Top

كاوست تحتفي بالنساء الرائدات

من اليمين: صفاء باعوض مديرة تنفيذية للمراجعة الداخلية في كاوست، ونازك العتاب، أستاذة مساعدة في الهندسة الكهربائية وهندسة الحاسب الآلي، وريم فيلبي، رئيسة مجمع الأبحاث والتقنية في كاوست.

كانت نازك العتاب في صغرها، تراقب والدها بانبهار عندما كان يقوم بإصلاح أي جهاز كهربائي في المنزل. ولم يكن إصلاح الأشياء هي كل ما أُعجبت به، بل مشاهدة علامات الرضا والبهجة التي كانت على وجه أبيها في أثناء عملية التصليح مهما كانت صغيرة.

تقول العتاب "كنت أطمح إلى تقليده، وأن أكون ماهرة في استكشاف الأخطاء وإصلاحها، وحل المشكلات، والوصول إلى مرحلة الرضا في إنجاز مثل هذه المهام. والآن، أقوم بذلك من خلال أبحاثي، والتي تهدف لتحسين حياتنا وجعلها أسهل وأكثر صحة وأمانًا".

وبتشجيع من والديها، بدأت العتاب في التخصص في هندسة الحاسب الآلي، لكنها لم تجد شغفها الحقيقي في هذا التخصص. وتغيّر ذلك عندما التحقت بدورة اختيارية في تقنية النانو، تقول "أذهلني التعرف على الدور المحوري الذي تلعبه تقنية النانو في التقدم التقني، وفي ارتباطها في العديد من التخصصات. لقد أصبحت متعلقة جدًا بهذا المجال. وكانت والدتي تخبرني دائمًا عن أن دراسة العلوم تمكن الفرد من إحداث تغيير في عالمنا. وكنت أرغب عندها في أن أكون جزءًا من ذلك".

نازك العتاب هي الآن مهندسة إلكترونيات دقيقة ناجحة وعضو هيئة تدريس في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست). وتتمحور أبحاثها الحالية مع فريقها البحثي على تطوير أجهزة ذاكرة ذكية متعددة الوظائف يمكنها استشعار المحفزات الخارجية ومعالجة البيانات في الموقع. وقد طوروا منهجًا متقدمًا لتحليل البيانات في الوقت الفعلي مع خفض استهلاك الطاقة وتقليل مخاطر النفايات الإلكترونية، ويساهم في استدامة الإلكترونيات. تقول "إنه مجال بحثي مهم وحيوي للعديد من التطبيقات الحديثة، مثل السيارات ذاتية القيادة، والذكاء الاصطناعي، وتقنية الواقع المعزز. لقد كان الدعم المستمر الذي تقدمه كاوست، على المستويين المهني والشخصي، مهمًا جدًا في تحقيق إنجازاتي حتى الآن".

مؤسسة أكاديمية مبتكرة وشاملة

الالتزام بالأبحاث متعددة التخصصات والابتكار والقيادة القوية هي في صميم رسالة كاوست منذ تأسيسها في عام 2009. حيث ارتبط اسم الجامعة اليوم بالريادة على المستوى الوطني في تعليم المرأة، خصوصًا في مجال العلوم والتقنية، إذ إن حوالي 40 في المائة من طلبتها هم من النساء، كما أن متوسط معدل مشاركة الإناث في برامج ريادة الأعمال لديها يبلغ 51 في المائة. كما تشكل الجامعة، جنبًا إلى جنب مع مجمع الأبحاث والتقنية في حرمها والشركات التابعة لها، مجموعة شاملة ومتقدمة من المؤسسات والمرافق التي تشجع تكافؤ الفرص للجميع، بغض النظر عن الجنس أو الخلفية العلمية أو التخصص الوظيفي.

تسعى كاوست جاهدة إلى استقطاب أعضاء هيئة التدريس من النساء وتعيينهن في مناصب قيادية. وتستضيف الجامعة ورش عمل منتظمة وفعاليات للتواصل، بما في ذلك ورشة العمل السنوية للمرأة في العلوم والهندسة(WISE) ، وهو حدث يضم حلقات نقاش لباحثات ومهندسات مشهورات عالميًا. علاوة على ذلك، توفر الجامعة الدعم المستمر للطالبات الخريجات، وتزودهم بالمهارات اللازمة لممارسة حياتهم المهنية في مجالات العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات.

