Top

بناء النظام الإيكولوجي للحوسبة عالية الأداء في المملكة

الدكتور جايسو لي، مدير المختبر الأساسي للحوسبة الفائقة في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية

عقدت جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية الدورة السابعة من فعالية الحوسبة عالية الأداء في المملكة العربية السعودية، وهي أهم مناسبة إقليمية في هذا المجال، وذلك من 13 إلى 15 مارس. ويهدف المؤتمر، الذي عُقد على مدار ثلاثة أيام، إلى إنشاء منصة تتيح للباحثين وممثلي القطاع العملي اللقاء وتبادل الأفكار والخبرات ومناقشة التعاون والتنسيق فيما بينهم.

لقد ركزت فعالية 2017 على الجهود المنسقة الرامية إلى النهوض بنظام إيكولوجي للحوسبة عالية الأداء في المملكة. واشتمل اليومان الأولان من الفعالية على كلمات رئيسية وكلمات لمدعوين وكلمات خاطفة، بالإضافة إلى عروض تقديمية لملصقات ومعرض للموردين ومناقشة مفتوحة تهدف إلى وضع خطة عمل أولية لإعداد نظام إيكولوجي للحوسبة عالية الأداء في المملكة العربية السعودية.
افتتحت كل جلسة من الجلسات العامة بكلمة رئيسية من متحدثين كستيفن إي كونين، مدير مركز جامعة نيويورك للعلوم الحضرية والتقدم العمراني؛ وتوماس شولتس، مدير المركز الوطني السويسري للحوسبة الفائقة في لوغانو؛ والدكتور روبرت جي فويت، أحد كبار أعضاء طاقم العمل الفني في معهد كرل.

أهمية التعاون

أثنى الدكتور جايسو لي، مدير المختبر الأساسي للحوسبة الفائقة في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، في كلمته على من يقفون خلف أبحاث الحوسبة، أي الذين يساعدون على إنشاء الأنظمة الإيكولوجية والآلات والتقنية.

وقال: "تتميّز جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية بالأبحاث التي تجريها وبالطاقات البشرية التي تتمتع بها، كما يمثل نظام شاهين معلماً يبعث على الاعتزاز. ونحن نسعى لمساعدة الجامعة والمملكة وخدمتهما. وطالما أنكم موجودون هنا في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، فأنا أهيب بكم التفكير بالفرص المتاحة وبما يمكن أن ننجزه معاً".

"هناك علم ينبغي إنجازه هنا"

وفي كلمته الرئيسية الافتتاحية بعنوان "مدن أفضل من خلال اكتساب البيانات وتحليلها"، سلّط كونين الضوء على عمله وعمل مركز جامعة نيويورك للعلوم الحضرية والتقدم العمراني في مجال العلوم والأنظمة الحضرية. ووصف كيف يستخدم المركز تقنية المعلومات في دراسة عمليات الأنظمة الحضرية، مشيراً إلى أن تقنية الحوسبة عالية الأداء تثري منظر مدينة نيويورك الصاخبة، وتسهم في إيجاد حلول لقضايا عالمية أوسع نطاقاً.

قال كونين: "نحتاج إلى تقنيات ومنهجيات لتحليل بيانات المدن، فثمة علم ينبغي إنجازه هنا. لقد كانت المدن من أعقد الأشياء التي اخترعها البشر. فالمدن هي ما يهمنا، وبحلول نهاية هذا القرن، سيكون حوالي ثلاثة أرباع سكان العالم يعيشون في المدن".

وأضاف: "إذا أردنا تغيير نظام الطاقة، فالتقنية رائعة، ولكننا ينبغي أيضاً أن نراعي العامل الاجتماعي على المدى الطويل. ولا يتوقف الأمر على الطاقة لوحدها، بل على كافة جوانب ما يجري في مدينة ما. وينبغي أن نفهم البنية التحتية والبيئة والناس إذا أردنا تنظيم المدن".

وأضاف: "يبنى البشر المدن من أجل البشر. ولا يمكن فهم مدينة ما إن لم نفهم سكانها. ومن الممكن السعي لفهم بعد واحد لمدينة ما، أو التركيز على مدينة واحدة والسعي لاستكشاف أبعادها المختلفة. ويُعدّ دمج مختلف مصادر البيانات في قاعدة بيانات واحدة قابلة للاستخدام من التحديات الكبرى. وإذا كان ممكناً أخذ كل هذه البيانات وتحليلها باستخدام نماذج موّجهة بالبيانات، فمن الممكن معرفة أشياء كثيرة. وينبغي أن نملك البيانات من خلال الحفاظ على ارتباط وثيق بها".

