Top

من أجل استمرارية شعاب البحر الأحمر المرجانية

يدرس علماء من مركز أبحاث البحر الأحمر التابع لجامعة كاوست، الشعاب المرجانية في شمال البحر الأحمر، المنطقة التي تعدّ ملاذاً عالمياً للشعاب المرجانية، والتي يجب حمايته للأجيال المقبلة. صورة من الأرشيف.

بقلم ديفيد ميرفي، أخبار كاوست

يتسبب ارتفاع درجات حرارة مياه بحار العالم بأضرار تتفاقم تدريجياً على الحياة البحرية والنظم الإيكولوجية في محيطاتنا.  وفقاً لمنظمة الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة، أدت الأنشطة البشرية التي تزيد انبعاثات غازات الدفيئة، إلى ارتفاع متوسط درجة حرارة سطح البحر بحوالي 0.13 درجة مئوية كل عشر سنوات خلال المئة عام الماضية.

يسفر احترار المحيطات عن أضرار بيئية متعددة، بما في ذلك ارتفاع مستويات البحار، وتزايد الظواهر الجوية المتطرفة، وانتشار فصائل جديدة من الكائنات والأمراض، وتعريض الأمن الغذائي العالمي للخطر، وفقدان مناطق تكاثر الحيوانات البحرية. كما يؤدي ارتفاع درجات حرارة الماء إلى ما يسمّى بـ "ابيضاض الشعاب المرجانية"، وهي ظاهرة تؤثر على كل جسم مائيّ استوائي وشبه استوائي في العالم. فالمرجان الذي يتعرض لدرجات حرارة أعلى من المتوسط، يطرد الطحالب التي تعيش في أنسجته، الأمر الذي يؤدب إلى ابيضاضها.

لاحظ البروفيسوران كريستيان فولسترا (يسار) ومانويل أراندا (يمين)، من مركز أبحاث البحر الأحمر في كاوست، أهمية الحفاظ على الشعاب المرجانية في البحر الأحمر والعالم. صورة من الأرشيف.

وقد وضع فريق من علماء مركز أبحاث البحر الأحمر التابع لجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، الذي يضم كل من البروفيسور مانويل أراندا، الأستاذ المشارك في علوم البحار، والبروفيسور كريستيان فولسترا، الأستاذ المساعد في علوم البحار، بيانات تشير إلى أن الشعاب المرجانية في البحر الأحمر تعيش في مستوى أدنى بكثير من مستويات الابيضاض الحراري. ويبرز ذلك على وجه الخصوص، في  الجزء الشمالي من البحر الأحمر كملاذ حراري ذي أهمية عالمية.

ويوضح فولسترا قائلاً: "يلاحظ اابيضاض الشعاب المرجانية عادة في كل منطقة،ترتفع الحرارة فيها ما بين +1 إلى +2 درجة مئوية فقط فوق متوسط درجة حرارة الصيف القصوى. وفي شمال البحر الأحمر، تزداد درجة الحرارة بمقدار يفوق +5 درجات مئوية فوق متوسط درجة الحرارة في فصل الصيف".

ويضيف: "يبدو أن شمال البحر الأحمر ملاذ عالمي للشعاب المرجانية، يستحق اهتمامنا وحمايتنا. فشمال البحر الأحمر هو المكان الوحيد على الأرض الذي أعرف أنّه يتحلّى بهذه الخاصية. إذ تمتاز الشعاب المرجانية فيه بقدرتها على حماية نفسها ضد تغيرا المناخ لمدة 100 سنة قادمة. ويجب أن نحرص على الحفاظ على هذا المورد، والاستثمار في البحث لمعرفة سبب تميّزها".

الشعاب المرجانية في الحاجز المرجاني العظيم في أستراليا، بورت دوغلاس، أقصى شمال كوينزلاند. مصدر الصورة:Shutterstock.

 ​

مساعدة المرجان على التكيف مع تغير المناخ في المستقبل

كان من المهمّ لكلا الباحثين فهم تأثير الشعاب المرجانية في مناطق مختلفة من البحر الأحمر، وكيفية فك شيفرة هذه النتائج.

ويقول أرنادا: "هناك ابيضاض يحدث في شعاب البحر الأحمر المرجانية، على الأقل في الجنوب حيث ترتفع درجة الحرارة. من وجهة نظر محلية، نودّ أن نفهم كيف يمكننا مساعدة الشعاب المرجانية في البحر الأحمر، على أن تصبح أكثر تحمّلاً للحرارة". ويضيف: "بالنسبة لنا، يعدّ هذا البحث عملاً مثيراً بامتياز، لأنه قد يسمح لنا فهم كيف يمكن للشعاب المرجانية التكيف مع سيناريوهات تغير المناخ في المستقبل".

