Top

بين الصخور والفنون

إيفان غرومِتشو، وهو رسام علمي في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، يستكشف منطقة ميسان غرب المملكة العربية السعودية، كجزء من رحلته لتسلق الصخور في المملكة.

-بقلم ديفيد مورفي, من أخبار جامعة الملك عبدالله

يعمل إيفان غرومِتشو رساماً علمياً في فريق خدمات نشر الأبحاث RPS في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، على تحويل نتائج الأبحاث واكتشافات أعضاء هيئة التدريس في الجامعة من مجرّد أرقام ومعادلات صامتةحيث يقوم بتحويل نتائج الأبحاث واكتشافات أعضاء هيئة التدريس في الجامعة من مجرّد أرقام ومعادلات صامتة إلى أشكال بصرية حيوية، تمهيداً لإدراجها في المجلات العلميّة المحكِّمة. ومن خلال عمله عن كثب مع أعضاء هيئة تدريس الجامعة، يقدّم إيفان رسوماً مميّزة لمنشوراتهم في المجلات العلمية الدولية الرائدة مثل Cell وNature وScience وACS.

تلقّى غرومِتشو، الذي انضم إلى جامعة الملك عبدالله في سبتمبر 2014، تدريباً على فهم الأفكار العلمية المعقدة وتحويلها إلى صور يسهل فهمها. وكجزء من فريق خدمات نشر الأبحاث المؤلف من ثلاثة أشخاص، يعمل هو وزملاؤه بشكل منتظم على إظهار مواطن القوة والجمال الكامنين في اجتماع العلم مع الفن.

ويرى إيفان المواطن البرتغالي المولود في مدينة توريس فيدراس قبالة المحيط الأطلسي، على بعد 50 كيلومتراً شمال العاصمة لشبونة، أن الفضل في مهنته ومهاراته الحالية يعود إلى عائلته.

يقول: "والدتي معلمة، ووالدي نحات ورسام، وكانت جدتي رسامة. وأعمامي مصممين غرافيكين ومصورين، لذا كان من السهل أن أصاب بعدوى الفنّ من سن مبكرة".

إلى جانب شغفه بدمج العلوم والفنون، يمتلك غرومِتشو شغفاً آخر هو تسلق الصخور، الذي استطاع أن ينميه خلال فترة وجوده في المملكة. حيث يتوجه دائماً ففي أوقات فراغه الى منطقة نائية من المملكة لتسلق التكوينات الصخرية الطبيعية والجدران الصخرية الداخلية التي تحتويها طبيعة المملكة العربية السعودية.

إيفان غرومِتشو يتسلق صخرة في وادي القمر في المملكة العربية السعودية.

 ​
يقول غرومِتشو بحماسة: "أحب الرياضات الخارجية والطبيعة، خصوصاً رياضة تسلّق الصخور لأنها تعلمك الصبر والتحمل ومواجهة التحديات. قبل أن تنجح في تسلق الجبل، يتعين عليك التدريب لساعات وساعات".

الوصول إلى القمة

تعدّ رياضة تسلق الصخور امتحاناً لقوة المتسلق، ومدى تحمله، وخفة حركته، وتوازنه وقدراته العقلية. ويعتقد غرومِتشو أن التسلّق الناجح يحتاج إلى قوة وتوازن وتركيز ذهني ومرونة وتنسيق وتكنيك.

ويشدّد غرومِتشو على أنّ: "التسلّق رياضة كاملة. فإذا تعلمت تقنيات السلامة الأساسية يمكنك تقليل المخاطر إلى 100 بالمئة تقريباً. اكتسبت رياضة تسلق الصخور شعبيةً واسعة على مر السنين، وفي الآونة الأخيرة أصبحت رياضة أولمبية. وفي طوكيو 2020 سنرى تسلق الصخور في الأولمبياد. هناك ثلاثة مهارات في هذه الرياضة: تسلّق الجدران، تسلق الصخور الكبيرة، والسرعة".

فريق من هواة رياضة التسلق من جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية ومدينة جدة أثناء رحلة تسلق حول تشكيل صخري في مدينة تنومه، المملكة العربية السعودية.

بدأ غرومِتشو رحلته في تسلّق الصخور في العام 2001، ومثل معظم المتسلقين، أصبح يعشق هذا التحدّي. يقول: "كنت أتدرب على التسلق الداخلي والخارجي بعد المدرسة وفي عطل نهايات الأسبوع. وعملت أيضاً ولسنوات عديدة في مجال استخدام الحبال: تركيب الألواح الخارجية، صيانة المباني، أداء المشاهد الخطيرة للسينما والإعلان، الإنقاذ، إلخ. وعندما ذهبت إلى الجامعة، بدأت في دراسة الجيولوجيا، وأصبحت تركيزي منصباً على التسلق الرياضي مثل تسلّق الصخور وتسلق الجدران".

استكشاف المملكة العربية السعودية 

توفر المناظر الطبيعية الجميلة والمتنوعة في المملكة العربية السعودية بيئة مثالية للتدرب على رياضة تسلق الصخور. الصورة لمنطقة مستورة في المملكة العربية السعودية.