كيف يمكن إعداد الجانب الرئيسي للحوسبة عالية الأداء

وصف ميرل جايلز، الذي كان يعمل سابقاً في المركز الوطني لتطبيقات الحوسبة الفائقة (NCSA)، والرئيس التنفيذي الحالي لشركة "مونشوت للأبحاث إل سي سي" كيف تختلف الحاجات في حوسبة الأبحاث. وناقش جايلز كيف استفاد من المنهجيات المختلفة من عمله السابق في شركته الجديدة.
وقال: "كانت الشركة تتعامل مع الحوسبة عالية الأداء كهواية طوال عشرين عاماً أو أكثر، إذ أن ما نقوم به في شركتنا الجديدة يشبه ما قمنا به في المركز الوطني لتطبيقات الحوسبة الفائقة (NCSA)، الذي يخدم الآخرين ويساعدهم على القيام بما يعرفونه بطريقة أفضل".

وأضاف: "يوجد (وادٍ من الموت) في كل من القطاعين الأكاديمي والعملي، ولا أحد يمول المنطقة الوسطى أي الإبداع. لقد تُركنا لطرق عملنا الخاصة كي نتنقل عبر هذه الأرض الوسطى. فبعض الفروقات بين حوسبة الأبحاث والجانب التجاري هي أيضاً الفروقات بين الاقتصاد الكلي والجزئي. فهناك فرق كبير بين الاقتصاد الكلي عالي المستوى والاقتصاد الجزئي على مستوى الشركة. وتمثل جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية نموذجاً للأثر التجميعي لسياسة اقتصاد كلي. وينزل أثر الاقتصاد الجزئي إلى مستوى المؤسسة. ولم أسمع بأي قاعة اجتماعات لمجلس الإدارة تتحدث عن الحوسبة عالية الأداء، فقد جرت العادة على تركها في قبو الأبحاث والتطوير إلى الأبد".

وفي معرض إجابته على سؤال عن كيفية التعامل مع الجانب الأساسي للحوسبة عالية الأداء، قال جايلز: "يكتسي تخفيض زمن التأثير أهمية كبيرة، كما أن الحوسبة عالية الأداء تلعب دوراً كبيراً في هذا. ويتمثل مفتاح النجاح بالاهتمام الكبير بالعملاء. فالعميل هو الطرف الرابح في هذه اللعبة".

واختتم كلامه قائلاً: "ينبغي أن نعرف ما يجري في الحوسبة عالية الأداء، وأن نعرف ما يجري في الشركات. وتتمثل الوظيفة الأساسية لمجتمع الحوسبة عالية الأداء في إيجاد حلول للمشاكل، وقد يكون استراق النظر إلى كيفية عمل الشركات السبيل الوحيد لذلك".

"تولي مسؤولية التغيير"

تحدث رائد الرابح، مدير إدارة عمليات شبكة مركز كمبيوتر التنقيب وهندسة البترول (EXPEC) في شركة أرامكو السعودية عن وجود الكثير من التقنيات الجديدة المعقدة التي تمتاز بمجالات وأنظمة تشغيل جديدة متاحة لكافة المطورين والقطاعات والباحثين في الحوسبة. وناقش كيف أن هذا أسهم في توفير مستوى جديد كلياً في الحوسبة عالية الأداء، لم يكن يخطر ببال أحد قبل عدة أعوام. كما ناقش الرابح أيضاً أهمية ضبط هذه التغييرات في المشهد العام للحوسبة عالية الأداء، وضرورة التكيّف بغية تجنب خطر التخلف عن ركب التقدم".

قال: "لا يتعلق الأمر بالتغيير فقط، بل بتولي مسؤوليته واستثماره جيداً. ومن الممكن باستخدام الحوسبة عالية الأداء فهم الهيكل العام والوصول إلى مستويات دقيقة جداً من الفهم للحصول على الفائدة القصوى من النظام. وينبغي أن تكون عالماً يملك معلومات واسعة في هندسة الحاسب الآلي أو الهندسة الكهربائية كي تتمكن من تحقيق الفائدة القصوى منه. فتحديات الحوسبة عالية الأداء لا تختلف عن تحديات تقنية المعلومات، ولكنها تبلغ مستوى مختلفاً".

