التحق بالجامعة
الانتقال إلى الجامعة
انضم إلينا
وظائف أعضاء هيئة التدريس
رؤيتنا
المجلة العلمية
يستخدم علماء كاوست الفحم الحيوي كاربوسويل (CarboSoil) والمخلفات والقشور الحيوية المحلية لإحياء الأراضي القاحلة، وإثراء التربة، وامتصاص الكربون، والحد من التآكل لمساعدة النباتات على الازدهار.
من تربة الصحراء إلى مياه البحر الأحمر، يعمل علماء كاوست على ابتكار حلول مستمدة من الطبيعة لمواجهة بعض أكبر التحديات البيئية في المملكة العربية السعودية، والتي منها معالجة النفايات وتحويلها إلى تربة خصبة، وتسخير الكائنات الدقيقة لاستعادة الأراضي المتدهورة، وزراعة الطحالب في المياه شديدة الملوحة — في مسعى جريء نحو تعزيز الأمن الغذائي وبناء القدرة على التكيّف مع تغيّر المناخ.
وبتنوع أساليب البحث وتعدد محاوره، تدعم هذه الجهود مساعي المملكة لتحقيق أهداف الأمن الغذائي ومكافحة التصحر.
في محاولة لتعزيز الأمن الغذائي وتحسين خصوبة التربة وتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة، طوّر باحث كاوست البروفيسور هيمنشو ميشرا وفريقه تقنية رائدة تحقق تأثيراً ملموساً. فقد ابتكروا مادة حيوية مُهندسة تُعرف باسم كاربوسويل (CarboSoil) تُصنّع من مخلفات الدواجن، وتُحدث فرقاً كبيراً في خصوبة التربة وقدرتها على الاحتفاظ بالعناصر الغذائية.
ومع تزايد إنتاج الدواجن في السعودية، يزداد حجم المخلفات المترسبة في المكبات (بمعدل يصل حالياً إلى نصف مليون طن سنوياً). وفي الوقت نفسه، تسعى المملكة إلى زيادة إنتاجها الغذائي المحلي، وهو ما يتطلب تربة أكثر خصوبة.
ويقول ميشرا "لقد صممنا هذه التقنية بما يتماشى مع التوجه الوطني لخفض النفايات العضوية في المكبات، وفي الوقت ذاته دعم خطط المملكة لإعادة تأهيل الأراضي الصحراوية".
ويضيف "استخدمنا في تجاربنا الأولى الفحم الحيوي (Biochar)، ووجدنا أنه يقتل النباتات لارتفاع قلويته وعدم ملاءمته للتربة الجيرية في الصحراء. لذلك قمنا بهندسة نسخة متطورة تحتفظ بالمزايا كلها دون أي آثار سامة".
تعمل مادة الكاربوسويل كالإسفنج للعناصر الغذائية، فعند إضافته بنسبة 5% إلى الرمال (حجماً)، يزيد إلى حد بعيد من قدرة التربة على الاحتفاظ بالمغذيات والمياه. ويؤكد ميشرا أن فوائده تضاهي "نشارة البيت موس" المستوردة — وهي منتج عضوي عالي الجودة يحسّن التربة— لكن مع ميزة كبرى: بينما تحتاج " نشارة البيت موس" لإعادة الاستخدام باستمرار، تدوم فوائد مادة الكاربوسويل مئات السنين.
وتسعى شركة تيراكسِي (Terraxy) الناشئة في كاوست، التي أسسها ميشرا بالشراكة مع طالبه السابق للدكتوراه أدير غالو، إلى هدف طموح يتمثل في إعادة تدوير جميع مخلفات الدواجن في المملكة وتحويلها إلى كاربوسويل لدعم خطط التشجير الوطني.
وقد أثبتت التجارب الميدانية طويلة المدى مع أرامكو ونيوم فعالية كاربوسويل في تعزيز نمو النباتات بموارد محدودة. ويؤكد ميشرا "كاربوسويل هو بديل سعودي لنشارة (البيت موس)، ومعه يمكننا بناء تربة خصبة دائمة للتشجير والإنتاج الغذائي، مع الحد من التلوث الناتج عن المكبات وتثبيت الكربون في التربة".
ولا يقتصر الإنتاج على مخلفات الدواجن، إذ يمكن تصنيع كاربوسويل أيضاً من سعف النخيل ومخلفات الحدائق والنفايات الغذائية.
ففي عامي 2023–2024، نفذت "تيراكسِي" مشروعاً تجريبياً بقدرة إنتاجية تبلغ طنّاً واحداً يومياً، وأنتجت أكثر من 150 طناً من الكاربوسويل و120 طناً من الغاز الاصطناعي، ومنعت أكثر من 400 طن من مخلفات الدواجن من الوصول إلى المكبات. ويقوم الفريق الآن بالتحضير لتوسيع نطاق عملياته على المستوى الصناعي بالقرب من الرياض.
