Top

كيف تهدد الضوضاء محيطاتنا

تُسبب السفن التجارية المزيد من التلوث الصوتي والضوضاء البشرية. تصوير دانيال كوستا.

نشرت مجلة ساينس (Science) العلمية دراسة بحثية قام بها فريق من الباحثين الدوليين من المملكة العربية السعودية والدنمارك والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا وهولندا وألمانيا وإسبانيا والنرويج وكندا، بقيادة البروفيسور كارلوس دوارتي، الأستاذ المتميز في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، تهدف لفهم تأثير الضوضاء التي من صنع الإنسان على الحياة في المحيطات، حيث أظهرت نتائج الدراسة وجود أدلة دامغة على أن الضوضاء المرتبطة بالأنشطة البشرية تُأثر سلباً على الحيوانات البحرية، وأنظمتها البيئية، وتُسبب اضطرابات كبيرة في سلوكها وتركيبتها، وتُحد من قدرتها على التكاثر، وقد تُسبب الوفاة في أسواء الحالات.

كما تبين الدراسة أن هذه التأثيرات بدأت مع الثورة الصناعية التي ساهم البشر من خلالها بجعل الكوكب، والمحيطات على وجه الخصوص، أكثر ضوضاءً من خلال أنشطة الصيد والشحن وتطوير البنية التحتية وغير ذلك، الأمر الذي قلل من هيمنة أصوات الحيوانات البحرية على المحيطات التي تعاني في الأساس من تبعات تغيّر المناخ والضغوطات البشرية الأخرى.

ويشرح العلماء أن الضوضاء البشرية أدت لإسكات الصوت المتميز للكائنات البحرية التي تستخدمه للتفاعل مع بيئتها، وتوجيه صغارها التي تنجرف في البحر بحثاً عن البيئات المناسبة للنمو والتكاثر، حيث باتت البيئة البحرية ملوثة بظواهر صوتية من صنع الإنسان، وبالتالي لم يعد التواصل بين الكائنات البحرية ممكنا في العديد من الأنظمة البيئية، لذلك تركز هذه الدراسة على وجه الخصوص لاعتبار الضوضاء التي يسببها الإنسان عامل ضغط سائد على المستوى العالمي ينبغي وضع سياسة فاعلة للتخفيف منه، ومع ذلك ، تتجاهل الاجراءات الحالية التي تقوم بها معظم الدول للحفاظ على صحة المحيطات الدور السلبي الكبير للضوضاء ولا توجد جهود حقيقية للحد منها.

مشهد لحوت أحدب يصعد لسطح البحر. المصدر: معهد ويجنر.

وتؤكد الدراسة أن الحيوانات البحرية تتأثر كثيراً بالصوت الذي ينتقل بسرعة تحت الماء ولمسافات شاسعة، الامر الذي يجعل من "المحيط الصوتي" أحد أهم جوانب البيئة البحرية والذي لا يحظى بالتقدير الكافي، لذلك يأمل الباحثون أن تقدم هذه الدراسة أدلة كافية لحث الجهات المتخصصة في حماية البيئة البحرية على اتخاذ إجراءات إدارية جادة لتقليل مستويات الضوضاء في المحيطات، وبالتالي السماح للحيوانات البحرية بالعيش في بيئتها وضمن محيطها الصوتي.

جانا فينديرين تجري دراسة باستخدام ميكروفونًا مائيًا. تصوير جانا وينديرين.

قام الفريق بتوثيق أدلة قاطعة في أكثر من 10000 ورقة تشرح تأثير الضوضاء البشرية على الحيوانات والنظم البيئية البحرية حول العالم ابتدأً من اللافقاريات وصلاً للحيتان، وعبر دراسة مستويات متعددة من السلوك إلى علم وظائف الأعضاء، تقول ميشيل هافليك، طالبة الدكتوراة في كاوست:" بيّنت هذه الدراسة القوية وغير المسبوقة وبالدليل القاطع على مدى انتشار الضوضاء التي يسببها الإنسان في المحيطات وتأثيراتها الكبيرة على الحيوانات البحرية، لدرجة أنه لم يعد بالإمكان تجاهل الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات للحد منها".

ميشيل هافليك تغوص في البحر الأحمر مع ميكرفون مائي خلال رحلة بحثية. تصوير ميشيل هافليك.

وعلى النقيض تماماً من تأثيرات أشكال التلوث البشري الأخرى، مثل تسرب الملوثات الكيميائية وانبعاث الغازات الدفيئة المسببة لتغيّر المناخ، فإن تأثيرات التلوث الصوتي يمكن التعافي منها بسهولة وبصورة مباشرة بمجرد الحد من الضوضاء، وهو ما أكدته هذه الدراسة عندما أشارت إلى الاستجابة السريعة التي حدثت للحيوانات البحرية كنتيجة للإغلاق شبه التام للأنشطة البشرية حول العالم والذي فرضته جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19)، يقول البروفيسور دوارتي: " يُنظر للمحيط العميق المظلم على أنه نظام بيئي بعيد جداً، حتى من قبل علماء البحار، ولكنه نظام متصل صوتيًا، ويتأثر بصورة كبيرة بمعظم الضوضاء البشرية التي تحدث على سطحه، حتى في أعماق تصل ل 1000 متر، ولا شك أن التخفيف من آثار الضوضاء الناتجة عن الأنشطة البشرية على الحياة البحرية هو مفتاح الحفاظ على المحيطات، لقد حددنا في هذه الدراسة التي قادتها كاوست عددًا من الإجراءات السهلة والقابلة للتطبيق، للحد من ضجيج وضوضاء البشر على النظم البيئية في المحيطات، بهدف تعافي الحياة البحرية واستدامة المحيطات".