Top

تحقيق ما كان مستحيلاً يوماً ما

يحمل الجرّاح الرائد لوران لانتيري معرفته وروحه المبدعة إلى الحرم الجامعي في إطار برنامج الإثراء في الربيع.


يمكن تعريف الجراحة المجهرية الاستنباتية بأنها زراعة أجزاء من الجسم مع الشرايين والأوردة في مناطق متضررة منه. ومن أمثلة ذلك أخذ مقاطع من الجلد من منطقة البطن وزرعها في الرقبة والوجه، أو استبدال إبهام متضرر بأحد أصابع القدم. لقد حاول الممارسون الأوائل للعلوم الطبية إجراء الكثير من العمليات المشابهة، ووثقوا عملهم قبل عام 1900 بكثير. وسرعان ما طوّر الجراحون البروتوكولات والأدوات والأدوية اللازمة لإنجاح عمليات الجراحة المجهرية بصورة اعتيادية أكثر، وذلك بسبب الحاجة واسعة النطاق لمثل هذه الإجراءات بعد الحرب العالمية الأولى.

لقد زار الدكتور لوران لانتيري، وهو من الأطباء والرواد المعاصرين الذين أسهموا في ابتكار ميدان الجراحة المجهرية، جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية مؤخراً في إطار برنامج الإثراء في الربيع. وأجريت معه مقابلة مباشرة على الهواء بُثّت عبر صفحة الجامعة على موقع "فيسبوك" في إطار سلسلة البث المباشر في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية.


 

وتركز العمليات الجراحية المتطورة التي يجريها لانتيري على تحسين حياة المرضى الذين تعرضوا إلى إصابات ينجم عنها إعاقات أو أمراض في مناطق حيوية كالوجه واليدين. ومن العمليات الجراحية المتطورة التي أجراها عملية زرع يدوية ثنائية، فضلاً عن أول عملية زراعة وجه كامل في العالم.

تاريخ موجز عن جراحات الزرع

ألقى لانتيري كلمة رئيسية أثناء وجوده في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، استعرض فيها بإيجاز تاريخ الجراحة المجهرية الاستنباتية. وعرض مقالة تاريخية تتحدث عن أحد أنواع هذه الإجراءات الذي يعرف بالجراحة السديلية، وشرح فيها بالتفصيل كيفية استخدام سديلة من الجبهة لاستبدال أنف متضرر.

ويقول لانتيري إن الحروب الكبيرة، وما خلفته من أعداد ضخمة من الإصابات، كانت وقتاً مناسباً للابتكار السريع في مجال الجراحة الاستنباتية. فقد جرّب الجراحون، على سبيل المثال، زرع أنابيب من الجلد لترميم ملامح الوجه أثناء الحرب العالمية الأولى.

وشهدت الحرب العالمية الثانية تطور تطعيم الجلد. وعلى وجه التحديد، ضرب لانتيري مثلاً عن بيرت ميداوار، الحائز على جائزة نوبل على عمله في الاستجابة المناعية لطعوم الجلد، بالإضافة إلى أعمال جراحين رواد مثل جوزيف موراي، الذي أجرى أول عملية ناجحة لزرع كلية. ورأى لانتيري أن رؤى موراي الهامة عن علم المناعة قد عبّدت الطريق أمام العديد من إجراءات الزرع التي أصبحت عملية روتينية في الوقت الحالي.

وقال لانتيري إن جراحة الأوعية تعتبر مكوناً رئيسياً أيضاً من جراحة الزرع الناجحة. ورغم أنه إشكالي، إلا أن عمل أليكسيس كارل، الحائز على جائزة نوبل، أدى، في نهاية المطاف، إلى نجاح جراحين مثل هاري بنك الذي كان رائداً في خياطة الأوعية الدموية الصغيرة وإصلاح إصابات كبيرة.

اليدان والوجه

لم يكتف لانتيري بالحديث عن زرع النسج الطرية فحسب، بل تحدث عن زرع العظام أيضاً. وهو يجري عملية زرع الطعم الخيفي، أي نقل النسيج والعظم من متبرعين إلى مستقبلين، التي تحققت بفضل التطورات التاريخية الكثيرة في جراحة الأوعية وعلم المناعة التي تناولها في بداية كلمته.

وقال لانتيري: "لقد باءت محاولات الزرع التي أجراها الأطباء الروّاد بالفشل طوال قرون، نظراً إلى عدم توفر التقنيات والأدوية الملائمة. وعلى سبيل المثال، فقد أجريت أول عملية زرع يد في 1963، ولكنها لم تتكلل بالنجاح بسبب عدم توفر الأدوية اللازمة للحدّ من رفض نظام المناعة للنسيج الغريب. ولم تعرف جراحات الطعم الخيفي طريقها إلى التطبيق إلا بعد تطوير المجموعة المناسبة من الأدوية".

وتحدث لانتيري عبر الفيديو عن سيدة في فرنسا فقدت ذراعيها ورجليها بسبب عدوى. وقررت، بعد تسع سنوات من استعانتها بالأعضاء الصناعية، أن تحاول عملية زرع يد ثنائية وذراع، وتكللت العملية الجراحية المتطورة، التي أسهم لانتيري في إجرائها، بالنجاح في نهاية المطاف.

وبعيداً عن الجوانب التاريخية والتقنية لجراحة زرع الأعضاء، أسهب لانتيري أيضاً في الحديث عن الأخلاق المهنية لزرع الأعضاء في مقابلته الحية مع جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، كما تحدث عنها أيضاً في سياق كلمته الرئيسية.

قال لانتيري في سياق كلمته الرئيسية: "لا يمكننا قطف وجه أو ذراع دون مراعاة المتوفى وعائلته. وعندما نأخذ هذه الأعضاء من متبرع، فإننا نستبدلها بأعضاء صناعية وقناع حرصاً على سلامة جثمان المتوفى. فالأخلاق المهنية تملي علينا أن نعامل كافة المرضى، متبرعين ومستقبلين، بالمستوى نفسه من الاحترام".

قد لا تكون "الجراحة" هي مستقبل الجراحة

وأفرد لانتيري جزءاً من كلمته للحديث عن زراعة النسج الجديدة باعتبارها بديلاً لإجراءات زرع الأعضاء وزرع الطعم الخيفي (الزرع من متبرع).

وعبر لانتيري عن رأيه بمستقبل الجراحة قائلاً: "بفضل هندسة النسج، ربما نتمكن في المستقبل من زراعة النسج الحيوانية والبشرية في سقالات الخلية. لقد نزع روّاد مثل هارلد سي. أوت خلايا صغيرة من متبرعين وزرعوا أعضاء جديدة، ولكن تخليق أعضاء جديدة كاملة الحجم ليس ممكناً بعد".

وأضاف: "في نهاية المطاف، أعتقد أن المستقبل سيكون للهندسة البيولوجية، وأننا سنجني ثمار ذلك في غضون السنوات العشر القادمة تقريباً".