Top

الاستفادة القصوى من مياه الصرف

يعد تقييم وتحسين سلامة مياه الصرف الصحي المعالجة، المحور الحالي لأبحاث البروفيسورة بينغ هونغ في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية.

بقلم ديفيد مورفي، أخبار الجامعة

تشير الإحصائيات أنه بحلول عام 2025 سيعيش نصف سكان العالم في مناطق تعاني من نقص حاد في المياه الصالحة للشرب. كما أن العوامل الأخرى من زيادة النمو السكاني في العالم وارتفاع تأثير ظاهرة الاحتباس الحراري ستعرض موارد المياه العذبة في العالم للتوتر والاستنزاف على نحو متزايد. الأمر الذي يضع على عاتق المجتمع العلمي الدور الأكبر في الخروج بحلول مجدية واكتشافات تقنية تلبي الاحتياجات البشرية للمياه العذبة والنقية.

وفي هذا السياق، تجري البروفيسورة بينغ هونغ، أستاذة علوم وهندسة البيئية في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية أبحاثاً رائدة في مجال المياه، وعلى وجه الخصوص معالجة مياه الصرف الصحي والاستفادة القصوى منها في مشكلة ندرة المياه على الصعيد العالمي، فضلاً عن تحسين القضايا الصحية العالمية في البلدان النامية. كما تهدف أبحاث البروفيسورة هونغ إلى فهم أدوار وتفاعلات الكائنات الدقيقة في النظم البيئية لحل المشاكل المتعلقة بجودة المياه وإعادة استخدامها.

ومن خلال أبحاثها المستمرة مع فريقها، تعتقد هونغ أن مياه الصرف المعالجة هي من مصادر المياه البديلة الثمينة، مشيرةً إلى ذلك بقولها: "يمكننا إعادة استخدام المياه، لكننا في البداية نحتاج إلى إقناع الناس بإعادة استخدام مياه الصرف – نحن بحاجة إلى إقناعهم بأنها آمنة."

الأبحاث الحالية

يهدف بحث هونغ إلى معالجة قضايا ندرة المياه العالمية من خلال تشجيع استخدام مصادر المياه البديلة مثل مياه الصرف الصحي المعالجة ومياه البحر لتقليل الطلب على إمدادات المياه العذبة غير المتجددة. ويركز الجزء الأكبر من بحثها على تقييم وتحسين سلامة مياه الصرف الصحي المعالجة.

وتعتمد البروفيسورة هونغ في أبحاثها على دراسة ثلاثة مبادىء أساسية: أولاً، تنوع ومصير وتحمل الملوثات الجرثومية في مياه الصرف الصحي؛ ثانياً، قدرة تقنيات معالجة مياه الصرف الحالية على إزالة الملوثات الجرثومية؛ وثالثاً، كيف يمكن تطوير عمليات تقنية آمنة ومستدامة لمعالجة مياه الصرف الصحي. كما تسعى هونغ ومجموعتها إلى توفير العلوم الأساسية والبحوث الموجهة نحو الأهداف التي تدعم تحسين صحة وإدارة المياه.


تستخدم البروفيسورة بينغ هونغ الأستاذة المساعدة في جامعة الملك عبدالله مجموعة متنوعة من معدات المختبرات المتطورة مع فريقها في الحرم الجامعي لتقييم وتحسين سلامة مياه الصرف الصحي المعالجة.

 

مشكلة شح المياه في المملكة العربية السعودية

لاحظت هونغ عقب انضمامها إلى جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في عام 2012، أن هناك مشكلتين كبيرتين فيما يتعلق ببرامج إعادة استخدام مياه الصرف الصحي في المملكة العربية السعودية. المشكلة الأولى هي أن شبكات الصرف الصحي تغطي ما يقرب من 50 في المئة من البلاد، بينما تعتمد المناطق الأخرى على خزانات الصرف الصحي أو على التصريف المباشر لمياه الصرف المعالجة جزئيًا في البحر أو البحيرات الصناعية".

والمشكلة الثانية ترتبط بالتنوع الكبير المحتمل للملوثات الموجودة في مياه الصرف الصحي نتيجة لملايين الحجاج الذين يزورون المملكة العربية السعودية من جميع أنحاء العالم لأداء فريضة الحج. فمع كل زيارة، يضيف زوار جدة والمنطقة المحيطة الميكروبات إلى مياه الصرف الصحي المحلية.

تقول البروفيسورة هونغ: "يأتي العديد من الحجاج الى المملكة من البلدان النامية التي تكون فيها الرعاية الصحية محدودة مع قلة الوعي بكيفية استهلاك المضادات الحيوية. ونظراً لافتقار المنطقة لشبكة صرف الصحي ملائمة، فضلاً عن تفاقم التواجد السكاني في منطقة محددة بشكل مؤقت، فإن ذلك يعزز انتشار العوامل الممرضة المقاومة للمضادات الحيوية في مياه الصرف والبيئة."


