Top

قيادة مستقبل الابتكار في أشباه الموصلات في المملكة

ناصر الفرج، الحاصل على درجة الدكتوراه من جامعة كاوست وزمالة ابن رشد لما بعد الدكتوراه، يواصل اليوم أبحاثه في جامعة تورنتو بكندا، حيث يسهم في تطوير تقنيات أشباه الموصلات الموفّرة للطاقة لتطبيقات عالمية.

يعد الدكتور ناصر الفرج، الباحث الشغوف في مجال أشباه الموصلات وخريج الدكتوراه من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، أحد الفائزين المتميزين بزمالة ابن رشد لما بعد الدكتوراه، حيث يسعى جاهداً لإحداث ثورة في مجال الإلكترونيات الضوئية وأجهزة أشباه الموصلات الكهربائية. ويعمل الفرج في قسم الهندسة الكهربائية وهندسة الحاسبات في جامعة تورنتو. 

بدأت مسيرته البحثية الجامعية في جامعة ويسترن ميشيغان الأمريكية، حيث تعرّف هناك على أسس التطبيقات العملية. لكن شغفه الحقيقي بأجهزة الوصلات غير المتجانسة في مجال تصنيع أشباه الموصلات ترسخ خلال دراسته في كاوست. وتحت إشراف البروفيسور بون أوي من قسم الهندسة الكهربائية والحاسوبية، تناولت أطروحته للدكتوراه الإلكترونيات الضوئية فوق البنفسجية العميقة، مع التركيز على أشباه الموصلات ذات الفجوات العريضة، مستعرضًا الإمكانات التحويلية لتقنيات الإلكترونيات الضوئية وإلكترونيات الطاقة.  

يقول الفرج "تلك البداية المبكرة في مجال الوصلات غير المتجانسة في كاوست شكلت مسار بحثي بشكل عميق، ولا تزال تدفعني إلى استكشاف إمكاناتها الكاملة في مجموعة واسعة من تطبيقات أشباه الموصلات، من إلكترونيات الطاقة عالية الكفاءة إلى أنظمة الإلكترونيات الضوئية المتقدمة".   

دفع حرصه على استكشاف الهندسة الكهربائية إلى التحاقه بكاوست، التي جذبت هذا الباحث الشاب بالتزامها بالبحوث متعددة التخصصات، ومرافقها المتطورة، وتركيزها على الاستدامة والطاقة — وهي صفات تتوافق تمامًا مع أهدافه الأكاديمية والمهنية. 

وأضاف "كان وعد كاوست ببيئة بحثية دولية نابضة بالحياة ورؤيتها الطموحة في المساهمة في التقدم العلمي والتقني داخل المملكة، وعلى مستوى العالم سببًا رئيسيًا في قراري مواصلة دراساتي العليا هناك"، مشيرًا إلى أن كاوست شكّلت منهجية تفكيره البحثي، مع تركيزها على البحث المؤثر والموجه نحو الحلول، بما يتماشى مع رؤية السعودية 2030. 

وقد أسهمت البيئة البحثية متعددة التخصصات في كاوست في صقل عقليته الابتكارية، من خلال مزج هندسة أشباه الموصلات والفيزياء التطبيقية وعلوم المواد. كما أن وصوله إلى مرافق عالمية المستوى وتوجيهه من قبل نخبة فريدة من الأساتذة، أعدّه لأدوار متقدمة في مجالات الإلكترونيات الضوئية وإلكترونيات الطاقة.  

وقال "كانت تجربتي في كاوست تحولية بحق، فقد زودتني ليس فقط بتدريب بحثي استثنائي، بل أيضًا بمنظور عالمي وشبكة دائمة من الزملاء والمرشدين".  

وفرت له كاوست خبرة متقدمة في تصنيع النانو، وفرصًا لتطوير التفكير النقدي والعمل الجماعي متعدد التخصصات وإدارة المشاريع، ما جعله متميزًا في أبحاث أشباه الموصلات ومشاريعها في كندا. وأكد "تمتلك كاوست موارد استثنائية، وتوجيه أكاديمي متفوق، وبيئة بحثية نشطة شكّلت منصة انطلاق لمسيرتي العلمية".   

