Top

من مخلفات إلى موارد: مستقبل معالجة مياه الصرف الصحي

عقد مركز أبحاث تحلية وإعادة استخدام المياه في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية مؤتمراً بعنوان "تغيير نماذج معالجة مياه الصرف الصحي: من مخلفات إلى موارد"، وذلك من 27 إلى 29 مارس في الحرم الجامعي.

 
لماذا نعالج مياه الصرف الصحي؟ تشير هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية إلى أن "معالجة مياه الصرف الصحي تعتبر استخداماً للمياه، لأنها مترابطة كثيراً مع استخدامات أخرى لها". وينبغي أن تُعالج المياه التي يستخدمها الإنسان في الصناعة والمنازل والأعمال قبل تصريفها إلى البيئة مجدداً، لأن التهاون في هذا قد يؤدي إلى إلحاق أضرار بمواطن الحياة البرية والثروات السمكية وصحة البشر والحيوانات، ناهيك عن تعذر استخدام المياه في الاستحمام.

عقد مركز أبحاث تحلية وإعادة استخدام المياه في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية مؤتمراً بعنوان "تغيير نماذج معالجة مياه الصرف الصحي: من مخلفات إلى موارد"، وذلك من 27 إلى 29 مارس في الحرم الجامعي. وركزت فعاليات المؤتمر على أحدث المستجدات في مجال التقنيات الفعالة والمبتكرة المستخدمة في استرداد الموارد، كالمياه والغذاء والطاقة، من مياه الصرف الصحي على نحو آمن ومستدام.​



 
وشارك في المؤتمر أكثر من 30 متحدثاً من القطاعين الأكاديمي والصناعي من مختلف أنحاء العالم، وغطت المحاضرات والعروض التقديمية وحلقات النقاش عدة مجالات رئيسية تشمل: التقنيات الحيوية الفعالة الموّفرة للطاقة المستخدمة في استخراج الغذاء من مياه الصرف الصحي؛ والتقنيات الحيوية المبتكرة لاسترداد المياه والغذاء والطاقة من مياه الصرف الصحي؛ واستغلال قدرة الجراثيم على اصطناع منتجات ذات قيمة مضافة عالية، وذلك من ثاني أكسيد الكربون والمخلفات منخفضة القيمة؛ وتحديد مواصفات الجراثيم لاستغلال قدرتها على استخراج الغذاء والطاقة بصورة أفضل؛ وسلامة إعادة استخدام المياه، بما يشمل تحديد مواصفات المواد الملوثة الناشئة، ودور عمليات معالجة مياه الصرف الصحي في تخفيضها.

القيمة الموجودة في مياه الصرف الصحي

أشار المتحدث الرئيسي البروفيسور بروس ريتمان، مدير مركز سويت للتقنية الحيوية في معهد التصميم البيولوجي في جامعة ولاية أريزونا، إلى أن "معالجة مياه الصرف الصحي تركز على إزالة ملوثات المياه، رغم أنها بمعظمها موارد قيّمة إذا جرى استردادها بصيغة مفيدة. فقد بات من الممكن حالياً استخلاص الطاقة الموجودة في 'المياه المستخدمة' بما يشمل مياه الصرف الصحي المنزلية".

وتطرق ريتمان إلى التطورات التي طرأت على مفاعلات الرقاقة الحيوية ذات الأغشية اللاهوائية المستخدمة في إنتاج الميتان، والخلايا الكهروكيماوية الجرثومية المستخدمة في توليد الطاقة الكهربائية أو غاز الهيدروجين، ممّا يفسح المجال أمام معالجة مياه منتجة للطاقة.
وأضاف: "بعد استرداد الطاقة من المياه، يجري إطلاق معظم النتروجين والفوسفور بصيغ غير عضوية يمكن استردادها وتدويرها في الزراعة".

نموذج متغيّر

قال جورج كيلر، المتحدث الرئيسي في المؤتمر، ومدير مركز الإدارة المتطورة للمياه في جامعة كوينزلاند: "تتجه تقنيات معالجة مياه الصرف الصحي نحو نموذج جديد بسبب الزيادة المطردة في تكاليف الطاقة والتحديات البيئية المستمرة، إلى جانب اتجاهات ناشئة نحو تحول كبير".

وعرض كيلر تجربة إدارة المياه في مدن أستراليا، وبعض التحولات الرئيسية المنتظرة المؤثرة، التي تعكس اتجاهات عالمية في معالجة مياه الصرف الصحي.

وأضاف: "يجب أن تكون المدن والبلدات أكثر استدامة ومرونة وإنتاجية وصلاحية للسكن في المستقبل. وعلى الرغم من اختلاف الرؤى والاحتياجات باختلاف المدينة، إلا أن كافة المدن تحتاج إلى إمداد بالمياه الآمنة. وينبغي أن نبني 'مدناً حساسة للمياه' من خلال استخدام أدوات تتيح للمدن الانتقال من وضعها الحالي إلى الوضع المنشود في المستقبل. وينبغي تشجيع سكانها على الاستثمار في هذه الاتجاهات، لأنه لا يقل أهمية عن الاستثمار في مجال التقنية".

