Top

تحديث تقنية تحلية المياه بالطاقة الشمسية

البروفيسور بينغ وانغ، أستاذ علوم وهندسة البيئة في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وزملاؤه في مركز أبحاث تحلية وإعادة استخدام المياه (WDRC) في الجامعة، يعملون على تطوير نظام مبتكر لتحلية المياه بالطاقة الشمسية.

لطالما كانت محيطات العالم محط اهتمام الفلاسفة والبحارة والمهندسين والعلماء على مدى التاريخ. أحد أهم أسباب هذا الاهتمام، هو إمكانية إستخدام مياهها المالحة كمصدر للمياه العذبة. فكانت البداية عندما اكتشف البحارة اليونانيين طريقة إنتاج مياه عذبة عبر غلي مياه البحر وجمع البخار المكثف بواسطة الإسفنج. أما في القرون الوسطى، تصف النصوص الأوروبية الأولى كيف جرب البحارة القدامى عملية ترشيح المياه المالحة من خلال الرمل، وتقطير المياه باستخدام قطارة كيميائية، وتثبيت صوف الخراف على جوانب السفن أثناء الليل لجمع المياه المكثفة. ونجحت هذه التقنيات ينسب متفاوته مما زاد من دوافع العلماء لإنتاج مياه عذبة.

الطاقة الشمسية وتحلية المياه

وفق السجلات العلمية التاريخية، لم يكن هناك أي ذكر لإستخدام الطاقة الشسمية في عملية تحلية المياه، حتى العام 1551. ويعد الكيميائيون العرب أول من قاموا بتحلية مياه البحر بواسطة أوعية التسخين بإستخدام أشعة الشمس المركزة الناتجة عن استخدام المرايا كروية الشكل - وهي أول استخدام معروف للقطارة الشمسية. ومنذ ذلك الحين، تم استخدام القطارة الشمسية على نطاق تجاري وصناعي واسع في أجزاء كثيرة من العالم.

ويعتمد التقطير الشمسي على العملية الطبيعية لترشيح المياه. وتتألف القطارة الشمسية عادة من حوض مغلق يحتوي على كمية من المياه المالحة، ويوجد في الحوض غطاء شفاف مصنوع من البلاستيك أو الزجاج شفاف، يسمح بنفاذ أشعة الشمس لتسخين الماء الموجود في الحوض وتحويله إلى بخار. ويتكثف البخار أثناء اتصاله بغطاء الحوض، الذي تكون درجة حرارته منخفضة بسبب ملامسته للهواء الخارجي.

وبالرغم من بساطة العملية الأساسية لتقطير المياه باستخدام أشعة الشمس، إلا أن  التحدي الرئيسي يكمن في زيادة كفاءة العملية وتقليل استهلاك الطاقة، إذ تتراوح كفاءة المقطرة الشمسية في الوقت الحالي بين 30% و50%.

تقنية القرن الواحد والعشرين

يعمل البروفيسور بينغ وانغ، أستاذ مشارك في علوم وهندسة البيئة في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، وزملاؤه في مركز أبحاث تحلية وإعادة استخدام المياه في الجامعة (WDRC)، على تطوير تحديث عصري لتقنية تحلية المياه بالطاقة الشمسية. وطور وانغ وفريقه نظامًا مبتكرًا يبخر الماء بكفاءة أكبر من خلال الحرارة الناتجة عن الطاقة الشمسية باستخدام تقنية استخدام التسخين البيني (interfacial heating).

يتميز النظام الذي طوره وانغ بميزتين رئيسيتين، هما: الأولى، أنه يستخدم مادة ضوئية حرارية (photothermal) خاصة يمكنها جمع كمية كبيرة من أشعة الشمس، وتحويلها إلى حرارة، بمعدل كفاءة يقارب 100%. ويتم تثبيت هذه المادة الضوئية الحرارية في قاع وجدران حوض المياه. أما الميزة الثانية، فهي استخدام النظام للتسخين البيني (interfacial heating) من خلال أسطوانات ثلاثية الأبعاد، تحتجز الطاقة للحد من فقدانها نتيجة انعكاس أشعة الشمس أو هدر حرارة الإشعاع الحراري.

ويشرح وانغ قائلاً: "توفر المواد الضوئية الحرارية التي نستخدمها استقراراً ميكانيكياً وحرارياً ، ما يعني أنه يمكننا تجديدها مادياً وحرارياً في حال تعطلها أثناء التطبيقات العملية".

ويضيف وانغ إن تصميمه يعمل مع أي نوع من المياه سواءً المياه المالحة، أو مياه الصرف الصحي، أو المياه الجوفية، وأن الخطوة التالية له هي تحويل بخار الماء إلى مياه سائلة من خلال عملية التكثيف، التي وصفها بالعملية المعقدة ولكنها تستحق الاهتمام.

مستقبل تحلية المياه في المملكة

تعتبر المملكة العربية السعودية واحدة من أكبر الدول في تحلية المياه في العالم، إذ أن نصف إنتاجها المحلي من المياه العذبة بواسطة محطات التحلية. وفي أوائل القرن العشرين، تم إنشاء أولى وحدات تقطير المياه في مدينة جدة والتي كانت تعمل بالفحم. وفي عام 1926، أمرت الحكومة بناء محطتين لتحلية المياه لتلبية النقص في المياه خلال موسم الحج. وأدى نجاح هذه المحطات إلى بناء المزيد من هذه المنشآت في جميع أنحاء المملكة.

ويمثل البحث عن طرق أكثر كفاءة واستدامة لإنتاج المياه العذبة لمواجهة ندرة المياه، أولوية قصوى للمملكة. ففي عام 2017، أفادت منظمة ريفولف واتر (Revolve Water) في تقرير لها أن استهلاك المياه المحلية في المملكة العربية السعودية وصل إلى ما يقرب مرة ونصف ضعف المتوسط المعتمد من قبل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD). كما توقعت ورقة بحثية نشرت عام 2010 إلى زيادة الطلب المحلي على المياه العذبة بمعدل ثلاثة أضعاف بحلول عام 2040، في الظروف المعتدلة، وأربعة أضعاف في الظروف الشديدة مقارنة بعام 2010.

ويقترح البروفيسور بينغ وانغ وفريقه طريقة مختلفة جوهريًا لاستغلال الطاقة الشمسية في تحلية المياه. ويقول وانغ: "يتم في التحلية الشمسية التقليدية إستخدام الطاقة الشمسية المركزة لتسخين المياه، إلا أن الكفاءة الكلية لهذا النظام عادة ما تكون غير مُرضية. ولهذا نعتقد أنه يمكن للجمع بين استخدام المواد الحرارية وعملية تسخين المياه البينية، تحسين كفاءة العملية التقليدية لتحلية المياه بالطاقة الشمسية".

وكانت وزارة البيئة والمياه والزراعة في المملكة قد أعلنت في وقت سابق هذا العام، عن خطتها لإنشاء 9 محطات جديدة لتحلية المياه على طول البحر الأحمر خلال الأشهر الثمانية عشر القادمة. فالمملكة اليوم في موقع مناسب يؤهلها للاستفادة من تحلية المياه بالطاقة الشمسية نظراً لموقعها الجغرافي وإمتداد خطها الساحلي ووسع مساحتها، وكميات أشعة الشمس العالية التي تتعرض لها. لذا يعد تصميم البروفيسور وانغ لنظام توليد البخار بالطاقة الشمسية، تطورًا مبتكرًا وواعدًا وسيكون له أثراً كبيراً في عملية تحلية المياه المستقبلية في المملكة العربية السعودية.