ويتابع: "كان متوسط حرارة مياه البحر الأحمر صيفاً أعلى من 32 درجة مئوية. وإذا ماكانت هذه الحرارة قد سجلت في البحر الكاريبي، فمن شأنها أن تقتل مرجان الحاجز المرجاني العظيم فيه، بل أن تمحوه تماماً. أما هنا، فيمكن للشعاب المرجانية أن تتعايش مع هذه الحرارة، ونحن مهتمون للغاية بمعرفة سبب ذلك، وبالطبع كيفيّته، كي نتمكّن من مساعدة الشعاب المرجانية في أماكن أخرى".

وكانت قد أعلنت الإدارة الوطنية الأمريكية للمحيطات والغلاف الجوي في العام ،2015 عن تسجيل الحدث العالمي الثالث من نوعه لابيضاض الشعاب المرجانية، والذي أثر على الشعاب المرجانية في البحر الأحمر. وكانت الشعاب المرجانية في جنوب البحر الأحمر أكثر تأثراً بكثير من الشعاب المرجانية في جزئه الشمالي.

اكتشف علماء البحار أن الشعاب المرجانية في جنوب البحر الأحمر، تأثرت أكثر بكثير بحادثة ابيضاض الشعاب المرجانية في العام 2015 مقارنة بالشعاب المرجانية في شمال البحر الأحمر. يظهر هنا وضع سليم لكائنات تعيش في شعاب البحر الأحمر المرجانية. صورة من الأرشيف.

 ​
ويتساءل فولسترا: "لماذا لا يعاني شمال البحر الأحمر من ابيضاض جماعي كما يحدث في أجزائه الوسطى والجنوبية؟". ويجيب: "نحن في الواقع لا نعلم السبب الأكيد. فثمّة نظريات عديدة لم تثبت صحتها بعد بشكل قاطع".

ويوضّح: "ترى إحدى النظريات أنّه منذ حوالي 15,000 عام، انعزل البحر الأحمر وجفّ. وفي حقبة عودته التالية، كان على جميع الشعاب المرجانية اجتياز المياه الجنوبية الأكثر دفئاً، ولهذا نرى الشعاب المرجانية في شمال الأحمر البحر، تمتاز بتحمّل حراري أعلى بكثير مما كان متوقعاً".

ويضيف فولسترا: "فيما تقول نظرية أخرى، إنّ الملوحة العالية تسهم في زيادة التحمل الحراري عن طريق التكاثر الحراري. والغريب أن شمال البحر الأحمر أكثر برودة ولكنه ذو ملوحة أعلى. وعادة ما تسير درجات الحرارة الأكثر دفئاً جنباً إلى جنب مع ارتفاع معدلات الملوحة، وذلك بسبب زيادة التبخر".

يجري علماء مركز أبحاث البحر الأحمر حالياً دراسة كبيرة للتعرّف على الاختلافات الجينية بين مرجان شمال البحر الأحمر وجنوبه. صورة من الأرشيف.

 ​

فهم الأسس الجينومية للبحر الأحمر

لفهم سبب احتواء شمال البحر الأحمر على الكثير من الشعاب المرجانية المرنة والمقاومة للحرارة، يتعين على العلماء مقارنة الأسس الجينومية لشعاب البحر الأحمر الشمالية مع مثيلاتها في وسط البحر الأحمر وجنوبه. إذ قد تشكّل الشعاب المرجانية المرنة قاعدةً للمساعدة في تقليل التأثير البيئي لابيضاض الشعاب المرجانية في جميع أنحاء العالم.

ويشير فولسترا إلى أن "كاوست والمملكة، هما المكانان الوحيدان اللذان لديهما إمكانية الوصول إلى الشعاب المرجانية في البحر الأحمر عبر كامل التدرج الشمالي-الجنوبي. وهذا يعني أنّ بمقدورنا دراسة المرونة عبر الاختلافات البيئية الكبيرة والمقارنة بينهما. ونحن نجري حالياً دراسة واسعة النطاق، لتحديد الاختلافات الجينية بين الشعاب المرجانية في شمال البحر الأحمر وجنوبه".

