Top

الحوسبة عالية الأداء ضرورية في كافة المجالات، ولا تقتصر أهميتها على العلوم الفيزيائية وحدها

 
كانت الحوسبة الفائقة، في العقود القليلة الماضية، تدمج الحساب في العلوم والهندسة، لتصبح أداة فاعلة يستغلها العلماء للنهوض بالأبحاث بسرعة أكبر، وللإجابة عن الأسئلة الصعبة التي تتعذر دراستها بعمق ودقة من خلال الدراسات النظرية والتجريبية لوحدها.

تمر الحوسبة عالية الأداء حالياً بفترة من النمو الهائل في كافة المجالات الأكاديمية، وذلك في ظل التقدم التقني.

قال دان ستانزيون، المدير التنفيذي لمركز تكساس للحوسبة المتقدمة في جامعة تكساس في أوستن: "كانت مراكز الحوسبة عالية الأداء في العقد الماضي تركز كثيراً على العلوم الفيزيائية، أي الرياضيات والهندسة، أي العلوم القائمة على المعادلات. أما في الوقت الحالي، فقد باتت كافة المجالات تبحث عن الحوسبة عالية الأداء".

وكان ستانزيون أحد قادة الفكر الذين وجهت لهم الدعوة لحضور الملتقى العالمي لتقنية المعلومات، الذي عُقد في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في فبراير. ولدى سؤاله عن مستقبل الحوسبة عالية الأداء، قال إن مشكلة الحوسبة التقليدية عالية الأداء تكمن في أنها كانت قائمة على العلوم التي تنطوي على تصميم فيزيائي كتصميم الطائرات وتصميم مواد أفضل ونمذجة مخزونات البترول. ولكن علوم الحياة باتت محركات النمو الحقيقية في الوقت الحالي.

وأضاف: "كانت علوم الحياة قبل 20 عاماً تعتمد كثيراً على المخابر الرطبة والبحث العلمي التجريبي. ولكن ظهور علوم التصوير والجينومات ودراسة البروتيوم جعل علوم الحياة تنتج مقداراً هائلاً من البيانات الرقمية. لقد أحدثت تقنية الحوسبة تغييراً جذرياً في كافة المجالات ابتداءً بعلم الأحياء الأساسي، مروراً بهندسة محاصيل جديدة، وصولاً إلى طريقة تقديم الرعاية الصحية".

ولا تتوقف الحاجة المتزايدة للحوسبة عالية الأداء عند هذا. ورغم أن علوم الحياة كانت محرك النمو في المنطقة في العقد الماضي، إلا أن العلوم الإنسانية والاجتماعية راحت تتجه حالياً نحو الحوسبة الفائقة والبيانات الضخمة.

وأشار إلى أننا: "نشهد اندماجاً فرعياً لكافة مجالات البحث الأكاديمي تقريباً. لقد باتت العلوم الاجتماعية موجهة بالبيانات أكثر فأكثر، وتأخذ كميات ضخمة من البيانات من الإنترنت عن سلوك الناس واستجابتهم. فحتى العلوم الإنسانية والفنون صارت رقمية أكثر فأكثر".

ومن أسباب هذا التوسع أن الحوسبة عالية الأداء قد نهضت بإمكانيات التمثيل المرئي الرقمي للماضي. وشرح ستانزيون أن تحويل البيانات العلمية إلى تمثيل ثلاثي الأبعاد يتخطى العلم. وتعتبر عمليات إعادة البناء ثلاثية الأبعاد وعمليات إحياء الأعمال الفنية والمعمارية العظيمة قبل أن تضيع القطع أو تتلف بمرور الوقت من المجالات التي يعمل فيها باحثو العلوم الإنسانية مع علماء الحوسبة عالية الأداء.
وتابع ستانزيون كلامه قائلاً: "هذا كله محفوظ رقمياً، وتمثل المرافق نفسها التي نستخدمها في الحوسبة العلمية الطريقة الأفضل لإظهاره".
 

