Top

مضخة كربون بحرية بيولوجية تكافح تغير المناخ

صورة من الرحلة الاستكشافية. تصوير: جوان كوستا ، CSIC

ثمّة لغز في أعماق البحار كان قد حيّر علماء المحيطات لسنوات مديدة: ما الذي يجعل أعماق البحار تحتجز كميات أكبر من الكربون مقارنة بالمناطق الأكثر إضاءة وضحالة؟

واليوم حصلنا على الإجابة بفضل جهود فريق بحثيّ يقوده البروفيسور كارلوس دوارتي، الأستاذ المتميز في علوم البحار وأستاذ كرسي أبحاث طارق أحمد الجفالي لعلوم بيئة البحر الأحمر في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست): هناك كتلة حيوية أكبر بكثير مما كان متوقعاً في السابق.

ففي أعمق أعماق المحيط تجري آليات تعمل وكأنها مضخة، تتخلص من ضعفي ما كان متوقعاً من كمية كربون الغلاف الجوي.

يقول دوراتي: "سبق أن نشرنا في العقد الأول من القرن تقديرات أولية، تشير إلى أن التنفس في أعماق البحار كان أكبر بكثير من تقديرات الكربون، التي توفرها المنطقة العلوية المضاءة من المحيط، ولكن مصدر الكربون الذي يدعم النشاط البيولوجي في أعماق البحار ظل غامضاً".

قاد دوارتي بعثة استكشافية عالمية لاستكشاف أعماق المحيط باسم "بعثة مالاسبينا الجوّالة". انتشرت هذه المجموعة في 146 موقعاً حول العالم، باستخدام تقنية صوتية جديدة ورائدة للحصول على تقديرات للكتلة الحيوية الحيوانية الموجودة في المناطق العميقة من البحر، والتي لا يمكن الوصول إليها باستخدام المعدات الصوتية القياسية لدى السفن. كانت العيّنات في العادة تؤخذ من أعماق المحيطات باستخدام الشباك، وهو أمر مكلف ومرهق وقد يؤدي إلى نتائج مشوشة. فيما قارن علماء بعثة ملاسبينا بين بعض عينات الشبكة وبين مسبار "دوبلر" للتحليل الصوتي الفعّال، الذي تم تدليته لجمع عينات مياه حتى عمق 4 آلاف متر.

ما وجدوه هو أن الكتلة الحيوية للكائنات البحرية في أعماق البحار (أي التي تعيش في عمود الماء، وليس في القاع أو على الشاطئ) أكبر بكثير مما كان يُعتقد سابقاً، لا سيما تحت مياه المحيط المنتجة للعضويّات.

يقول سانتياغو هيرنانديز ليون، من جامعة لاس بالماس دي غرجران كناريا، الذي قاد هذا البحث تحديداً: "لقد آتت جهودنا الإبداعية ثمارها، حيث لاحظنا لأول مرة وجود أدلة صوتية عالية على وجود كتلة حيوية كبيرة أسفل الموجات الصاعدة في خط الاستواء في المحيط الهادئ، بعمق يصل إلة 4 آلاف متر".

يُذكر أنّ التقديرات السابقة لكيفية دعم الحياة في مناطق المحيط الأعمق- المتوسطة والعميقة- كان يدعمها إنتاج التمثيل الضوئي في المياه العليا، وتستند إلى جزيئات غارقة بشكل سلبي، حيث يصل جزء صغير منها إلى المحيط المظلم. لكن مع أخذ عينات أكثر فعالية، أظهرت بعثة دوارتي أن حيوانات أعماق البحار تهاجر، قادمة إلى المناطق الضحلة للتغذية ومن ثمّ نقل الكربون إلى أعماق البحار عند عودتها إلى موطنها. وتضيف البروفيسورة سوزانا أجوستي، بروفيورة في قسم علوم البحار في كاوست، والمؤلفة المشاركة في الدراسة: "سبق أن قدّمنا أدلة على توصيل المواد العضوية إلى أعماق البحار بأسرع مما كان يعتقد أنه ممكن، واستناداً أيضاً إلى نتائج بعثة مالاسبينا، فإنّ النتائج الحالية تؤكّد الآن على هذه الآلية، وعلى النقل النشط بواسطة بعض الحيوانات".

وعلى الرغم من أن أعماق البحار تُصوَّر غالباً على أنها بيئة نائية وغريبة، إلا أنها في الواقع لا تبعد سوى 1000 متر عن السطح. تهاجر هذه الحيوانات - ومعظمها من العوالق الحيوانية وعشاري الأرجل والأسماك- صعوداً وهبوطاً يومياً لتتغذى. وهذا يعزز احتجاز الكربون، ويساعد في تفسير التنفس الزائد الذي كان غامضاً حتى الآن، في أعماق البحار. تضيف هذه الآلية مكوناً جديداً نشطاً إلى ما يسمى بـ"مضخة الكربون البيولوجية"، وتشير إلى الكربون العضوي الناتج عن عملية التمثيل الضوئي في المنطقة العليا من المحيطات، والمخزن في أعماق البحار.

كما يفضي هذا البحث معاني لتغير المناخ. نحن نعلم الآن عن وجود كتلة حيوية أكبر في أعماق المحيط، وأن هذه الحيوانات تضطلع بدور في نقل الكربون إلى طبقات المحيط، حيث سيتم تخزينه لمئات السنين. وبالتالي، هناك إمكانية لتنشيط مضخة الكربون البيولوجية هذه، للمساعدة في سحب الكربون من الغلاف الجوي واحتجازه.

يقول دوارتي: "تشير نتائجنا إلى أن هناك سُبلاً لتعزيز احتجاز الكربون في المحيطات، من خلال تفعيل دور الحيوانات البحرية الكبيرة، والتي تستحق نظرة فاحصة لتعزيز جهودنا الرامية للتخفيف من تغير المناخ".