ويقول أراندا: "نستخدم تقنيات مختلفة وأساليب متباينة، يعتمد معظمها على ما نسميه الجينوميات والنسج النصية والبروتينات، ونعزز ذلك بالتقييم الفيزيولوجي". ويشرح: "ننظر في البيانات الأولية، ولكننا نقيس بعد ذلك ما يحدث حقاً في هذه الكائنات الحية. ونحاول الجمع بين المدرسة القديمة المعتمدة على التقنيات الفيزيولوجية من جهة، والأساليب الحديثة في علم الأحياء من جهة أخرى، لتزويدنا بلمحة عن ما يمكن أن يحدث".

لم يسبق لأحد أن أجرى مثل هذه البحوث الرائدة، التي يجريها أراندا وفولسترا وزملاؤهما في مركز أبحاث البحر الأحمر في كاوست، لا من حيث الشكل ولا من حيث الاتساع، والذي يشمل البحر الأحمر بأكمله. في الواقع، لم يُجر المركز سابقاً على الإطلاق أية أبحاثاً في علم الأوبجينيوم.

يؤكّد أراندا: "هذا البحث ليس جديداً على البحر الأحمر فحسب، بل جديداً على مستوى العالم بالمجمل".

توفر الشعاب المرجانية في البحر الأحمر بيئة حاضنة للعديد من الكائنات الحية، وهي تزخر بالتنوع البيولوجي. صورة من الأرشيف.

 ​

تجنباً لمستقبل بيئي قاحل

يعتقد الباحثان أنّ أبحاث مركز أبحاث البحر الأحمر ستعزّز فهمنا لبيولوجيا الشعاب المرجانية، وللعلاقة التكافلية الفريدة ما بين الشعاب المرجانية والطحالب، واستجابتها للضغط البيئي، وما إلى ذلك. وأنّ هذا سيتيح للمركز المساهمة بمعلوماته في إفادة المشاريع المستقبلية للمناطق الساحلية في المملكة ومنطقة الخليج بأكملها.

ويقول فولسترا: "أدرك سكان المملكة والعالم ن الشعاب المرجانية مهددة بالإنقراض، وقد بيّنت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ المسألة بوضوح: نحن بحاجة إلى العمل في السنوات العشرين المقبلة، لإنقاذ ما يمكن من الشعاب المرجانية، ريثما نطوّر أو نصمّم حلولاً أوسع لمواجهة آثار التغيّر المناخي".

ويتابع قائلاً: "تتمتع المملكة بعدد كبير من الشعاب المرجانية البكر في المنطقة. وحجم الشعاب المرجانية في مياهها يجعلها لاعباً رئيسياً مؤهلاً لأن ييتبوّأ الريادة في جهود الحفاظ على هذه الموارد الفريدة، محلياً وعالمياً".

إلا أنّ أراندا وفولسترا غير متأكدين ما إذا كان الضرر الناجم عن ابيضاض الشعاب المرجانية يمكن عكسه حقاً. إذ لاحظ الباحثون أن بعض الحياة المرجانية والبحرية في المناطق المتضررة، ستصمد بغض النظر عن ذلك، وإن كان في بيئات متناقصة وأقل حيوية أو تنوعاً من ذي قبل. ويقولان إن المهمة الإنسانية هي حماية الشعاب المرجانية من السلوكيات البشرية غير المسؤولة نتيجة تغير المناخ العالمي.

يشير كل من البروفيسوران كريستيان فولسترا ومانويل أراندا، الباحثان في مركز أبحاث البحر الأحمر، إلى أن المملكة لاعب مهم في الحفاظ على موائل الشعاب المرجانية. صورة من الأرشيف.

يقول فولسترا: "فيما يتعلق بقابلية الانعكاس، فإنّ هذا سؤال يصعب الإجابة عليه. من حيث المبدأ، فإن ابيضاض الشعاب المرجانية يمكن عكسه، لكننا بحاجة إلى التأكد من استيفاء الظروف التي تسمح للشعاب المرجانية بالتعافي. ويشمل ذلك تقليل التأثير المحلي، مثل الصيد الجائر ومنافذ الصرف الصحي والترسبات، التي ثبت أنها تؤثر سلباً على احتمالات استمرارية الشعاب المرجانية".

ويضيف أراندا: "بمجرد موت المرجان، نفقد هياكل الشعاب المرجانية هذه، وبفقدان الهياكل تفقد جميع الكائنات التي تتخذها كموطن لها. وما سيتبقّى هو مشهد بحري قاحل للغاية تسيطر عليه الطحالب. سيكون هناك أنواع قادرة على التغذية من الطحالب، ولكنّ التنوع البيولوجي سيكون أصغر بكثير مما سبق، وغير قادر على دعم الحياة والتنوع البيولوجي، الذي تتمتع به اليوم محيطاتنا وبحارنا".