في مختبر أشباه الموصلات بجامعة تورنتو، يفحص ناصر الفرج المواد ذات الفجوة العريضة باستخدام مجهر عالي الدقة.

البحث والابتكار 

قاد بحث الدكتور الفرج في المواد الخاصة لأشباه الموصلات إلى اختراقات كبيرة في مجالي إلكترونيات الطاقة والإلكترونيات الضوئية. ومن أبرز إنجازاته اكتشاف طريقة جديدة لنمو المواد على السيراميك الموصل، مما يُحسن إدارة الحرارة في أجهزة الطاقة. ويسمح هذا التقدم بتطوير إلكترونيات أكثر كفاءة وأداءً، ما يوفر الطاقة، ويُحسن أنظمة الاتصالات.  

وأسهمت ابتكاراته في توسيع آفاق تقنية أشباه الموصلات من خلال إدخال مواد مثل أكسيد الغاليوم وأكسيد الإريديوم، ما يتيح تصنيع أجهزة مدمجة مع السيليكون ذات أداء عالٍ وكفاءة طاقة محسّنة. وتنعكس هذه التطورات على قطاعات متعددة مثل الطاقة المتجددة، والمركبات الكهربائية، ومراكز البيانات، والاتصالات، والتشخيص الطبي، من خلال تعزيز الإنتاجية وخفض استهلاك الطاقة، إلى جانب تمكين اتصالات أسرع. 

وقال "يُركز بحثي على معالجة العوائق الرئيسية في تقنية أشباه الموصلات لتمكين أجهزة أكثر كفاءة في استخدام الطاقة وعالية الأداء. التأثير المحتمل يمتد عبر العديد من الصناعات الحيوية لنمو الاقتصاد العالمي واستدامته، بما في ذلك الطاقة والنقل والاتصالات والرعاية الصحية".  

وأشار إلى أن كاوست وزمالة ابن رشد مهدتا الطريق له كي يحقق إنجازات رئيسية، من ضمنها تطوير آلية نمو جديدة لمواد أشباه الموصلات أدت إلى تسجيله عدة براءات اختراع وتصنيع أجهزة عالية الأداء، إضافة إلى تأمين تمويل تنافسي ونشر أبحاث مؤثرة وحصوله على عضوية متميزة في معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات (IEEE) ، ما يعكس شغفه المستمر بمواصل الابتكار.  

وذكر الفرج أن مشاركته في تأسيس شركة (NovuSemi Hybridia Inc.) في كندا يُظهر التزامه بتطبيق المعرفة البحثية على أرض الواقع. وقال "أشعر بامتنان عميق للدعم الأساسي والفرص التي وفرتها لي كاوست، والتي كانت حاسمة في نجاحي، ولا تزال تُشكل مسيرتي البحثية".  

تنمية المواهب في كاوست 

أكد الدكتور الفرج أن تأثير كاوست لم يقتصر على تشكيل مسيرته المهنية فحسب، بل غيرت مجرى حياته، وقال "لم يكن الأمر مجرد بحث علمي، بل رحلة لتكوين الذات كمواطن عالمي، واكتساب مهارات القيادة، وبناء المرونة الفكرية".  

وأوضح أن البيئة التعاونية والمتنوعة في كاوست، إلى جانب روحها الريادية، أعدّته للابتكار والقيادة، في حين أن التزامها برؤية السعودية 2030 ألهمه لربط عمله بالتنمية الوطنية.  

وأضاف أن زمالة ابن رشد عززت من التزامه بابتكار أشباه الموصلات المؤثر، ووجهت أهدافه المهنية نحو خدمة التطور التقني في المملكة، وقال "وفّرت لي زمالة ابن رشد الموارد والتقدير والشبكة العلمية التي أحتاجها لتحقيق أهدافي البحثية الطموحة، ورسّخت التزامي بالمساهمة في مستقبل المملكة التقني".   

