Top

تجاوز الخطوة الأولى

حمل الكاتب والمستكشف البريطاني آلاستير همفريز إحساساً بالمغامرة إلى مجتمع جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية أثناء برنامج الإثراء في الربيع لهذا العام.

​​
 
ألقى الكاتب والمستكشف ألاستير همفريز محاضرة رئيسية ممتعة متبصرة، تحدث فيها بالتفصيل عن حياته وأسفاره، وذلك في إطار برنامج الإثراء في الربيع لهذا العام. ولم يكتفِ المستكشف البريطاني الدمث بالتحدث إلى مجتمع جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية يوم الثلاثاء 18 أبريل بالتفصيل عن أسفاره وحكاياته وإلهامه ومخاوفه وطموحاته ودوافعه وأهدافه، بل شجع الحضور وأسدى لهم بعض النصائح.

وأمتع همفريز الحضور بالقصص التي رواها عن أسفاره؛ ومنها رحلة دامت أربع سنوات، انطلق فيها من موطنه في أكسفورد في بريطانيا، وجاب على دراجته الهوائية أوروبا وأفريقيا والأمريكيتين وسيبيريا في فصل الشتاء (رحلة بطول 46 ألف ميل زار خلالها 60 بلداً وخمس قارات) ليعود بعد ذلك إلى موطنه؛ وتحدث عن رحلته عبر الربع الخالي مع زميله ليون مكارون، التي قاما خلالها بجرّ عربة يبلغ وزنها حوالي 300 ليبرة مسافة 1,000 ميل في الصحراء القاحلة؛ كما تحدث بالتفصيل أيضاً عن أحدث رحلاته، التي قطع خلالها 3 آلاف ميل عبر المحيط الأطلسي، واستغرقت 45 يوماً من التجديف مع "شابين سلوفينيين ضخمي الجثة"؛ ورحلته عبر إسبانيا سيراً على الأقدام، وهي رحلة استوحاها من رحلة لوري لي "عندما مشيت في أحد صباحات منتصف الصيف" مع كمان فقط لتأمين المصاريف والصحبة.

وأضفى همفريز على كل سفرة من أسفاره جواً من الحماس الشديد، مما أمتع الحضور المتفاعلين مع حديثه وأضحكهم، وخاصة عندما تحدث بالتفصيل عن مغامرات حدثت معه بالصدفة. وكانت مغامرات حافلة بالصور الساحرة والقصص الشيقة وبذكر العديد من الشخصيات والمواقف التي واجهته خلال سنوات.

​ حمل الكاتب والمستكشف البريطاني آلاستير همفريز إحساساً بالمغامرة إلى مجتمع جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية أثناء برنامج الإثراء في الربيع لهذا العام.​

'الأشخاص الأكثر ذكاءً مني'

تحدث همفريز في كلمته الافتتاحية عن بالغ سروره بزيارة الجامعة، وقال: "بداية، أشعر بإثارة كبيرة لأنني تمكنت أخيراً من زيارة المملكة العربية السعودية وجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية. ومن الأشياء التي أثارت انتباهي منذ وصولي إلى هنا وجود عدد كبير من الأشخاص اللامعين، أشخاص أشدّ ذكاءً مني بكثير".

لقد استوحى همفريز رحلته في الربع الخالي 2012 من رحلة المستكشف البريطاني العظيم سير ويلفريد ثيسيغر في شبه الجزيرة العربية والربع الخالي، التي أرخها ودوّن تفاصيل دقيقة وواضحة عنها في كتابه "الرمال العربية" الذي صدر في 1959.

وقال همفريز: "يعتبر كتاب ثيسيغر رسالة محبة إلى الناس هنا، إلى شعب المملكة العربية السعودية. لقد شجعني على السفر عبر الربع الخالي. ولم أكن راغباً في رحلة إلى مكان أجهله تماماً برفقة أشخاص يعرفون كل شيء. لأنني، في هذه الحالة، لن أكون سوى سائح، ولم يكن هذا مبتغاي".
وأضاف: "الصحراء مكان بسيط جداً، ولكنها ليست مكاناً سهلاً. أعتقد أن المغامرات الجيدة تشبه الصحراء، بسيطة ولكنها ليست سهلة. وكانت رحلتي، كأي رحلة قمت بها، تتويجاً لخطوات صعبة كثيرة قطعتها".

العوائق الكثيرة التي تعترض سبيل المغامرة

شجع همفريز أيضاً الحاضرين على عدم الخوف من أفكار المغامرات والأسفار الطويلة، أو من مغادرة "مناطق أمانهم".