وأضاف: "يجب أن نحدد فرص الاستفادة من أنظمتنا، فقد ولى الزمن الذي كان يجري فيه تمويل الأبحاث من أجل الأبحاث فقط. فالأبحاث حالياً تمول إذا كانت تثمر عن فرص جديدة قريبة من المنزل والقطاع والمجتمع الذي نعيش فيه، لا الأبحاث التي تجيب عن سؤال نظري في الفضاء. ويجب أن يتحقق الابتكار كعملية منتظمة، كما أن السرعة هامة جداً".

وأشار: "لا يهتم عملاؤنا بأن يصبحوا علماء أو خبراء في الحاسب الآلي بحيث يمكنهم استخدام المنتجات. هم يتوقعون من المنتجات أن تعمل. وتتطلب التقنية الموارد، ناهيك عن أن المعرفة ليست واسعة الانتشار كثيراً. وينبغي أن ننشر المعرفة وأن نجعلها تواكب إيقاع التطور، وأن نتبنى التغيير وندركه كي نحصد الفائدة المنشودة".

واختتم الرابح كلمته قائلاً: "نحتاج إلى تأمين الانسجام بين الأعمال والأبحاث، حيث تقوم الأبحاث بما تحتاجه الأعمال. ويغذي هذا النوع من الانسجام الأبحاث، ومن ثم تصبح منتجات الأبحاث قابلة للنشر والاستخدام. وخاصة في المملكة العربية السعودية حيث لا يستخدم إلا عدد ضئيل من الشركات تطبيقات الحوسبة عالية الأداء".

ومتابعة لكلمة الرابح، سلّط سريكانث بانالا من الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) الضوء على الدور الذي تلعبه الحوسبة عالية الأداء في (سابك)، وكيف تساعد على تحقيق أهداف الشركة ورفع معدلات الإنتاجية في المملكة.

"نحن نتطلع إلى إمكانياتنا من منظور الحوسبة، أي أننا نهتم بحلول جديدة من منظور الحوسبة عالية الأداء لتسريع تنفيذ المهام".

"علينا أن نمضي قدماً"

تمعن شولتز في كلمته الرئيسية في أهداف ومنطلق الحوسبة من مرتبة إكسا (exascale computing)، وكيف أن نظامها يتطلب نظام حوسبة إيكولوجي كامل يسانده.

قال شولتز: "من المذهل رؤية الكثير من المهتمين بالحوسبة عالية الأداء في الشرق الأوسط. عالمياً، يجب علينا أن نعرف ما نريد إنجازه في مجالات محددة. حالياً، تجري الحواسب الفائقة ما يتراوح بين 20 و100 بيتا فلوبس (عملية نقطة عائمة لكل ثانية) بحسب مقياس الحواسب عالية الأداء (Linpack)، ويتيح الاستثمار في البرمجيات إجراء تحسينات رياضية وتغييرات في الهيكلية. ولا أعرف كيف سيكون شكل تلك الهيكلية في غضون 5 أو عشر سنوات، ولكننا يجب أن نمضي قدماً بها".

وفي عرضه التقديمي، شرح محمد الربعة الأستاذ المشارك في قسم هندسة الحاسب الآلي في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن (KFUPM) بإيجاز كيف أسهمت التطبيقات الجديدة في وضع الحوسبة عالية الأداء في صدارة الحوسبة.

وقال: "لقد أسهمت التطبيقات الجديدة في نقل الحوسبة عالية الأداء من نطاق التطبيقات العلمية الضيقة إلى تطبيقات الاتجاه السائد كالسحابة ومعالجة الجيب والتعلم الآلي وعمليات البحث والتحليلات ومنطق الأعمال ...إلخ. لقد واصلت منصات الحوسبة تطورها باستمرار مع استمرار ظهور منصات جديدة".

كما سلط الضوء أيضاً على الدور المتزايد لمصفوفات البوابات المنطقية القابلة للبرمجة (FPGAs)، وهي دارة متكاملة يمكن تعريفها بعد تصنيعها. وأضاف: "عوضاً عن بناء رقاقة واحدة، يمكن حالياً استخدام بضع رقاقات، فهذا اقتصادي أكثر. ويقول عدة مديرين كبار مختصين بالتقنية العالية إن مصفوفات البوابات المنطقية القابلة للبرمجة (FPGAs) ستمثل 20 بالمئة من مراكز البيانات بحلول عام 2020".

عالم سريع التغيّر

ناقش جيف بروكس، مدير إدارة منتج الحوسبة الفائقة في "كراي" التطورات التقنية القادمة في السوق وعواقب ذلك على تصميم الأنظمة في حقبة الحوسبة من مرتبة إكسا.

