Top

كاوست تقود جهود تهجين الشعاب المرجانية لدعم استدامتها في المملكة وحول العالم

صورة من داخل مختبر الشعاب المرجانية في كاوست.

تعاني الشعاب المرجانية في معظم أرجاء العالم من التدهور. حيث شهدت البحار والمحيطات اختفاء نصف الغطاء المرجاني لها خلال الخمسين عامًا الماضية. ويقدر العلماء أن يصل معدل نفوق المرجان إلى 90 في المائة في حال ارتفعت درجة حرارة المناخ العالمي درجتين مئويتين. وهذا يدق ناقوس الخطر لتأثيرات عميقة على البيئة البحرية حول العالم، حيث أن الشعاب المرجانية هي بيئة حاضنة لما يقرب من ثلث المخلوقات البحرية، كما أن ما يقرب من مليار شخص يعتمدون عليها في معيشتهم.

تعتمد الشعاب المرجانية على علاقتها التكافلية مع طحالب "السوطيات الدوارة" الضرورية جدًا لبقائها على قيد الحياة. وتعيش هذه الطحالب داخل الخلايا المرجانية، وتزودها بما يكفي من منتجات التمثيل الضوئي لتغطية معظم احتياجاتها. وهكذا، تزدهر الشعاب المرجانية، وتُشكل بيئة بحرية غنية بالحياة أشبه بالغابات المطيرة تحت الماء. ولكن عندما تنهار هذه العلاقة التكافلية، كما هو الحال مع ارتفاع درجات الحرارة، تقوم الشعاب المرجانية بالتخلص من الكائنات المتعايشة معها، وتستبدل ألوانها باللون الأبيض الفاتح، وهي ظاهرة تعرف باسم ابيضاض المرجان. وعند حدوث ذلك تفقد الشعاب المرجانية مصدرها للغذاء، وتموت في نهاية المطاف.

ومع ذلك، فإن بعض الشعاب المرجانية تزدهر في درجات الحرارة المرتفعة، خاصة تلك الموجودة في المياه الدافئة مثل البحر الأحمر. وهو أمر يعكف على دراسته بعض باحثي جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، مثل البروفيسور مانويل أراندا، الذي توضح أبحاثه في هذا المجال أن بعض أنواع المرجان الموجودة في الخليج العربي هي أكثر تحملاً لدرجات الحرارة المرتفعة من تلك الموجودة في أجزاء أخرى من العالم مثل المحيط الهندي. ويكمن هذا الاختلاف في طبيعة التركيبة الجينية لهذه الشعاب. لذلك يقوم الباحثون يتزاوج هذه الشعاب المرجانية وتهجينها مع مرجان من أجزاء مختلفة من العالم على افتراض أن السلالة الناتجة ستكون أكثر مقاومة للحرارة مما لو تم تهجينها مع المرجان الموجود في الأماكن الأكثر برودة.;

يقول البروفيسور مانويل أراندا "المشكلة التي نواجهها في تجاربنا لتزاوج وتفريخ المرجان هي أن مستعمرات المرجان المختارة من أماكن مختلفة لا تُفّرخ عادة في الوقت ذاته. ومع ذلك، وباستخدام أنظمة تفريخ المرجان المتطورة لدينا، يمكننا توقيت ذلك مهما اختلفت مستعمرات المرجان".

إحدى تجارب المرجان في مختبر الشعاب المرجانية في كاوست.

ويتوقع باحثو كاوست إمكانية تحديد الجينات التي من المرجح أن تكون مسؤولة عن مقاومة درجات الحرارة لدى المرجان وبالتالي عزلها باستخدام تقنية تسلسل الجينوم المتقدمة في المختبر الأساسي للعلوم الحيوية في كاوست. ويمكن استخدام هذه المعلومات لزيادة مقاومة المرجان لعوامل تغير المناخ "من خلال التفريخ الانتقائي عن طريق تهجينها مع مستعمرات مرجانية من بيئات أكثر دفئًا" كما يقول أراندا .

يدرس علماء كاوست الجينوم المرجاني، الذي يبلغ حجمه حوالي ثلث حجم الجينوم البشري، بحثًا عن الجينات المناسبة التي تمنح الشعاب المرجانية مقاومة أعلى. ومع ذلك، تعتمد هذه التجارب على معدل التفريخ، ومعظم أنواع المرجان تفرخ مرة واحدة في السنة، مما يمنح العلماء نافذة قصيرة لجمع الأمشاج واليرقات لإجراء تجاربهم، وقد يتوجب عليهم الانتظار حتى العام المقبل في حال فشلت جهودهم.


البروفيسور أراندا (يمين) والعالم برايتو (يسار) في أثناء إحدى تجارب الشعاب المرجانية.

يشار إلى أن مختبر الموارد الساحلية والبحرية في كاوست، والذي يعمل فيه البروفيسور أراندا يمتلك تقنيات وأنظمة متطورة للحفاظ على تكاثر المرجان، ويمتلك المساحة والمرافق والوصول المباشر لمياه البحر، والتي بدورها تمكن العلماء أصحاب الخبرات الكبيرة مثل هايلي روبرتس خبيرة أحواض السمك من إجراء أبحاث عالمية متميزة.

يقول أراندا "قد يستغرق الأمر سنوات عديدة لتطوير المعرفة اللازمة لدعم الشعاب المرجانية في مثل هذه البيئة الخاضعة للرقابة، إلا أن مختبر الموارد الساحلية والبحرية في كاوست يضم أشخاصاً يتمتعون بخبرات ومهارات متميزة لدعم العديد من المشاريع البحثية المتخصصة في البحر الأحمر".

حاليًا، يقوم فريق أراندا بدراسة نوعين من الشعاب المرجانية التي تعيش حول سواحل شبه الجزيرة العربية مع التخطيط للتوسع وإضافة ستة أنواع أخرى. وفي نهاية المطاف، سيتم إدخال نسل المرجان الذي يتمتع باللياقة الوراثية الصحيحة إلى البيئات البحرية التي تعاني ارتفاع درجات الحرارة كاستراتيجية لحماية الشعاب المرجانية واستعادتها.

يقول أراندا "ينصب تركيزنا في الوقت الحاضر على البحر الأحمر، ولكننا نهدف إلى العمل مع مجموعة من الباحثين الدوليين حتى تستفيد المشاريع المماثلة في جميع أنحاء العالم من جهودنا وخبراتنا في ترميم الشعاب المرجانية".