Top

"القص والتعديل والتنمية" باستخدام أساليب تعديل الجينات لتحسين الأمن الغذائي

باحثو كاوست، ومنهم أعضاء في المجموعة البحثية للأستاذ المشارك مجدي محفوظ، يعملون على تحسين أدوات تعديل الجينات من أجل الهندسة الحيوية للمحاصيل. صورة الملف.

-بقلم سونيا توروسينسكي، أخبار كاوست

يمثل ازدياد عدد سكان العالم وتغير المناخ تهديداً كبيراً على الأمن الغذائي. ويقدر الخبراء أن عدد سكان العالم سيبلغ 9.7 مليار نسمة بحلول 2050 مع درجات حرارة أعلى وتغيرات في هطول المطر تؤثر سلبياً على غلال المحاصيل في مناطق عدة.

وتتطلب مواجهة هذه التهديدات من باحثي النباتات والمزارعين زيادة المحصول، أي مقدار الغذاء الذي ينتجه النبات.  مع ضرورة التقليل منالخسائر أيضاً بزيادة مقاومة المحاصيل للأمراض والعوامل البيئية المتغيرة. وتعتبر هندسة الجينوم من أكثر الحلول الواعدة لهذا التحدي الثنائي، وذلك عن طريق التعديل الجيني الذي يتيح إجراء تحسينات موجهة على الجينات الرئيسية المنظمة للعوامل التي تسهم في زيادة المحصول وتحمل الإجهاد.

باحثون يختبرون عينة نبات في إحدى منشآت الدفيئة في الجامعة. صورة الملف.


خلال العقود العديدة الماضية، أنجزت أساليب تعديل الجينات مثل "كريسبر/ كاس 9" ابتكارات كثيرة على صعيد الأبحاث والمصلحة العامة. وتستفيد هذه الأساليب المتطورة من الابتكارات المتواصلة والاكتشافات الناشئة التي حسنت خصائصها ووسعت نطاق استخداماتها من التعديلات الجينومية البسيطة إلى تعديل الرنا (RNA) وآلية تنظيم النسخ وحتى هندسة تحمل الفيروسات. وتعد تقنية "كريسبر" بحق  طفرة ثورية في الهندسة الوراثية كونها أحدثت تحولات واسعة النطاق في علم الأحياء.

مجدي محفوظ، الأستاذ المشارك في كاوست، مع فريقه البحثي من مختبر هندسة الجينوم في الحرم الجامعي. صورة الملف.

يعمل مجدي محفوظ، أستاذ علوم النبات المشارك في كاوست ورئيس مختبر هندسة الجينوم، وهو جزء من مركز الزراعة الصحراوية في الجامعة، وفريقه البحثي على تحسين خصوصية وإنجاز واستخدام أدوات تعديل الجينات من أجل الهندسة الحيوية للمحاصيل. وتعمل مجموعة محفوظ أيضاً على وضع طرائق جديدة ومبتكرة، ومنها هندسة مقاومة الفيروسات واستخدام هندسة الخط الإنتاشي في إنتاج محاصيل ذات مزايا زراعية أفضل كتحمل الحرارة والإجهاد الملحي ومقاومة الأمراض.

باحث من كاوست يعمل في مختبر هندسة الجينوم في الحرم الجامعي الذي يرأسه الأستاذ المشارك مجدي محفوظ. الصورة بعدسة سارة مونشي.

شحذ المقصات الجزيئية

عادة ما يستخدم التعديل الجيني باستخدام "كريسبر/ كاس 9 إنزيم كاس 9" باعتباره "مقصاً جزيئياً" لقطع الحمض النووي (DNA) في موقع محدد. وقد يعطل هذا القطع في الحمض النووي ثنائي الشرائط أحد الجينات، ويحدث طفرة جديدة بعد إصلاحه أو يفسح مكاناً لإدخال جين جديد.

وحول طريقة العمل، يُوجَّه أنزيم "كاس 9 " إلى موقعه المحدد بواسطة رنا (RNA) دليل؛ ويستطيع الباحثون بسهولة تحديد تسلسل هذه الرنا الدليل، ومن ثم توجيه "أنزيم كاس 9" إلى أية منطقة من الجينوم. لقد أحدث نظام كريسبر ثورة في أبحاث تعديل البيانات وأضفى عليها طابعاً ديموقراطياً بالاستغناء عن هندسة البروتين المعقدة، مما رفع السرعة والدقة وقلل التكلفة.

الأستاذ المشارك في كاوست مجدي محفوظ يعتقد أن تطبيقات تعديل الجينات تساعد على إعادة صياغة مستقبل الزراعة. الصورة مقدمة من شترستوك.