قال بروكس: "ستصبح الأنظمة التي تحوي ملايين الأنوية أمراً مألوفاً. ونحن نسعى للاستثمار أكثر في عمل البيانات، وتحسين عمله وتكبير حجمه. ونريد أن نقرن بين التحليل والمحاكاة. وثمة شيء آخر قادم سيصبح أمراً مألوفاً. إنه الذاكرة الصغيرة السريعة، وهي أنظمة تحوي ملايين الأنوية. لقد بات العالم يتطور بخطوات متسارعة، ولكننا نستطيع من خلال العمل معاً إيجاد حلول للمشاكل التي عجزنا عن حلها سابقاً".

تقديم حلول علمية

ناقش جيف نيكولاس، المدير بالإنابة للمركز الوطني للعلوم الحسابية ومنشأة حوسبة القيادة الوطنية في مختبر أواك ريدج الوطني (ORNL) المجالات العلمية العديدة التي تتطلب منهجية متكاملة والجهود اللازمة لإنشاء نظام إيكولوجي من مرتبة إكسا يتيح تقديم حلول عملية ناجعة في مجموعة واسعة من الاختصاصات.

"ينبغي أن نفكر كيف يتم وصلنا بالبيانات التي يجري توليدها من الحساسات التي تحيط بنا. وتزودنا "بيئة الحساب والبيانات من أجل العلوم" ببنية تحتية مشتركة تساعدنا على إيجاد حلول لمشاكل علمية كبيرة. ونسعى لوصل بياناتنا إلى معلوماتنا حاسوبياً من القمة إلى القاعدة".

وأضاف: "علينا أن نفكر بنوع البيانات التي ننشرها فعلياً على هذه الأنظمة. ويُعدّ هذا من سيناريوهات تدفق سير العمل المركبة جداً التي ينبغي أن نخرج بها. لدينا أربعة ركائز هي: تطوير التطبيق وتقنية البرمجيات وتقنية المعدات الحاسوبية والأنظمة من مرتبة إكسا. وتعمل منشأة حوسبة القيادة في أواك ريدج على مسار محدد جيداً وصولاً إلى مرتبة إكسا. ونحن مهتمون بأن يقدم نظامنا الإيكولوجي علوماً هامة وحاسمة للأمة والعالم".

وتحدثت باتريسيا دامكروغر نائب رئيس مجموعة مركز البيانات في "إنتل" عن اقتراب ظهور المحاكاة والبيانات.

وقالت: "نتطلع في إنتل إلى النظام الإيكولوجي بأكمله. ستظهر أنظمة وحمولات عمل جديدة، ويجب أن ندرك الهيكل الداعم والمعدات الحاسوبية اللازمة لتشغيل هذه الأنظمة. ويمكن تلخيص المسألة بكيفية إنشاء هيكل مشترك للبيانات والمحاكاة. فالعالم يتغير، ولا شك بأننا سنغرق في بحر البيانات من دون التحليل وحمولات الذكاء الصناعي".

تثقيف علماء الحوسبة

افتتح فويت الجلسة العامة الختامية للفعالية بعرضه التقديمي الرئيسي الذي عنوانه "تثقيف علماء الحوسبة". وركزت كلمته على تقديم منظور تاريخي لتحديات تثقيف علماء الحوسبة المستقبليين استناداً إلى تجربته المهنية.

قال فويت: "يمكن القول إن الحوسبة العلمية بدأت في خمسينات القرن العشرين، وجرى الاعتراف بعلم الحوسبة في 1982. وتأخذ العلوم الحاسوبية على عاتقها اختصاصاً خاصاً بها، وهناك فرصة للتعلم عن جوانب العلوم الحاسوبية من خلال استكشاف عمليات البحث متعددة الاختصاصات".

وأضاف: "تنطوي العلوم الحاسوبية على تكامل بين المعرفة والمهنجيات. وهناك حالياً زيادة هائلة في حجم البيانات ومجالات جديدة في العلوم والهندسة. وهناك أيضاً هياكل حواسب آلية سريعة التغيّر".

كان اليوم الثالث من المؤتمر حافلاً بجلسات تعليمية حول المواضيع التقنية الهامة الناشئة ومنها استخدام مسرعات الحساب (معالجات الكزيون وفاي ووحدة معالجة البيانات) والحوسبة المتوازية وتطبيقات الحوسبة عالية الأداء والتعلم المتعمق.

​​​​​​​​