لتعزيز خصوبة التربة بطرق طبيعية أخرى، يعمل أستاذ كاوست في هندسة وعلوم البيئة البروفيسور فرناندو مايستري على دراسة استخدام القشور الحيوية (Biocrusts)، وهي مجتمعات طبيعية تتكون من بكتيريا زرقاء وطحالب وحزازيات وفطريات وكائنات دقيقة أخرى تعيش على سطح التربة في المناطق الجافة حول العالم. وتساعد هذه المجتمعات في تثبيت الكربون، وزيادة خصوبة التربة، وتقليل تآكلها وانبعاث الغبار، وهي فوائد بالغة الأهمية للمملكة، يقول مايستري "لدينا أبحاث رائدة في استخدام القشور الحيوية لترميم الأراضي في المملكة العربية السعودية".
ويشرح "تتضمن المرحلة الأولى تصميم ’مشاتل‘ لإنتاج القشور الحيوية واختبارها، والتي يمكن إضافتها لاحقًا للتربة المتدهورة لتعزيز النشاط البيولوجي والخصوبة، وتثبيت الكربون، والحد من انبعاثات الغبار".
ويعمل الفريق أيضاً على تطوير نماذج لتحديد المواقع المثلى لزراعة الأشجار والشجيرات في المملكة، سواء في الظروف الحالية، أو في ظل سيناريوهات تغيّر المناخ المستقبلية.
ويضيف مايستري "الكثير من مشاريع التشجير تفشل عند توقف الري المستخدم في مرحلة الإنبات. ولتفادي ذلك، يجب اختيار الأنواع النباتية المناسبة في المواقع الملائمة، وهو أمر أساسي لضمان نجاح جهود التشجير على المدى الطويل".
إلى جانب استعادة التربة، يمثّل تطوير بدائل مستدامة لإنتاج الغذاء والأعلاف عاملاً محورياً لتخفيف الضغط عن الأراضي.
وفي هذا السياق، يعمل الباحثون في المركز السعودي لتطوير التقنية الحيوية للطحالب والاستزراع المائي في كاوست، بقيادة البروفيسور كلادو غروينوالد، على تطوير طحالب متكيفة مع الملوحة العالية لإنتاج أعلاف للماشية والدواجن والأسماك، باستخدام مياه البحر الأحمر.
ويُعد المركز، الممول من وزارة البيئة والمياه والزراعة، المنشأة الوحيدة في شبه الجزيرة العربية التي تحتضن مرافق لتقنية الطحالب التطبيقية على نطاق واسع (أكثر من 3000 متر مكعب)، وينتج حالياً نحو 100 طن من الكتلة الحيوية الجافة للطحالب سنوياً.
تُعرف الطحالب بأنها "غذاء خارق" يمكن زراعته بتكلفة منخفضة باستخدام أشعة الشمس وثاني أكسيد الكربون والمغذيات والماء. لكن إنتاجها على نطاق واسع في بيئة صحراوية يبقى تحدياً كبيراً. وقد طوّر باحثو كاوست سلالات تجارية من طحلبي (سبيرولينا) و(كلوريلا) المقاومة للملوحة، ما يقلل استهلاك المياه العذبة، ويمكّن من إنتاج الطحالب بشكل اقتصادي ومستدام.
باستخدام مياه البحر الأحمر، يزرع المركز السعودي لتطوير التقنية الحيوية للطحالب والاستزراع المائي التابع لكاوست، طحالبًا مقاومة للملوحة كمصدر مستدام لتغذية الماشية، مما يساعد في تخفيف الضغط على التربة الخصبة.
ويقول غروينوالد "أحد أهم إنجازاتنا هو قدرتنا على تكييف معظم أنواع الطحالب الدقيقة مع الظروف المالحة لمياه البحر الأحمر. وعلى الرغم من إمكانية زراعتها في مياه عذبة أو مالحة أو حتى في المياه شديدة الملوحة، فإننا نركز عملياتنا واسعة النطاق على ملوحة البحر الأحمر، وهو خيار أكثر استدامة من الطرق التقليدية".
ويضيف "هذه هي المرة الأولى التي يُنتج فيها الطحالب على هذا النطاق في بيئة عالية الملوحة، ومع ذلك نجحنا في الحفاظ على جودة عالية في ظل مستويات مرتفعة من الإشعاع والحرارة والملوحة".
ويتوافق التوجه الوطني لتوسيع زراعة الطحالب صناعياً مع أهداف رؤية السعودية 2030 لتعزيز الأمن الغذائي المحلي وتقليل الاعتماد على الأعلاف والمواد الخام المستوردة. كما تُستخدم الطحالب المنتَجة محلياً لإطعام الأسماك في إطار مشروع يهدف إلى تطوير نظام استزراع مائي دائري ومستدام.
ويختم غروينوالد "لقد أثبتنا أن إنتاج الطحالب الدقيقة على مدار العام في السعودية أمر ممكن وموثوق ومستدام. فهي لا تُوفر مواد خام للأعلاف فحسب، بل تسهم أيضاً في احتجاز ثاني أكسيد الكربون، ومعالجة المياه العذبة والمالحة وشديدة الملوحة، وتحويل المواد الأولية منخفضة القيمة إلى مركبات عالية القيمة تُستخدم في مجالات تمتد من الزراعة والأعلاف الحيوانية إلى مستحضرات التجميل والصناعات الدوائية".