Top

من الترانزيستور إلى الميمريستور

تخطيطي ثلاثي الأبعاد لميمريستور مصنوع من نيتريد البورون السداسي متعدد الطبقات. المصدر: ماريو لانزا / كاوست

أحدث اختراع الترانزيستور (مقاوم النقل) في عام 1947 ثورة تقنية كبيرة في تصنيع الأجهزة الإلكترونية التي أصبحت بعده أصغر حجماً وأقل استهلاكا للطاقة مقارنة مع نظيراتها التي تعمل بتقنية الأنابيب المفرغة الضخمة والهشة. وتكمن أهمية الترانزستورات في عملها كمفتاح ثنائي لتسهيل التيار الكهربائي من حالة إيقاف العمل إلى حالة التشغيل. وكانت أجهزة الراديو والآلات الحاسبة والهواتف من بين الموجة الأولى من الأجهزة التي استبدلت تقنية الأنابيب المفرغة بتقنية أشباه الموصلات الجديدة. ومع التوجه القوي نحو تصغير التقنية، شهدت العقود اللاحقة دمجاً كاملاً لترانزستورات السيليكون في معظم الأجهزة الإلكترونية التي تعتمد على المعالجة العالية والذاكرة السريعة خصوصاً أجهزة الحاسب الآلي والهواتف المحمولة، والساعات، وأجهزة تنظيم ضربات القلب، وغيرها.

ولكن ظهرت في الآونة الأخيرة تقنية جديدة تسمى الميمريستور (مقاوم الذاكرة)، وصفها الدكتور ماريو لانزا، الأستاذ المشارك بقسم هندسة وعلوم المواد في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، بأنها مثل الترانزستور، بل وتتجاوزه في السرعة والكفاءة التشغيلية، وأنها قريباً ستصبح معيار تقني جديد في مجال أشباه الموصلات.

صورة لماريو لانزا، الأستاذ المساعد لعلوم وهندسة المواد في كاوست. المصدر: ماريو لانزا / كاوست

يشار إلى أن لانزا هو المؤلف الرئيسي لورقة بحثية نُشرت أخيراً في مجلة ساينس العلمية الشهيرة كجزء من تغطيتها للذكرى 75 لاكتشاف الترانزستور، وتعتبر الورقة الأولى التي تقدم ملخصًا شاملاً للبيانات التي تدعم مستوى جاهزية تقنية الميمريستور عبر المواد والتطبيقات.

وتناولت الورقة تقنيات تخزين البيانات والحوسبة والتشفير واتصالات التردد اللاسلكي. كما شارك في تأليف الورقة فريق متعدد التخصصات، ثلاثة منهم علماء من الصناعة، وستة - مع لانزا- من الأوساط الأكاديمية. وكان من بين المؤلفين الثلاثة من الصناعة، باحث من شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات (TSMC) – وهي شركة شهيرة

متعددة الجنسيات ومسؤولة عن إنتاج معظم الرقائق الإلكترونية في العالم، وباحثان من شركة أي بي إم (IBM) الرائدة في توفير تقنية المعلومات المتقدمة، ولديها عمليات في أكثر من 170 دولة.

تخطي حدود التقنية

وصلت تقنية الرقائق حالياً إلى الحد الأساسي لميكانيكا الكم من حيث الحجم، حيث لا يمكن أن تصبح ترانزستورات الرقائق أصغر من المسافة بين الذرات. ونظرًا لأن تقليص الحجم ليس خيارًا متاحاً، فإن تقنية الميمريستور تتوسع حالياً، حيث تدمج التقنية الرأسية ثلاثية الأبعاد التي تتضمن مصفوفة بحجم النانو من الأسلاك المعدنية مع مفتاح عازل عند كل تقاطع في الدائرة الكهربائية. ويؤدي تطبيق نبضات الجهد إلى كسر العزل الكهربائية، وإنشاء مسار لتدفق التيار. وعند إزالة الجهد الكهربائي، تظل البنية المعدلة للمادة بصورة ذاكرة يمكن عكسها مرة أخرى لاستعادة الحالة الأولية.

وبهذه الطريقة، تعمل تقنية الميمريستور كمفتاح قطبية كهربائية يمكنه التبديل بين الحالات الموصلة وغير الموصلة للتيار. وبحسب الدكتور لانزا يمكن استخدامها للعديد من الوظائف المختلفة ضمن عملية تسلسل متكاملة، يقول:" تعمل الميمريستور مثل السكين السويسرية متعددة الوظائف. حيث يمكن استخدامها في مهمات كثيرة وإجراء عمليات حسابية متقدمة وبسرعات عالية، مما يستهلك طاقة أقل بكثير في مساحة أقل وعبر المزيد من التطبيقات، ولو أردنا القيام بنفس العلميات الحسابية باستخدام الترانزستورات لتطلب الأمر عدداً كبيراً منها".