شُعلة الفضول

انضمت ريم فيلبي إلى كاوست قبل 14 عامًا، وكانت تعمل بمنصب مسؤول العمليات التجارية، وأكثر ما جذبها في الجامعة كان فرص التطوير المهني والدعم العملي المقدم للنساء، وبالإضافة إلى أسلوب الحياة الصحي في الحرم الجامعي. وهي الآن ترأس مجمع الأبحاث والتقنية في كاوست، حيث تُشرف على ترجمة الاكتشافات العلمية إلى تقنيات متقدمة.

تقول فيلبي "يلهمني مشاهدة كيف تتطور الأفكار من الجامعة إلى تقنيات عالية القيمة تُثري السوق، وتعزز اقتصاد المملكة العربية السعودية. ويعد مجمع الأبحاث الخاص بنا جزءًا من نظام بيئي نابض بالحياة يدعم هذه الدورة، ويوفر منصة اختبار لهذه التقنيات. وتقدم كاوست مجموعة غنية ومتنوعة من الوظائف للنساء، وتوفر فرصًا متميزة لهن في البحث العلمي وريادة الأعمال والإدارة".

تعمل فيلبي على صقل مهاراتها حتى خارج نطاق مكان العمل باعتبارها تهوى الرحلات الاستكشافية. في عام 2023، كانت فيلبي واحدة من أربعة مشاركين في رحلة "قلب الجزيرة العربية"، وهي رحلة من الساحل الشرقي إلى الساحل الغربي للمملكة، وكان معظمها سيرًا على الأقدام لتتبع الطريق الرائد الذي سلكه جدها المستكشف البريطاني هاري سانت جونز (عبد الله) فيلبي. قام فريق الرحلة بجمع بيانات عن التنوع البيولوجي المحلي، بما في ذلك الكائنات الحية الليلية مثل الخفافيش، وكانت هذه الرحلة فرصة لتجربة تطبيق جديد يراقب صحة الإنسان في البيئات القاسية.

تقول فيلبي "تعد الرحلات الاستكشافية طريقة رائعة لصقل مهارات القيادة والعمل الجماعي وإلهام الآخرين، وخاصة الشباب. أعتقد أنه من الضروري للمرء القيام برحلة هادفة عبر العالم، والخروج عن الروتين اليومي وإبقاء شعلة الفضول مشتعلة للأبد."

قدوة فريدة من نوعها

تشغل صفاء باعوض منصب مدير المراجعة الداخلية التنفيذي في كاوست، وبدأت مسيرتها المهنية في القطاع المصرفي السعودي في عام 2006 عندما شغلت منصب مدققة حسابات مصرفية في بنك الرياض.

تقول صفاء "كانت فترة من النادر جدًا أن تجد نساء يعملن فيها في مجال التدقيق والمراجعة المصرفية في المملكة العربية السعودية لدرجة أنني كنت في كثير من الأحيان المرأة الوحيدة على طاولة الاجتماعات. وكانت المؤتمرات والفعاليات لا تزال منفصلة بين الجنسين، لذلك لم يكن هناك خيار بالنسبة لي للحضور والتعلم بالطريقة نفسها التي يتعلم بها زملائي الذكور. وكان التواصل المهني ليس متاحًا للنساء، ولم يكن لدي أي قدوة نسائية في هذا المجال".

ولكن ذلك لم يثّبط من عزيمتها، وأصبحت أكثر إصراراً على تحدي المعايير المقبولة، وأن تصبح قدوة نسائية لغيرها. واغتنمت فرصة الانضمام إلى كاوست خلال فترة تأسيسها، عندما كانت الجامعة لا تزال قيد الإنشاء، تقول صفاء "اكتسبت في السنوات الخمس الأولى التي قضيتها في كاوست، ما يعادل 10 أو 15 عامًا من الخبرة في العمل في المؤسسات الراسخة والمتينة. حيث يتطلب العمل في المؤسسات الناشئة قدرًا كبيرًا من المجازفة والتركيز والمرونة. وكانت سنواتي الأولى في الجامعة ذات تأثير كبير وحاسم في مسيرتي المهنية".

عادت صفاء باعوض إلى كاوست في بداية عام 2024، بعد 11 عامًا ناجحًا قضتها في العمل في شركة أرامكو السعودية، وترأست خلالها فريق المراجعة الداخلية الذي تشكل النساء منه أكثر من 50 في المائة. وتوصي صفاء السيدات الحريصات على العمل في مجالها بأن يكن دومًا على طبيعتهن، تقول "أنت شخصية فريدة، ولا ينبغي عليك تغيير نفسك لتتلاءمي مع الظروف. تجنبي تقليد الآخرين، وابحثي دومًا عن الفرص التي تساهم في توسيع معرفتك ومهاراتك، وتقبلي إخفاقاتك ثم تعلمي منها".