تنوع أكبر وتحديات أكثر

مع تطور الأنظمة، لم يعد الأمر مجرد حوسبة سريعة المعالجة فحسب. فقد باتت السحابة والبيانات الضخمة تلعب دوراً أيضاً، مما أدى إلى ظهور تحديات جديدة. التحدي الأول هو التنوع. فالحوسبة عالية الأداء والبيانات الضخمة والسحابة تتطلب منصات متخصصة تتطلب بدورها مهارات خاصة. وقال ستازيون، ليس السؤال أين تضع معداتك الحاسوبية، بل مدى توفر الخبرات المحلية اللازمة للاستفادة من إمكانيات هذه المنصات، والسؤال الأكبر هو كيفية تأمين نفقات ذلك.

وهناك تحدي التوافقية أيضاً. وفي حين أن الكثير من الحوسبة العلمية مناسبة للسحابة، إلا أن الأخيرة غير مناسبة لعدد من العمليات التي تجرى على الأنظمة عالية الأداء. ويبرز أيضاً سؤال عن إمكانية النفاذ. فالمؤسسات ومعاهد الأبحاث تدرس ماهية السحابة الخاصة والسحابة الهجينة وما الذي ينبغي أخذه إلى السحابة العامة. وأخيراً، هناك التحدي الاقتصادي.

وقال شارحاً: "تمثل السحابة نموذج استهلاك، وأكثر الجامعات تعمل على نموذج رأسمالي. وربما يكون لديك ميزانية تبلغ مليون دولار، وهكذا يمكنك التخطيط للحصول على الحوسبة التي تناسب ميزانية مليون دولار. ولكن عندما تصبح متاحة لهيئة التدريس، وتبدأ الفواتير تصلك شهرياً، فربما تعجز عن تأمين الميزانية اللازمة لتغطية ذلك، إذ أن التنبؤ بالمقدار الذي سيستخدمونه صعب جداً".
 
دان ستانزيون، المدير التنفيذي لمركز تكساس للحوسبة المتطورة في جامعة تكساس في أوستن، يقدم رؤيته عن مستقبل الحوسبة عالية الأداء والتحديات التي تواجه المؤسسات مع نمو الطلب على الحوسبة عالية الأداء وتحليل بيانات السحابة والبيانات الضخمة. المضيفة: ميشيل بونتو


التحلي بالمرونة والاستعداد للتكيف

كانت هذه التحديات من بين القضايا التي ناقشها 100 من المديرين التنفيذيين والفنيين وقادة الفكر في مجال تقنية المعلومات الذين شاركوا في الملتقى العالمي لتقنية المعلومات ولجانه الحوارية العديدة. وأشار ستازيون إلى أن المرونة هي مفتاح السنوات الخمس القادمة في ظل التغير المستمر للتقنية وتطور الاحتياجات، وأنها من المزايا التي تتمتع بها جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية.

وقال: "جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية مكان رائع، لأنها تسعى لتبوء مكانتها بين أفضل الجامعات في العالم دون أن تنشغل بالمتطلبات التقليدية التي تقترن عادة مع الهيكل التنظيمي للجامعات. وتزخر الجامعة بفرص لإنجاز المهام بطرق جديدة وريادة الطريق فعلياً في أسلوب التعامل مع تقنية المعلومات".

وأضاف ستانزيون أن "التخطيط الجيد للموارد واستقطاب التوليفة المناسبة من المهارات القادرة على استشراف المستقبل" يمثل جزءاً آخر من نجاح الجامعة على صعيد تقنية المعلومات.
لقد أثار الهيكل التنظيمي لجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية إعجابه أيضاً. وقال شارحاً: "قضيت مسيرتي المهنية كلها وأنا أعمل في بيئة متعددة ومتكاملة الاختصاصات، ولكن جعل الباحثين يتبنون ذلك يمثل تحدياً كبيراً. وتنطوي التحديات الكبيرة التي تواجه المجتمع على المزج بين الحوسبة وعدد من الاختصاصات الأكاديمية. [وخلافاً لباقي الجامعات]، لا يوجد في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية جدران تفصل بين الاختصاصات".

في حين وافق ستانزيون على أن قياس النتائج سيكون صعباً خلال ثلاثة أو حتى ستة أشهر، ولكنه أشار إلى أن جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية تشبه "مختبرات بل" في ستينات القرن العشرين، "لأنها مكان يمكن أن يقصده الأذكياء ليمزجوا بين هذه التقنيات ويبدعوا. ويعتبر عدم وجود (جدران) تحيط بتقنية المعلومات في الجامعة أحد سبل القيام بذلك".