وتطرق لانزا في ورقته البحثية لخطوات تصنيع الميمريستور، واستعرض إحصائيًا المعايير الفنية لكيفية عملها ضمن مجموعة من التطبيقات المختلفة. والتي يمكن أن ينتج عنها نتائج مهمة وواعدة في المستقبل.

يمكن تصنيع أجهزة (Memristive)، التي عبارة عن مفاتيح مقاومة كهربائية يمكنها تعديل المقاومة الكهربائية إلى مستويين أو أكثر من المستويات غير المتطايرة، باستخدام مواد مختلفة (الصف العلوي). وهذا يسمح بتعديل أدائها لتلبية متطلبات التقنيات المختلفة. أما ذاكرة (Memristive) فهي حقيقة واقعة، ويتم بواسطتها إحراز تقدم مهم في مجالات الحوسبة المتقدمة وأنظمة الأمان والاتصالات المتنقلة (الصف السفلي).

الأنواع الأربعة من المواد غير القائمة على السيليكون والتي تستخدم في صنع الميمريستور هي أكاسيد المعادن، مثل ثاني أكسيد الهافنيوم، والكالكوجينات، والعناصر المغناطيسية مثل الكوبالت أو الحديد، والمواد ذات الاستقطاب الكهربائي التلقائي، مثل تيتانات الباريوم. وتُستخدم الميمريستور بصورة أساسية في تطبيقات التخزين والحوسبة والاتصال والتشفير، ويمكن تعديل أدائها بحسب المواد المستخدمة ومقاومتها الكهربائية لتلبية متطلبات التقنيات المختلفة بناءً على المواد المستخدمة والمقاومة الكهربائية المطبقة.

معالجة الثغرات

يسمح الدمج ثلاثي الأبعاد للميمريستور بتعبئتها بأعداد كبيرة داخل الأجهزة دون زيادة في الحجم، مما يثبت أن الحجم ليس معياراً أساسياً للتميز التشغيلي. ويفيد لانزا أن معظم التقنيات الحالية تستخدم الترانزستورات، ولكن يمكن العثور على الميمريستور في بعض المنتجات، مثل مراكز البيانات والساعات. وعلى الرغم من تقديمها في فترة السبعينيات، إلا أن تقنية الميمريستور لا تزال غريبة ولم تحقق قوة الجذب المرجوة حتى العقد الماضي.

ويشرح لانزا أن هناك العديد من التطبيقات الواعدة للميمريستور التي لم يتم استكشافها بعد، وأن الصناعة تتعقب عن كثب هذه التقنية لتقييم الاستخدامات التجارية المستقبلية لها بعيداً عن ترانزستور السيليكون خصوصاً في تشفير البيانات، وهو مجال يفتقر للبيانات الخاصة بمعايير الصناعة.

أعضاء فريق لانزا، يونيو 2022. من اليسار إلى اليمين: أسامة الحربي، ماريو لانزا، يو يوان، ماركو أنطونيو فيلينا، وسيباستيان بازوس. المصدر: ماريو لانزا / كاوست

كما يؤكد لأانزا أن ورقته تعالج هذه الثغرات، وتؤسس خطًا أساسيًا لمعايير المواصفات الفنية التي يمكن للصناعات وغيرها الرجوع إليها وتحسينها. ويأمل أن تكون نتائج أبحاثه حافزاً لشركات التقنية العالية للاستثمار في التقنيات الجديدة القائمة على الميمريستور، مدعومة بتوقعات نمو السوق إلى 5,6 مليار دولار بحلول عام 2026، وتحقيق مكاسب بنسبة 2 ٪ في سوق الذاكرة الالكترونية الذي يبلغ حوالي 280 مليار دولار.

يقول الدكتور مينغ فان تشانغ ، مدير أبحاث شركة (TSMC) والأستاذ المتميز في جامعة تسينغ هوا الوطنية :"هذه هي المقالة الأولى التي تقدم نظرة عامة وواسعة حول هيكل وتطبيقات الميمريستور - التقنية الإلكترونية التي يتوقع أن تحدث ثورة في صناعة الإلكترونيات الدقيقة ".