في  أنسجة الاختبار مثل أوراق النبات أو الجذور، يجري التعديل باستخدام "كريسبر/ كاس 9" في الخلايا بمفردها. ويُعدّ إنتاج نبات كامل من خلية واحدة معدلة تحدياً كبيراً، علماً أن هذا ممكن بسهولة في بعض المحاصيل، ولكنه يتطلب عملية استنبات نسيجي طويلة للنبات. وعلاوة على ذلك، فإنتاج أنزيم "كاس 9" في الخلايا يتطلب أحياناً إضافة حمض نووي (DNA) غريب.

لتسهيل إنتاج النباتات ذات الجينات المعدلة التي لا تحوي حمضاً نووياً (DNA) غريباً، يعمل محفوظ ومختبره على منصة جديدة لهندسة الخط الإنتاشي تستهدف خلية محددة وتغني عن عملية الاستنبات النسيجي التي تستغرق وقتاً طويلاً.

المجموعة البحثية لمجدي محفوظ، الأستاذ المشارك في كاوست، تعمل في هندسة الخط الإنتاشي لإنتاج نباتات ذات جينات معدلة لا تحوي حمضاً نووياً غريباً. الصورة مقدمة من شترستوك.

ويوضح محفوظ  بان الوضع الأمثل هو ألا يحمل النبات حمضاً نووياً غريباً. ويمكن، باستخدام هندسة الخط الإنتاشي، إدخال البروتينات التي جرت ترقيتها مباشرة إلى الخلية دون الحاجة إلى إضافة حمض نووي غريب. فالبروتين ينجز التعديل، ومن ثم يتلاشى. ويمكن إنجاز التعديل أيضاً باستخدام منهجية كريسبر التقليدية، ولكن إعادة إنتاج نبات معدل وفصل الحمض النووي الغريب يستغرق عدة أجيال. و يعتقد محفوط  أن هندسة الخط الإنتاشي توفر الكثير من الوقت والمال والجهد.

أشار مجدي محفوظ، الأستاذ المشارك في علم النبات في كاوست، إلى أن هندسة الخط الإنتاشي [للنبات] توفر الكثير من الوقت والمال والجهد. صورة الملف.

إشكالية الكائنات المعدلة وراثياً

تثير تقنية الاغذية المعدلة وراثيا الكثير من الجدل، وكان قرار صدر اخيرا عن محكمة العدل الأوروبية قد قضى بتصنيف المحاصيل التي أنتجت باستخدام "كريسبر/ كاس 9" ضمن المحاصيل المعدلة وراثياً، وإخضاعها لأنظمة صارمة في أوروبا. ولكن أوساط الأبحاث العلمية اعترضت على هذا القرار.

أثارت الكائنات المعدلة وراثياً، ومنها المحاصيل التي أنتجت من نباتات خضعت لهندسة حيوية، جدلاً عالمياً. الصورة مقدمة من شترستوك.

ويعلق محفوظ  على هذا الامر قائلاً: "لا ينبغي اعتبار المحاصيل المعدلة باستخدام "كريسبر" كائنات معدلة وراثياً، لأنها لا تحوي جينات منقولة من كائن آخر. ولا تحوي النباتات المعدلة سوى بعض التغييرات الجينية المشابهة للتغييرات التي تحدث بصورة طبيعية. فلن يكون لنباتين أُخذا من حقل واحد مثلاً تتاليات الدنا نفسها بدقة".

في الوقت الذي اتخذت فيه أوروبا منهجية محافظة أكثر، يباع الفطر المنتج باستخدام "كريسبر" في أسواق الولايات المتحدة الأمريكية.

يباع الفطر الذي أنتج باستخدام أسلوب تعديل الجينات "كريسبر" في المتاجر الكبرى في الولايات المتحدة الأمريكية. الصورة مقدمة من شترستوك.

وأشار محفوظ إلى أن تطبيقات [تعديل الجين] غير محدودة تقريباً. وأعتقد أن هذه الأدوات ستعيد صياغة مستقبل الزراعة ومعالجة الجينات. فأكثر من 20 إلى 30 بالمئة من الأمراض الوراثية سببها طفرات. لذلك، سيكون لمجرد القدرة على معالجة هذه الطفرات أثر كبير.

هناك جوانب أخلاقية ينبغي مراعاتها بالطبع، ولكن الفارق الكبير في التطبيقات الزراعية أن آلات تعديل الجينات دقيقة ويمكن فصل الجينات بحيث لا يحوي المحصول الناتج على أي حمض نووي غريب، ولن يمكن تمييزه عن الأصناف التقليدية".