصه ستعرف شيفرة كل المعلومات اللازمة لصنع جميع المواد المرئية في الكون. ومع ذلك، ثمة شيء مفقود.

يقول إليس: "لا يخبرك الحمض النووي الكوني عن السبب، بل عن الكيفية. ولا يوجد تفسير لمصدر الجسيمات، وبالتالي لا يوجد تفسير لكيفية تكوين الذرات".

البروفيسور جون إليس يناقش اكتشاف بوزون هيجز خلال محاضرة ألقاها في 15 يناير في الحرم الجامعي، ضمن فعاليات برنامج الإثراء االشتوي 2019. الصورة بعدسة سارة مُنشي.

هنا يأتي عمل آلاف الفيزيائيين في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية CERN. ففي العام 2013، بعد تجارب تمت باستخدام مصادم الهادرون الكبير، أكد الباحثون وجود بوزون هيغز Higgs boson، وهو جسيم أولي جديد اقترحه الفيزيائي، بيتر هيغز، في العام 1964.

يقول إليس: "من دون بوزون هيغز، لن يكون هناك ذرات لأن الإلكترونات عديمة الكتلة سوف تهرب من النوى بسرعة الضوء. لن يكون هناك نوى ثقيلة للبدء بها؛ وستكون التفاعلات الضعيفة المسؤولة عن النشاط الإشعاعي أقوى بكثير؛ وكنّا جميعاً نتوهج في الظلام، ولكانت الحياة مستحيلة".

خلال مشاركته في محاضرة ضمن في برنامج الإثراء الشتوي 2019 في كاوست في 15 يناير 2019، شارك البروفيسور جون إليس مع جمهور كاوست آماله بأن يتمكن العلماء من تحقيق اكتشافات رائدة جديدة مثل بوزون هيغز خلال حياته. الصورة بعدسة سارة مُنشي.

ويشير إليس إلى أن ثمة العديد من الأسئلة الأخرى مازالت دون إجابات، على الرغم من اكتشاف بوزون هيغز، وهي أسئلة تتطلب نوعاً من الفيزياء يتجاوز فهمنا الحالي. ويوجد مبدأ مفيد يسمّى التناظر الفائق suppersymmeter، الذي قد يسدّ الفراغات في هذا الصدد.

يقول إليس: "حقق هذا المبدأ تنبؤاً ناجحاً لكتلة بوزون هيغز، وبالإضافة إلى ذلك، فهو يقوم بأشياء رائعة مثل مساعدتك في صنع نظرية كميّة للجاذبية، ويساعدك على توحيد كل تفاعلات الجسيمات وتفسير المادة المظلمة. أنا شخصياً أحب نظرية التناظر الفائق".

يدرس باحثو المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية اليوم أصل الكتلة وطبيعة المادة المظلمة، والاختلافات الصغيرة الموجودة بين المادة ومضادة المادة، لمواصلة السعي للإجابة على السؤال حول كيفية عمل الكون.

يعتقد العديد من علماء الفيزياء أن هناك جسيمات جديدة في انتظار اكتشافها، والسؤال هو ما إذا كانت جزيئات أساسية ومهمة مثل بوزون هيغز أو الإلكترون، أم أنها جسيمات أخرى أكثر جوهرية.

وسيكون هناك دائماً المزيد من الأسئلة حول طبيعة الكون، الأمر الذي يثير حماس إليس، الذي يأمل في اكتشاف المزيد من الاكتشافات مثل بوزون هيجز خلال حياته. ويقول إليس: "ما نفعله هو أننا نحاول قراءة كتاب التعليمات الخاص بالطبيعة. لقد تفضّلت علينا الطبيعة بالكثير من القرائن. ونحن محظوظون لأننا قادرون على القيام بهذه التجارب- إلى حد ما- لإعادة تجريب ما حدث خلال الانفجار الكبير في المختبر".