Top

مطاردة قرش الحوت

طالبة الدكتوراه رويال هاردنشتاين في قاعة ابن الهيثم الغربية (المبنى الثاني). بعدسة نيكولاس دوميل


أشار البروفيسور مايكل بيرومين، الأستاذ المساعد في العلوم البحرية في مركز أبحاث البحر الأحمر في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، إلى أنّ: "النظم البيئية البحرية الاستوائية تتعرّض إلى ضغوط متزايدة من صنع الإنسان، سببها الصيد الجائر وتدمير البيئات الطبيعية، ما يسفر عن انخفاض في بنيتها ووظيفتها على النطاق العالمي". ورد ذلك في ورقة بحثيّة حرّرها بالاشتراك مع زملاء من معهد وودز هول لعلوم المحيطات.​

جدير بالذكر أنّ مايكل بيرومين يرأس مختبر "علم بيئة الشعاب المرجانية" في جامعة الملك عبدالله، حيث تكرّس المجموعة جهودها لتنفيذ مشاريع لجمع البيانات التي تستخدم، على حدّ قوله، في "توجيه عمليات تصميم وتنفيذ المحميّات البحرية في المملكة العربية السعودية، وفي مجالات الدراسة الأخرى".

رصد حركة قرش الحوت

لوحظ في عالم الأسماك، أن الحركة واسعة النطاق تشيع أكثر لدى الكائنات البحرية الكبيرة، مثل أسماك القرش. وقد أطلق مركز أبحاث البحر الأحمر في 2009 مشروعاً بحثيّاً يركّز على رصد حركة قرش الحوت، وتتبّعها.

للتعرّف على مزيد من المعلومات المتعلّقة بمشروع وضع جهاز تعقب قرش الحوت، تحدّثت أخبار الجامعة مع رويال هاردنشتاين، إحدى طالبات الدكتوراه في الفريق.

قالت رويال: "بالنسبة لأسماك قرش الحوت في البحر الأحمر، يمكن القول أساساً إنّ البحث الذي باشره البروفيسور مايكل بيرومين والمختبر في 2009 كان أول عمل يتعلق بقرش الحوت يصدره مركز أبحاث البحر الأحمر. إننا نركّز معظم أعمالنا على أسماك قرش الحوت في البحر الأحمر".
يذكر أن مختبر "علم بيئة الشعاب المرجانية" يعمل بالتعاون مع مؤسسة الحيوانات البحرية الضخمة (MMF) في موزمبيق، وأنّ بعض أدوات القياس الصوتية التي استخدمتها الجامعة في البحر الأحمر كانت قد استخدمت في بحوث أُجريت في تنزانيا، حيث تم وضع جهاز التعقب على 30 قرش حوت في خليح كيلندوني.

حظيت رويال بتجربة مميزة غيرت حياتها حين عملت على فترة تجمّع قرش الحوت في تنزانيا، خلال فصلٍ دراسيّ من دراستها الجامعية في جامعة نيو إنغلند في بيدفورد، بولاية ماين، في الولايات المتحدة. وكان ذلك في إطار مشروع مستقل اشتمل على قاعدة بيانات يستخدم الصور في تحديد الهوية، في جزيرة مافيا في تنزانيا.
بحث عن أسماك قرش الحوت في البحر الأحمر- جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية- فيديو على Vimeo.
وبعد عودتها إلى الولايات المتحدة قادمةً من تنزانيا، ظلّت رويال تتابع أوضاع الأسماك التي وضعت عليها جهاز التعقب من خلال موقع إلكتروني يحتفظ بقاعدة بيانات محدثة من الصور والأجهزة، يقدّمها مختلف الباحثين. ولاحظت أن أسماك قرش الحوت التي وضع عليها أجهزة التعقب يتم دراستها من قبل مجموعة أخرى من الباحثين.
قالت وهي تسترجع ذكرياتها: "كنت أبحث عن أسماك قرش الحوت التنزانية على باحث غوغل العلمي Google Scholar، وكان من بين النتائج خلاصة مؤتمر دولي عن قرش الحوت كان قد عُقد قبل ثلاث سنوات. كان البحث من تأليف فرناندو كاغوا، وجيسي كوكران، ومايكل بيرومين، ومجموعة MMF. فتساءلت من هؤلاء؟ وبدأت تلقائياً أفتّش عبر غوغل فتعرّفت على موقع جامعة الملك عبدالله ومركز أبحاث البحر الأحمر". وأضافت: "وعلى الفور، عرفت إلى أين يتعيّن عليّ أن أذهب".