ويرى الفرج أن من الأدوار الحيوية لكاوست إعداد الجيل القادم من العلماء والمهندسين السعوديين. ومن خلال دعم الأولويات الوطنية وتعزيز ريادة الأعمال، تمكّن الجامعة الشباب السعودي من قيادة الاقتصاد المعرفي الجديد في المملكة. وقال "كاوست، برأيي، حجر الأساس في جهود المملكة لبناء اقتصاد معرفي مزدهر وقيادة الابتكار العلمي عالميًا".  

وأشار إلى أن زمالة ابن رشد تؤدي دورًا محوريًا في هذا المسار، إذ تمكّن الباحثين السعوديين من التقدم في المجالات التقنية، من خلال توفير الدعم التنافسي والتدريب العالمي، واستقطاب أفضل المواهب، وبناء خبرات استراتيجية، وخلق شبكات دولية – مما يعزز من مكانة المملكة البحثية، ويستثمر في رأس المال البشري لتكوين جيل من الباحثين المؤهلين داخل المملكة. 

وفيما يتعلق بمجال الابتكار في أشباه الموصلات على وجه الخصوص، يرى أن لدى الباحثين السعوديين فرصًا واعدة مدفوعة بنمو السوق العالمي والتطلعات الوطنية. وتعد كاوست في موقع مثالي لردم الفجوة بين البحث والتطبيق الصناعي، من خلال دعم الشراكات، وتطوير المناهج الصناعية، وتعزيز مرافق التصنيع، وتحفيز الابتكار، وتشجيع ريادة الأعمال في هذا القطاع الحيوي. 

وقال "من خلال تطبيق هذه الاستراتيجيات بفعالية، يمكن لكاوست أن تصبح محفزًا رئيسيًا للابتكار في مجال أشباه الموصلات في المملكة، ما يساعد على ترجمة الاكتشافات البحثية إلى تطبيقات صناعية، ويساهم في تحقيق رؤية المملكة في أن تصبح رائدة في مجال التقنية المتقدمة في المنطقة والعالم".   

خلال تجوّله في أروقة الحرم الجامعي، يسترجع د. ناصر الفرج محطات رحلته العلمية؛ من انطلاقته البحثية في كاوست، إلى مساهمته الحالية في تطوير تقنيات أشباه الموصلات الموفّرة للطاقة ذات الأثر العالمي.

مستقبل مشرق 

يتوقع الفرج تطورات واعدة في مجال أشباه الموصلات، خصوصًا في المواد الجديدة للإلكترونيات الضوئية وإلكترونيات الطاقة، إضافة إلى تعزيز سرعة الاتصالات. وتهدف أبحاثه إلى تحسين هذه المواد والتقنيات، مع دعم كاوست لتحويلها إلى تطبيقات عملية. 

ويؤكد مجددًا أن كاوست تؤدي دورًا محوريًا في احتضان أفضل المواهب، من خلال إشراك الشباب السعودي في أبحاث متقدمة وتعاون عالمي. وتسهم زمالة ابن رشد في هذه المهمة من خلال الاستثمار في الجيل القادم من القادة في مجالات العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات (ستيم)، وتوفير تدريب متقدم، ودعم نمو الاقتصاد الوطني وتنويعه على المدى الطويل.  

وختم قائلًا "زمالة ابن رشد برنامج أساسي ضمن هذا النظام المتكامل، يستثمر استراتيجيًا في نخبة المواهب السعودية في مجالات  ستيم، ويبني خبرات حاسمة، ويؤسس لقوة عاملة عالية التأهيل ضرورية لنجاح المملكة في عالم تقوده العلوم والتقنية".  وأضاف "مستقبل المملكة في المجال التقني يعتمد على طموح ومثابرة شبابها الموهوب، وأنا على يقين بأنهم قادرون على تحقيق إنجازات عظيمة تبهر العالم".