Top

الرمال التي لا تمتص المياه

يقوم فريق بحثي مشترك من جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية وجامعة الملك عبدالعزيز بجني محصول من الطماطم تمت زراعته باستخدام الرمل الطارد للمياه.

يتميز كوكب الأرض عن باقي الكواكب بتوفر المياه في شكلها السائل مما يجعل من كوكبنا فريداً من نوعه بين الكواكب الأخرى المعروفة. تعد المياه المركّب الأكثر وفرة في الكون وفقاً للوكالة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا)، إذ أنه مكون من الهيدروجين والأكسجين، العنصران الأول والثالث الأكثر وفرة. ولكن المدهش في كل ذلك، أنه لا يوجد نموذج موحد يشرح سلوك المياه من المستوى الكلي إلى المستوى الذري.

يقول البروفيسور هيمانشو ميشرا، الأستاذ المساعد في العلوم والهندسة البيئية بجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية: " المستهلك الأكبر للمياه العذبة في العالم هي الزراعة. علمت هذا من أحد الزملاء في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية. قلت لنفسي: إذا كنت أريد أن أحدث تأثيراً كبيراً في الأمن المائي، كل ما يجب أن أفعله هو توفير خمسة بالمئة من مياه الزراعة. وهذا سيكون مفيد جداً".

البروفيسور هيمانشو ميشرا، الأستاذ المساعد في العلوم والهندسة البيئية بجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية.

وهكذا بدأ ميشرا رحلة التفكير بطرق لتوفير المياه في القطاع الزراعي في البيئات القاحلة مثل شبه الجزيرة العربية، باستخدام مواد رخيصة ومتوفّرة. طور ميشرا وطالب الدكتوراه أدير غالو جونيور حلاً جذرياً ألا وهو الرمال التي لا تمتص المياه (Hydrophobic Sand).

يقول: "يوجد الكثير من الرمال في المملكة العربية السعودية، فضلاً عن احتياطيات بترولية كبيرة، ولهذا فإن الشمع، الذي يعد منتج ثانوي لتكرير النفط، يجب أن يكون وفيراً أيضاً. لذا، فماذا لو أخذنا الرمال، التي هي مجانية، ووضعنا عليها مقادير نانوية من الشمع كطلاء؟".

نموذج للرمل الطارد للماء أثناء عرضه في المؤتمر السعودي للمياه والبيئة في الرياض.

الهايدروفوبيا (الطارد للماء) هي خاصية فيزيائية لمركب يفضّل بشدّة الارتباط مع الجزيئات المحايدة نظراً لطبيعته غير القطبية. يمكنكم اختبار هذه الظاهرة عندما تسكبون قليلاً من الماء في مقلاة زيت. فجزيئات الزيت لا تترابط مع جزيئات الماء، وبالتالي تبقى منفصلة بوضوح.

قام غالو، على مدى العامين الماضيين، مع فريق من المساعدين، بزراعة وتتبع نمو استهلاك المياه ومحاصيل مجموعة من النباتات بطريقة منهجية. بدأوا العمل في 2015 في المستنبتات الزجاجية في الجامعة وسرعان ما انتقلوا، بعد دورة زراعة واحدة، إلى اختبار الأراضي الزراعية بالقرب من قرية "هدى الشام" على بعد 20 كيلومتراً من مدينة جدة السعودية.

طالب الدكتوراه أدير غالو جونيور (يميناً) مع باحثين من جامعة الملك عبدالعزيز أثناء دراسة محصول الطماطم في حقل إختبار ميداني في قرية هدى الشام.

ووقع اختيار غالو وميشرا على مجموعة نباتات تشمل الشعير والطماطم. واختبر الفريق كلاً من زيادة المحاصيل مع ثبات استهلاك المياه، وخفض استهلاك المياه مع ثبات المحاصيل. وأوحت النتائج الأولية التي توصل إليها الفريق بمضاعفة العائد تقريباً مع ثبات استهلاك المياه. فيما لا يزال اختبار الحد من استهلاك المياه مستمراً.

يقول غالو: "في المراحل المبكرة، عندما تنكشف التربة، تفقد الكثير من الماء جرّاء التبخر. هذا مجرد ماء مهدر لأن النبات لا يستخدمه للنمو أو لضبط حرارته".

ولا يعد إيقاف تبخر الماء في البيئات الزراعية مفهوماً مبتكراً. ففي العالم الغربي يتم إنتاج نحو خمسة ملايين طن متري من البلاستيك سنوياً لأغراض التغطية. وبعد الحصاد، تمدّ هذه اللفائف من الأغطية البلاستيكية التي، برأي ميشرا، " مشكلة بيئيةٌ كبرى".

قال ميشرا: "في المناطق الجافة والحارة كالسعودية، تصل حصة الزراعة إلى نحو ستين أو سبعين بالمئة من المياه العذبة. وتصل الكمية إلى آلاف الكيلومترات المكعبة، وهي كمية هائلة من المياه".

يرى الفريق أن الرمل الطارد للماء ليس مجرّد حل جيد، ولكنه أيضاً زهيد التكلفة وفي متناول المزارعين في مناطق العالم شبه القاحلة والقاحلة.