وردد آمي برودن، المتحدث في المؤتمر والأستاذ الجامعي من "فيرجينيا تيك"، صدى كلام كيلر قائلاً: "قد تكون معالجة المياه باهظة التكاليف، لذلك ينبغي في الحالة المثالية أن نسعى إلى تطويرها على نحو يسهم في تخفيض تكاليفها، وأن نحافظ على الانسجام مع الماء وجهود الاستدامة الباقية، عند تصميم أنظمة معالجة مياه الصرف الصحي".

مستقبل الطحالب الدقيقة

ناقشت آنا أوتيرو، الأستاذ المشارك في جامعة سانتياغو دي كومبوستيلا، التقنية الحيوية القائمة على الطحالب الدقيقة المستخدمة في معالجة مياه الصرف الصحي، وذلك في سياق عرضها التقديمي في المؤتمر. لقد شهدت هذه التقنية تطوراً كبيراً في العقد المنصرم بسبب الاهتمام المتزايد بالطحالب الدقيقة.

وقالت: "لقد أعيد تصور مجال الطحالب الدقيقة كلياً منذ 2006. ويجري دمجها حالياً في عملية معالجة مياه الصرف الصحي كجزء من مفهوم التصفية الحيوية باستخدام الطحالب الدقيقة.

وأضافت: "تبرهن النتائج الأولية للدراسات على أن كفاءة وحدات تصفية المواد الغذائية باستخدام الطحالب الدقيقة والإمكانيات المتعددة التي تمتاز بها هذه الوحدات، تقدم حلولاً مخصصة لقطاعات صناعية محددة، رغم أن هذا لا ينفي أهمية إجراء المزيد من الدراسات بغية وضع تقييم كامل لجدوى هذا التطبيق".

وفي سياق كلمته، أعطى جيريمي غيست، وهو أستاذ مساعد من جامعة إيلينوي في أوربانا شامبين، لمحة موجزة عن استخدام العملية الحيوية القائمة على الطحالب الدقيقة لاسترداد المواد الغذائية من مياه الصرف الصحي.

وقال: "من شأن أنظمة المعالجة بالطحالب الدقيقة أن تنهض باسترداد المواد الغذائية من مياه الصرف الصحي، ولكن نجاح ذلك مرهون بتكثيف عمليات وحدة الطحالب، وبالتوصل إلى فهم ميكانيكي لتأثير قرارات التصميم والقرارات التشغيلية على أداء نظام المعالجة وموثوقيته. ينبغي أن نتبنى تقنيات الطحالب الدقيقة هذه، وكلنا أمل بأنها ستقلع قريباً".

تفادي أزمة صحة عامة جديدة

ناقش عدد من متحدثي المؤتمر جانب الصحة العامة في معالجة مياه الصرف الصحي، ومستجدات هذا الميدان وما ظهر فيه من ابتكارات.

قالت سيليا مانايا، وهي أستاذ مساعد في الجامعة الكاثوليكية البرتغالية: "ينبغي ألا نفكر بمجرّد تعقيم المياه، بل بإدارة بيئتها الجرثومية أيضاً. فهذه المنهجية مفيدة لتشجيع الجراثيم الجيدة والتصدي لأزمة الصحة العامة القادمة".

وتحدثت عن مقاومة المضادات الحيوية في مياه الصرف الصحي المُعالجة وكيفية التخفيف من مخاطر ذلك، مشيرة إلى أن "مقاومة المضادات الحيوية تعتبر تهديداً كبيراً لصحة البشر والحيوانات في العالم بأسره، فضلاً عن أن المخزونات البيئية والممارسات البشرية تُعدّ من المعززات المحتملة لانتشار البكتريا والجينات المقاومة للمضادات الحيوية. ولا بدّ من إجراء المزيد من الأبحاث وتنفيذ السياسات وإيجاد حلول تقنية إذا ما أردنا تخفيض المخاطر التي تقترن البكتيريا والجينات المقاومة للمضادات الحيوية في تصريف مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها".
 
وتابعت كلامها قائلاً: "تعتبر المياه من أهم المواطن المناسبة لدراسة مقاومة المضادات الحيوية. فمنشآت معالجة مياه الصرف الصحي تصرّف كل دقيقة عدداً ضخماً من الجينات المقاومة للمضادات الحيوية، ولكننا لا نعرف مصير هذه الجينات على الرغم من إمكانية تحويل بعضها إلى بكتيريا أخرى.
"ينبغي أن نجد سبيلاً لقياس ديناميات مقاومة المضادات الحيوية بحيث يمكننا إدراك كل ما يترتب على هذا من عواقب بيئية. ويبقى تطهير المياه من أهم استراتيجيات تخفيض انتشار المقاومة الحيوية في الوقت الحالي".

مسابقة أفضل ملصق

فاز في مسابقة أفضل ملصق في المؤتمر ثلاثة طلاب دكتوراه من جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية: هونغ شينغ (الجائزة الأولى)؛ وديفيد مانتيلا كالديرون (الجائزة الثانية)؛ داريو رانغل شاو (الجائزة الثالثة).

وفي سياق كلمته الختامية، أشار باسكال صيقلي، منظم المؤتمر والأستاذ المشارك في العلوم والهندسة البيئية في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية إلى أن "المؤتمر أظهر لنا، بما تخلله من كلمات وعروض تقديمية، مختلف أوجه عمليات وتطبيقات معالجة مياه الصرف الصحي. فالتقنية الجرثومية تفتح آفاقاً واسعة، وينبغي أن نواصل التفكير بتقنيات خاصة بكل حالة للجيل القادم من معالجة مياه الصرف الصحي".