وقال: "لن يطوف شخص عادي العالم على دراجته الهوائية، ولكنني أدركت بعد رحلتي أنني قادر على فعل شيء مختلف. كنت مفعماً بالثقة والاندفاع، وهذا أثمن عندي من المال".

وأضاف: "أهوى تجربة أشياء جديدة وإيقاع الحياة السريع. لقد تأثرت أكثر رحلاتي بأبطالي. والأبطال هم الأشخاص الذين يطمح الناس لأن يحذوا حذوهم، ولكن أبطالي كانوا مجرد أشخاص عاديين أقدموا على المخاطرة، وفكروا بجرأة. هناك عوائق كثيرة تمنعنا من الإقدام على المخاطرة قدر ما نستطيع، ولكن أكثر هذه العوائق موجودة في أذهاننا فقط. فكثيراً ما ننسحب من السباق قبل أن تطأ أقدامنا خط الانطلاق".

وأكمل ممازحاً: "ضعوا جانباً أفكار الموت، واسألوا أنفسكم ما هو أسوأ شيء قد يحدث أثناء مغامرة؟ لعل الحياة البسيطة هي الشيء الأسلم، ولكنك، لسوء الحظ، لن تحقق السعادة الأبدية وأنت جالس على الأريكة تتناول المثلجات وتتابع كرة القدم".

 

أفسحوا المجال لـ 'مغامرة صغيرة'

ناشد همفريز، الذي أجاب على كافة الأسئلة الواقعية التي تتعلق بالإجهاد/ ضغط الوقت، الحضور بأن تكون بدايتهم متواضعة، مذكراً إياهم بأن كافة المغامرات العظيمة بدأت بخطوات صغيرة.
ونحت همفريز مصطلح "مغامرات صغيرة" الذي يقصد به الرحلات الصغيرة سهلة الإدارة القابلة للتحقيق القريبة من المنزل لمن يعيشون حياة عادية. ولا ينبغي تحديد أهداف هذه الرحلات أو مواصفاتها، بل ينبغي أن نترك مهمة تفسيرها للناس كي يخرجوا بأفكار نابعة من خيالهم.
قال: "تعني المغامرة أن تفعل أشياء جديدة. ويمكنك أيضاً الذهاب في مغامرة صغيرة بعد العمل حتى لو كنت تعمل من الساعة التاسعة إلى الخامسة. لا تجعل من عملك الروتيني عذراً آخر".

وواظب همفريز طوال كلمته على استخدام عبارة "ميل عتبة الباب"، باعتبارها شعار أسفاره ونمط حياته. وميل عتبة الباب تعبير نرويجي يعتبر أن الخطوات القليلة الأولى من رحلة (طويلة) هي الخطوات الأكثر صعوبة.

تساءل همفريز: "إذا رغبت في إنجاز شيء ما، ينبغي أن تبدأ به. فكر بخطواتك القليلة الأولى الصعبة، وفكر بالخطوة الصغيرة التي يمكنك اتخاذها لتساعدك على الانطلاق. وحالما تفرغ من الخطوة الأولى، فما الذي يمنعك من الاستمرار".

اغتنموا الفرصة

لقد شعر همفريز خلال أسفاره ورحلاته الكثيرة المتميزة بأن الكثير من الشعوب والثقافات والتقاليد التي تعرف عليها مختلفة تماماً عن الصورة المرسومة لها في وسائل الإعلام الرئيسية والتفكير التقليدي.
وأضاف: "لقد تجاهلت نصائح كثيرة كانت تدعوني إلى تجنّب زيارة بلدان محددة. فقد جعلني السفر إلى المناطق التي تعاني من الحرمان أكثر امتناناً، وجعلني لقاء من لا يملكون إلا القليل من الموارد أكثر عزماً على استغلال الفرص. وكان لطف الناس الذين التقيت بهم بمحض الصدفة في مختلف أنحاء العالم من أجمل الذكريات، وهذا يخالف ما نشاهده على شاشة التلفاز".

واختتم كلامه قائلاً: "إذا لم تواجه تحديات كثيرة، فلن تكون رحلتك أكثر من عطلة لطيفة. فالمغامرات المفاجئة هي الأفضل، والرحلة التي أرغب في القيام بها هي الرحلة التي سأعتز بها عندما أصبح مسناً. ولدينا الخيار عند النظر إلى أي شيء في الحياة. ويمكننا اعتباره عائقاً أو اعتباره حرية".
بقلم ديفيد مورفي، فريق أخبار جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية.