Top

دراسة تركيبة المياه الجوفية كأحد المقدمات المحتملة السابقة للزلازل

مجموعة من الباحثين الأيسلنديينن والسويديين وبينهم "د. سيجورجون جونسون" عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية ينشرون نتائج بحثهم عن تركيبة المياه الجوفية كأحد المقدمات المحتملة السابقة للزلازل.

يواجه العالم ما يزيد عن ثلاثة عشر ألف هزة أرضية "زلزال" سنويا تصل قوتها إلى 4.0 درجة أو ما يزيد على مقياس ريختر. ولكن ماذا لو كانت هناك طريقة موثوق بها التنبؤ بهذه الزلازل التي غالبا ما تكون مدمرة، فقد نتمكن من الحد من الخسائر في الأرواح والأضرار التي تلحق بالبنية التحتية الحضرية الأساسية؟

يقول " د. سيجورجون جونسون الاستاذ المشارك بقسم علوم وهندسة الأرض بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية والباحث الرئيسي بفريق تشوهات الأرض" : أن التنبؤ بالزلازل هو "الغاية الأسمى" للجيوفيزياء. ولكن بعد التفاؤل الأولي للعلماء في عام 1970م عن حقيقة التنبؤ بالزلازل، والذي صاحب التوقع الناجح لحدوث زلزال كبير بالصين عام 1975م قبل حودثه بساعات، إلا أن فشل العديد من التوقعات فيما بعد أدى إلى تغير الاتجاه نحو التشكك في القدرة على التنبؤ اعتباراً من عام 1990م فصاعدا.

وفي دراسة نشرت مؤخراً في مجلة Nature Geoscience من قبل مجموعة من الباحثين السويديين والأيسلنديين وبينهم د. سيجورجون جونسون، تم ملاحظة ارتباط مثير للاهتمام بين اثنين من الزلازل التي حدثت في أيسلندا في عامي 2012م و 2013م و التي فاقت قوتها 5 درجات بمقياس ريختر وبين التغيرات الكيميائية في تركيبة المياه الجوفية بالمنطقة والتي تم ملاحظتها قبل وقوع هذه الأحداث التكتونية "الزلازل". وتضمنت هذه التغيرات الاختلافات في تركيزات العناصر الذائبة وتقلبات في نسبة النظائر المستقرة للأكسجين والهيدروجين.

هل يمكننا حقا التنبؤ بالزلازل

يعد القاسم المشترك الأساسي العام الموجه للعلماء والمراقبين الذين يعملون على دراسة التنبؤ بالزلازل هو اكتشاف التغييرات الملحوظة التي تسبق الهزات الارضية مثل التغير في مستوى المياه الجوفية، وانبعاث غاز الرادون من باطن الأرض، وحدوث بعض الاهتزازت الضعيفة التي يطلق عليه " سوابق الهزات الأرضية"، بالإضافة إلى السلوك الغريب لبعض الحيوانات قبل حدوث الزلازل الكبيرة.

وتوجد ثلاث مدارس فكرية أساسية سائدة بين العلماء تتناول ظاهرة التنبؤ بالزلازل. فهناك مجموعة أولى من العلماء الذين يعتقدون أن التنبؤ بالزلازل أمراً ممكنا، ولكن ببساطة لا يمكنهم تحديد كيفية التنبؤ بقدر موثوق به. ويعتقدون أيضا أنه قد نستطيع في مرحلة ما في المستقبل، أن نكون قادرين على التنبؤ بالزلازل على المدى القصير.

ثم هناك فئة أخرى من العلماء الذين يعتقدون أننا لن نتمكن ابداً من التنبؤ بالزلازل. وتتلخص فلسفتهم في أن البداية الحقيقية للزلازل ببساطة تحدث عشوائيا، وأن أفضل ما يمكن القيام به هو اعادة تحديث منازلنا وتوقع احتمالات حدوث الزلازل- ولكن لا تحذيرات على المدى القصير.

والمجموعة الأخيرة، والتي تمثل حاليا عدد قليل من العلماء الذين لا يؤخذون غالبا بشكل جدي، ويعتقدون أنه يمكن فعليا التنبؤ بالزلازل وانه يوجد الأدوات اللازمة لتحقيق ذلك.

وأعقبت موجة التفاؤل التي حدثت في السبعينات والثمانينات تضاؤل ثقة واهتمام العلماء بالتنبؤ بالزلازل بشكل عام، فبالإضافة إلى الاهتمام بجمع الموارد -يتجه العلماء الآن إلى التركيز بشكل أساسي على فهم العوامل الفيزيائية المسببة للزلازل. ويلخص د. جونسون ذلك قائلا:

"من خلال علم طبقات الأرض "الجيولوجيا" ومن أحداث الزلازل التي نشهدها حاليا يمكننا تحديد المناطق التي تشهد الزلازل الكبيرة والمناطق التي تعتبر آمنة نسبيا على مستوى العالم. وعلى الرغم من عدم قدرتنا على التنبؤ على المدى القصير، ولكن يمكننا أن نقدم ما يمكن أن نطلق عليه "توقعات". كما يمكننا أيضا تقديم احتمالات. لكن التوقعات على المدى القصير ليست قابلة للتحقيق وقد لا تصبح قابلة للتحقيق مطلقا. "سوف نرى""

المؤشرات المستوحاة من تصدع قشرة الأرض

تعد أيسلندا موقعاً مثالياً لإجراء الدراسة المشتركة التي قام بها العلماء من جامعة أكوريري، جامعة أيسلندا، لاندسفيركجين (شركة أيسلندا الوطنية للطاقة)، جامعة ستوكهولم، جامعة غوتنبرغ ومعهد كارولينسكا في ستوكهولم، وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية.

ويقول د. جونسون " إن أيسلندا موقع جيد للاختبار لأنها من الناحية الجيولوجية، منطقة نشطة جداً. فإنها تشهد انفجارات البراكين كما تشهد حدوث زلازل كبيرة بمعدلات أكثر نسبيا مقارنة بأماكن كثيرة أخرى. كما أن هذه المناطق النشطة يمكن الوصول اليها بسهولة نسبيا."

قام فريق من الباحثين برصد التركيب الكيميائي، درجة الحرارة، والضغط في عدد قليل من آبار المياه في شمال أيسلندا لمدة خمس سنوات بشكل شبه مستمر. ويضيف د. جونسون "لقد كانوا يقومون بذلك لتكوين فهم عن تنوع هذه المركبات الكيميائية للآبار، ومن ثم فقد يمكن ربط التغيرات الهامة بالأحداث التكتونية أو الأحداث الكبرى.

وقد تمكن فريق البحث خلال فترة جمع البيانات التي بدأت في عام 2008م وامتدت لمدة خمس سنوات من رصد التغيرات الملحوظة في طبقة المياه الجوفية قبل أربعة إلى ستة أشهر من الزلزالين الذين تم تسجيلهم، والذي وقع أحدهما في أكتوبر 2012م بقوة 5.6 درجة بمقياس ريختر، والزلزال الاخر الذي وقع في ابريل 2013م بقوة 5.5 درجة بمقياس ريختر. وكانت الملاحظة الرئيسية هي ارتفاع نسبة المياه الحديثة التي ترسبت في المياه الجوفية – إلى نسبة المياه المترسبة من الأمطار على مدار الاف الأعوام السابقة (عادة ما تكون المياه الجوفية مزيجا من الاثنين). وفي الوقت نفسه، كانت التغيرات واضحة في المواد الكيميائية المذابة مثل الصوديوم والكالسيوم والسيليكون خلال الفترة التي سبقت حدوث الزلازل. ومن المثير للاهتمام، هو عودة النسبة إلى ما كانت عليه سابقا بعد مرور ما يقرب من حوالي ثلاثة أشهر بعد حدوث الزلازل.

وبينما يحذر العلماء من أن هذا ليس تأكيدا على امكانية التنبؤ بالزلزال الآن، ولكن تبقي الملاحظات واعدة وجديرة بالمضي في المزيد من التجارب التي تنطوي على رصد أكثر شمولا في مواقع إضافية أخرى. ولكن، من الناحية الاحصائية، سيكون من الصعب فصل هذه التغيرات الكيميائية في تكوين المياه الجوفية عن حدوث الزلزالين.

تعود أهمية التغير في نسبة المياه المترسبة حديثا لنسبة المياة القديمة في طبقة المياه الجوفية لأنه يشير إلى تطور كسور قشرة الأرض الدقيقة الناتجة عن تراكم الضغط على الصخور قبل وقوع الزلزال. وبالتالي فإن مياه الأمطار الحديثة تتسرب من خلال الشقوق أو الكسور الدقيقة التي تكونت حديثا في التربة الصخرية. ويوضح د. سيجورجون جونسون ذلك قائلا:

" إن الأمر يشبه التقاط قطعة خشبية والبدء في ثنيها، فانها في مرحلة ما تقوم بالتصدع قليلا قبل ان تنكسر، ثم تنكسر بشكل كامل. وقد تتعرض الأرض لحدوث أمر مماثل، فهذا يعني أن حدوث الزلزال يسبقه الكثير من الكسور الدقيقة بالقشرة الأرضية تمنح المياه وقتا كافيا للتنقل بين الصخور."

و سيقوم الفريق بتقديم نتائج أبحاثهم في اجتماع الاتحاد الجيوفيزيائي الأمريكي (AGU) الذي سيعقد في ديسمبر 2014م بسان فرانسيسكو. وقال د. جونسون " سيكون من المثير للاهتمام أن نرى رد الفعل هناك".


روابط ذات صلة