التحق بالجامعة
الانتقال إلى الجامعة
انضم إلينا
وظائف أعضاء هيئة التدريس
رؤيتنا
المجلة العلمية
يمثل تدهور جودة الهواء تحديًا كبيرًا في كثير من الدول، بما في ذلك المملكة العربية السعودية. فالمُلوِّثات قد تنبعث مباشرةً من مصادر طبيعية مثل الغبار المعدني المحمول بالرياح، وجزيئات التربة المنقولة، والرماد البركاني، وحرائق الغابات، وحبوب اللقاح. كما تنبعث من الأنشطة البشرية مثل الانبعاثات الصناعية والزراعية، وعوادم السفن والسيارات، وعمليات الطهي وحرق الكتلة الحيوية.
وفي هذا السياق، يعمل باحثو جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) على معالجة تلوث الهواء في المدن، وتحديد المخاطر المرتبطة به من خلال دراسة مصادر الجسيمات العالقة في الهواء وتركيبها الكيميائي وتأثيرها في صحة الإنسان، واستكشاف كيف يمكن للتصميم الحضري تحسين جودة الهواء.
ويقول البروفيسور تشاك تشان، خبير كيمياء التلوث وأستاذ متخصص في علوم الغبار الجوي وجودة الهواء في كاوست "العديد من الملوثات تتكون في الغلاف الجوي، وتُعرف بالملوثات الثانوية. فعلى سبيل المثال، تُطلق النباتات مركبات عضوية متطايرة (VOCs) يمكن أن تتحول إلى كميات كبيرة من الغبار العضوي الثانوي عند تعرضها لأشعة الشمس".
يركز فريقه البحثي على دمج المحاكاة المخبرية للتفاعلات الجوية مع القياسات الميدانية لفهم مصادر وآليات تكوين الجسيمات الدقيقة (PM)، والتي تُعد أحد المكونات الرئيسة لتلوث الهواء.
تتكون هذه الجسيمات من خليط معقد من دقائق صلبة وقطرات صغيرة سائلة، وجسيمات فائقة الدقة تُعتبر الأخطر لقدرتها على التغلغل عميقًا في الجهاز التنفسي وارتباطها بأمراض الجهازين التنفسي والقلبي الوعائي والسرطان واضطرابات الجهاز العصبي.
ويضيف تشان "الفهم الأفضل لآليات تكوين هذه الجسيمات سيساعد صانعي القرار على تطوير استراتيجيات لضبط انبعاثات الملوثات الأولية مثل ثاني أكسيد النيتروجين وثاني أكسيد الكبريت والمركبات العضوية المتطايرة، ما يساهم في خفض تكوّن الجسيمات الدقيقة والأوزون، وتحسين جودة الهواء وحماية الصحة العامة".
بالتعاون مع باحثين في مركز التميّز للصحة الذكية في كاوست، يعمل فريق تشان على تطوير نماذج خلوية وحيوانية لدراسة كيفية تأثير الملوثات الهوائية على صحة الإنسان. ويقول مدير المركز، البروفيسور عماد غالوزي "تقوم النماذج التقليدية في المختبر على تعريض أنماط الخلايا لجسيمات نقية من الغبار الجوي، لكن الواقع مختلف؛ فالإنسان يستنشق هذه الملوثات مختلطة مع العديد من المواد الأخرى، وتُرشّح جزئيًا عبر الأنف والرئتين".
ويوضح غالوزي "هدفنا فهم كيف تثير هذه الملوثات استجابات بيولوجية لدى الأشخاص كخطوة نحو تطوير علاجات شخصية. لدينا إحصاءات واسعة عن انتشار الأمراض، خصوصًا أمراض الجهاز التنفسي، وعلاقتها بالقرب من المناطق الملوثة، لكننا لا نعرف بدقة كيف تحدث هذه الإصابات، ولماذا بعض الأشخاص أكثر عرضة من غيرهم".
في دراسة إثبات المفهوم، سيعرّض الباحثون خلايا الرئة مباشرةً لدخان السجائر لفحص تأثيره على الجينات وجوانب أخرى من استقلاب الخلايا. كما سيمتد البحث لاستكشاف تأثير التلوث على حالات محددة مثل إصابات العضلات وشيخوخة الدماغ، مع دراسة إمكانات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في التنبؤ بالمخاطر الصحية والتقليل منها.
يأمل البروفيسور غالوزي أن توفر هذه النتائج أدلة تدعم صانعي القرار في الحد من الأضرار الصحية المرتبطة بالتلوث الهوائي.
من جهته، يعمل البروفيسور سامي الغامدي وفريقه في "مختبر العمران" على تقديم حلول عملية لصانعي السياسات من خلال تكييف البيئة الحضرية للحد من تلوث الهواء. ويقول الغامدي "يعتمد عملنا على مزيج من الرصد البيئي، وتحليل دورة الحياة، والنمذجة على مستوى المدينة لتقييم استراتيجيات الحد من التلوث".
وفي مشروع مع هيئة تطوير منطقة مكة المكرمة، قيّم فريقه جودة الهواء باستخدام صور الأقمار الاصطناعية المدعومة بقياسات محطات الرصد الأرضية. وتمكنوا من تطوير مؤشر جودة هواء متعدد السنوات لتتبع الملوثات وتحديد مصادرها ورصد التغيرات بمرور الوقت، وأصبح التقرير مرجعًا للأنظمة الجديدة في المنطقة لتحسين جودة الهواء.
كما أنشأ المختبر نماذج حسابية متقدمة للتنبؤ بتأثير استراتيجيات التخفيف المختلفة، مثل زراعة الأشجار، في سيناريوهات متعددة. ويشرح الغامدي "لدينا نماذج متطورة يمكنها توقع مدى مساهمة أنواع الأشجار المختلفة في خفض درجات الحرارة. ونحن في المراحل الأولى لتطبيق الأمر نفسه على جودة الهواء".
كما يدرس الفريق كيف يمكن لأنظمة التنقل منخفضة الكربون — مثل البنية التحتية الملائمة للمشاة، والنقل العام الكهربائي، وشبكات متكاملة للدراجات الهوائية— أن تؤثر في جودة الهواء، بما في ذلك الحد من الانبعاثات عبر تقليل استخدام المركبات الخاصة.
ويؤكد الغامدي أن التصميم الحضري للمدينة له تأثير مباشر على جودة الهواء "تصميم المدينة، من مساحاتها المسطحة وناطحات السحاب إلى مواقع الصناعات والمساحات الخضراء، يؤثر في حركة الهواء ومن ثم في جودة الهواء. على سبيل المثال، إذا كان مصنع إسمنت أو محطة كهرباء في شمال المدينة والرياح تهب من الشمال للجنوب، فإن ذلك سيؤثر حتمًا على جودة الهواء. لذا نحرص في تخطيط المدن على أن تُنشأ هذه المرافق في أماكن لا تضر بالبيئة الحضرية".
ويختم الغامدي بالقول "يمكن أن تكون مدن المستقبل أكثر صحة وصموداً وقابلية للعيش من خلال توفر الهواء النظيف، والطاقة النظيفة، والبنية التحتية الذكية، والوصول العادل للمساحات الخضراء. نحن نتخيل أحياءً مدمجة متعددة الاستخدامات تُصمم فيها أنظمة التنقل والسكن والخدمات العامة لتقليل الانبعاثات وتعزيز رفاهية السكان".