عندما لا يتسلق غرومِتشو، فإنّه يمضي عطلات نهاية الأسبوع في السباقات الصحراوية التي تنظمها مجموعة "حجاز ألترا". يمكن أن تتفاوت السباقات ما بين 10 كيلومترات وصولاً إلى نصف ماراثون وماراثون كامل، و50 كيلومتراً، و100 كيلومتر. وهو يستمتع أيضاً بالتخييم في البرّ السعودي، والملاكمة التايلاندية، وركوب الدراجات، والسباحة واستكشاف العديد من الشعاب المرجانية في الساحل، وغيرها من الرياضات.

عند انضمامه إلى جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، وجد غرومِتشو مجموعة من الهواة السعوديين الذين شاركوه في حب رياضات الهواء الطلق واستكشاف مساحات شاسعة من البلاد. يقول: "وجدت مجموعة من المتسلقين السعوديين على وسائل التواصل الاجتماعي وتواصلت معهم وطلبت منهم الانضمام إلى بعض أنشطتهم. تضمّ مجموعتنا حوالي 10 متسلقين من جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية و10 من جدة. نخرج معاً ونستكشف العديد من الأماكن، ونحدّد المناطق على خرائط غوغل، ونبحث باستمرار عن مناطق جديدة".


هواة تسلق الصخور من جامعة الملك عبدالله وجدة يقفون عند تشكيل صخري في منطقة ميسان في المملكة العربية السعودية.

وأضاف غرومِتشو: "بعد مرور عام ونصف، أصبحنا جميعاً أصدقاء ولدينا أماكن محددة نذهب إليها كثيراً لنتسلّق. وفي كل أسبوع تقريباً يأتي أعضاء من جدة ليتدرّبوا ويتسلّقوا الصخور في الجامعة. ونحن نتدرّب معاً كلما سنحت الفرصة ثم نذهب إلى الصحراء في عطلات نهاية الأسبوع".

ويقول: "الطبيعة في المملكة جميلة. ففي الشعاب المرجانية يمكنك السباحة مع أسماك قرش الحوت والدلافين وممارسة الرياضات المائية. وفي الصحراء يمكنك الذهاب للتخييم. وفي البرّ يمكنك زيارة البراكين ومشاهدة الحياة البرية. رأينا الضفادع والسحالي والثعابين والقرود البرية والطيور والماعز والجِمال، ونعلم أن هناك نموراً وضباعاً في مكان آخر نذهب إليه عادة. السكان المحليون الذين نلتقي بهم دائماً ودودون وأهل كرمٍ لدرجة أنهم ويقدمون لنا الطعام والماء والمساعدة كل مرة".


نشاط متواصل

تشكل التضاريس الطبيعية في منطقة مستورة، منطقة مثالية لرياضة تسلق الصخور.

على الرغم من أن رياضة تسلق الصخور في المملكة لا تزال في مراحلها الأولى، إلا أن الوعي العام بهذا النشاط قد ازداد جزئياً بفضل الجهود التي بذلها مشاهير تسلق الجبال المشهورين مثل، الأمير بندر بن خالد بن فهد آل سعود، فاروق بن سعد بن حمد الزومان، رها محرّق، وياسمين القحطاني.

فقد أصبح الزومان في 2008 أول سعودي يتسلق قمة إفرست على ارتفاع 8848 متراً، وبعد أربع سنوات أصبح الأمير بندر بن خالد السعودي الثاني التي يصل إفرست وأول سعودي يتسلق قمم العالم السبع، وهي أعلى الجبال في القارات السبع. وفي 2013 أصبحت رها محرّق أول سيدة سعودية وأصغر عربية تصل قمة إفرست. والتحقت ياسمين القحطاني، أول مدربة تسلق صخور سعودية، مؤخراً بالاتحاد السعودي للتسلق وباللجنة الأولمبية السعودية كعضو في مجلس الإدارة، وهي مسؤولة عن مشاريع متعددة تهدف إلى توسيع نطاق انتشار رياضة التسلق في المملكة.

الرسام العلمي إيفان غرومِتشو، في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية مع فريق من متسلقي الصخور من جدة والجامعة لاستكشاف مناطق التسلق العديدة في البلاد.

ويرى غرومِتشو أن مستقبل رياضة تسلق الصخور في المملكة واعدٌ جداً، وأن العديد من السعوديين يرغبون في ممارسة هذه الرياضة. يقول: "رياضة التسلّق هي في بداياتها هنا، لكنها تتطوّر بسرعة كبيرة. قريباً سيكون من الممكن مزاولتها وتطويرها على أعلى مستوى. من الرائع أن تكون جزءاً من هذه الرياضة الشعبية. هناك الكثير من الإمكانات في هذا البلد الجميل، وأشعر بدهشة عارمة كلّما ذهبنا لاستكشاف مناطق جديدة. أنا أؤمن بالمستقبل، وسيأتي يومٌ نرى فيه نجوم محترفين في رياضة التسلّق من المملكة العربية السعودية".