تقنيات أجهزة التعقب المختلفة

تواصلت رويال مع البروفيسور مايكل بيرومين، وتقدّمت بطلبها إلى جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، فانضمّت فوراً إليها كطالبة ماجستير. وبعد حصولها على درجة الماجستير في ديسمبر الماضي واصلت دراستها في الجامعة لدرجة الدكتوراه في العلوم. وهي تعمل حالياً على دراسة التجمّع الموسمي لأسماك قرش الحوت التي تعيش بالقرب من مدينة الليث في المملكة العربية السعودية.
ويعدّ برنامج أجهزة التعقب الذي تنفذه جامعة الملك عبدالله من أكبر برامج أجهزة تعقب أسماك قرش الحوت في العالم، حيث يستخدم علماء جامعة الملك عبدالله الأجهزة الصوتية والأقمار الصناعية في تتبع حركات أسماك قرش الحوت. وقد وضع البرنامج حتى الآن أجهزة التعقب على أكثر من 100 سمكة قرش حوت.

قالت رويال: "يبدأ موسم سمك قرش الحوت لدينا أواسط شهر مارس ويستمر حتى أواسط أو أواخر مايو. أي نحو ثلاثة أشهر".

وليس من الواضح لماذا يحدث التجمّع هناك تحديداً، ولكن يُعتقد أن الطعام هو على الأغلب ما يجتذبها.
أوضحت رويال: "نحن نعلم أنه تجمّع للغذاء. وفي معظم الأوقات التي نشاهد فيها أسماك القرش، فإنّها تكون على السطح تتناول وجبةً كثيفة من العوالق".

يتميّز تجمّع أسماك قرش الحوت في البحر الأحمر بميزة مثيرة للاهتمام، ألا وهو أنه يشمل الذكور والإناث بالتساوي. أمّا في تجمّع تنزانيا، على غرار معظم مواقع التجمّع في العالم، فإن الذكور تهيمن على حوالي 87 بالمئة منه.

وبسبب بيانات أجهزة التعقب، فإنّ من المعروف أيضاً أن تجمّع قرش الحوت "الليث" يترك المنطقة بعدما ينقضي موسم الشهور الثلاثة، فتمضي معظم أسماك قرش الحوت إلى جنوب البحر الأحمر، فيما يشقّ بعضها طريقه شمالاً صوب مصر أو جنوباً إلى مناطق أبعد.

أحد أجهزة التعقب المستخدمة هي الأجهزة الصوتية. ففي كل دقيقة تقريباً، ترسل الأجهزة أزيزاً يرسل بدوره الرقم الخاص بأحد أجهزة التعقب باتجاه مستقبلات صوتية مع هيدروفون، كلما اقتربت منها أسماك قرش الحوت بنحو 500 متر. ويتم جمع تلك البيانات في نهاية الموسم. ويواظب فريق البروفيسور مايكل بيرومين على إجراء هذا الرصد منذ العام 2010، وبالتالي فإن مخبر "علم بيئة الشعاب المرجانية" يمتلك مجموعة غنيّة من البيانات المستمدّة من أجهزة التعقب الصوتية هذه.

كما استخدمت منهجية أخرى في تتبع حركة أسماك القرش باستخدام أجهزة التعقب عبر الأقمار الصناعية. يمكن لبيانات الأقمار الصناعية أن تكشف عن وجهة انتقال أسماك القرش في أنحاء البحر الأحمر وخارجه. تكفّ هذه الأجهزة عن متابعة أسماك قرش الحوت بعد بضعة أشهر. وفي حين تستطيع أجهزة التعقب الصوتية تأكيد أن هذه الأسماك غادرت بعد انقضاء موسم الأشهر الثلاثة (على اعتبار أنّ من الصعب تسجيل أزيزاً إذا كانت تصدر من مكان بعيد جداً عن لواقط المستقبلات)، فإن أجهزة التعقب عبر الأقمار الصناعية تدلّ العلماء على وجهة أسماك القرش خارج منطقة تغطية المستقبلات.
قالت هاردنشتاين: "بهذه الطريقة نعرف أنها على الأغلب تتجمع جنوب البحر الأحمر".

وتضم المجموعة ذاتها طالب دكتوراه آخر هو لو صن الذي يعمل على أجهزة تقدير الموضع (أجهزة التقدير الاستدلالي)، وهي أجهزة ثلاثية الأبعاد تحتوي على مقياس تسارع، توضع على أسماك قرش الحوت لبضعة أيام عند انصرافها، ثم تقع، وتوفّر عند استردادها بيانات مثيرة تتضمن تفاصيل أكثر دقّة عن حركات أسماك القرش أثناء تجمّعها. توفر أجهزة التعقب ثلاثية الأبعاد معلومات حول زوايا غوص الأسماك وتوقيته وتواتره، وكذلك عن كيفية تغيير أسماك قرش الحوت اتجاهها بطريقة أو بأخرى.

جهد جماعي

قال بيرومين: "نحن ممتنون لجميع أفراد مجتمع جامعة الملك عبدالله الذين يشاركوننا دوماً بما يتوفّر لديهم من صور أسماك قرش الحوت". فيما أضافت هاردنشتاين: "إن ما يقدّمه مجتمع جامعة الملك عبدالله من دعم ومشاركة يساعدنا مباشرة في التعرف على هويّة عدد أكبر من الأسماك، أكثر مما كنّا سنفعل من تلقاء أنفسنا". ​