ولهذا السبب، يسعى فريقها إلى الإجابة على الأسئلة البحثية الأربعة التالية: هل هناك ملوثات جرثومية جديدة أو ناشئة في مياه الصرف الصحي؟ هي عملية معالجة مياه الصرف الحالية يمكنها إزالة الملوثات الميكروبية الناشئة بفعالية؟ ما هي استراتيجيات المبيدات البيولوجية الطبيعية ذات التكلفة المنخفضة المناسبة للاستخدام لمعالجة الملوثات الجرثومية الناشئة؟ وهل تعتبر المفاعلات الحيوية الغشائية اللاهوائية (MBR) تقنية آمنة ومستدامة؟

رؤية طموحة

على الرغم من أن المملكة العربية السعودية في طليعة دول العالم من ناحية استخدام مرافق تحلية المياه، كما أنها تشارك معرفتها ومهاراتها وخبراتها في مجال تحلية مياه البحر على نطاق واسع مع الدول الأخرى، إلا أن معدل إعادة استخدام المياه في المملكة لا يزال منخفضًا. ومع ذلك، من المتوقع أن معدل إعادة استخدام المياه سيتغير في المستقبل وذلك بعد أن تم إدراجها ضمن برنامج التحول الوطني الأخير في رؤية المملكة 2030. وتعتقد هونغ أنه بسبب رؤية 2030، تقوم حالياً وزارات مختلفة في المملكة العربية السعودية بتوسيع البحث والتطوير فيما يتعلق باستخدام مياه الصرف الصحي المعالجة مع تحقيق الهدف النهائي وهو زيادة معدل إعادة الاستخدام عن المعدل الحالي.

وتوضح هونغ: "تطرقت رؤية 2030 بشكل خاص إلى إعادة استخدام المياه. والقصد من ذلك هو التخفيف من إمدادات المياه الجوفية المستنفدة من خلال زيادة معدلات إعادة الاستخدام. مع هذا التوجه الجديد، من المتوقع أن تصبح التطورات التقنية المتعلقة بمعالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها أولوية بحثية وطنية. أعتقد أن الوزارات الحكومية في المملكة تعترف بفوائد مياه الصرف المعالجة في  (أ) تحسين أمننا المائي؛ (ب) تقليل استخدامنا لموارد المياه الجوفية غير المتجددة والسماح بوقت كافٍ لإعادة ملئها ؛ (ج) زيادة قدرتنا على استعادة الموارد القيمة من مياه الصرف الصحي."

الأستاذة المساعدة في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية بينغ هونغ (يسار) وطالب الدكتوراه هونغ تشينغ أثناء أبحاث التلوث الحيوي لأغشية تحلية المياه.


وتؤكد هونغ أنها شهدت تحسناً مستمراً في تقنيات تحلية المياه وإعادة استخدامها منذ أن بدأت بحثها لأول مرة. تقول: "في الماضي، كانت تقنيات إعادة استخدام المياه هذه مجرد استعادة المياه النظيفة. أما التقنيات في الوقت الحاضر فإنها لا تركز على استعادة المياه النظيفة فقط، بل الاستفادة أيضًا من الموارد القيمة الأخرى الموجودة في مياه الصرف الصحي لإنتاج المواد المفيدة وتوليد الطاقة."

البحوث التعاونية متعددة التخصصات

يخطط فريق البروفيسورة هونغ لتوسيع مفاعله الحيوي الذي هو بحجم مختبر لمعالجة مياه الصرف في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية. وتأمل في استخدام المفاعلات الحيوية الغشائية اللاهوائية المتطورة باعتبارها تقنية معالجة غير مركزية لمعالجة مياه الصرف الصحي في الموقع.

تقول هونغ: "نبحث عن التأثير المحتمل لمياه الصرف المعالجة على سلامة الأغذية. كما نتعاون مع زميلتنا في مجال علوم النبات البروفيسورة إكرام بليلو وفريقها لدراسة التأثير على إنتاجية المحاصيل وصحة النباتات. وفي الوقت نفسه، نطبق ما تعلمناه عن الملوثات الجرثومية الناشئة لتطوير استراتيجيات الإبادة الحيوية منخفضة التكلفة لتعزيز سلامة المياه المعاد استخدامها ".

استخدام مياه الصرف الصحي بأمان

تود هونغ في المستقبل البحث عن التأثير الذي سيحدثه تغيّر المناخ في ندرة المياه العالمية. وفي هذا السياق تقول: "يمكن أن يؤدي تغيّر المناخ إلى تفاقم مشكلة ندرة المياه، وسنرى المزيد من الظواهر الطبيعية المختلفة مثل الأمطار الغزيرة أو الجفاف لفترات طويلة، الأمر الذي قد يؤدي إلى المزيد من الاضطراب في جودة المياه."

ترى هونغ أن مشكلة ندرة المياه غير مفهومة تمامًا في بعض البلدان. وتشرح أنه في الوقت الذي تعاني فيه المملكة العربية السعودية من شح في مصادر المياه العذبة وقلة إمدادات المياه الجوفية غير المتجددة. إلا أننا نجد قلة في الاسترشاد والحفاظ على الماء بين الناس نظراً لأنه من السلع التي تدعمها الحكومة بشدة. ولا تزال معدلات استخدام المياه في المملكة العربية السعودية مرتفعة عند 265 لترًا للشخص الواحد في اليوم، مع توقع بزيادتها كل سنة.