Top

دراسة انتشار جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19)

تعمل معظم الدول حول العالم اليوم على "تسطيح منحنى" جائحة فيروس كورونا المتجدد (كوفيد-19)، وهو تعبير علمي بات متداولاً في الفترة الأخيرة بين المنظمات والهيئات الدولية المختلفة ووسائل الاعلام في إشارة إلى إبطاء تقدم وانتشار حالات الإصابة بفيروس كورونا. وفي هذا السياق، يعمل البروفيسور ديفيد كيتشيسون من جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) على نماذج رياضية يمكن من خلالها فهم هذا المنحنى البياني المتصاعد واخذ فكرة أدق عن كيفية انتقال العدوى بين الناس، وبالتالي "تسطيح" هذا المنحنى ليظل مستقراً عن حد معقول بحيث تستطيع القطاعات الصحية السيطرة على هذه الجائحة بأسرع وقت ممكن.  

ويدرس البروفيسور ديفيد كيتشيسون تطور الأنظمة المعقدة جداً من خلال المعادلات التفاضلية، وهو شيء يمكن استخدامه في تفسير تطور السلالة الجديدة من الفيروسات التاجية، والمعروفة بجائحة فيروس كورونا المتجدد (كوفيد-19) الذي يصيب مئات الآلاف في جميع أنحاء العالم  اليوم. يقول كيتشيسون: "تعتمد أبحاثي على دراسة حركة الأمواج البحرية، ولان الأمواج تتكون من العديد من جزيئات الماء الصغيرة، فإن التنبؤ بحركة كل هذه الجزيئات هو أمر معقد جداً، غير أننا وباستخدام المعادلات التفاضلية نستطيع وبدقة التنبؤ بحركة الموجة بأكملها".

 آلية الانتشار السريع لكورونا

كيتشيسون هو أستاذ مشارك في الرياضيات التطبيقية والعلوم الحاسوبية في كاوست، وهو ليس عالم متخصص في مجال الأوبئة، ولكنه يمتلك خبرة كبيرة في التعامل مع البيانات والتحليلات الرياضية والتي قد تكون حاسمة في فهم الجائحة الحالية لفيروس كورونا المتجدد، يقول: " لا يمكننا التنبؤ بسلوك الأفراد، خصوصاً إذا كان لدينا تعداد سكاني كبير، ولكننا نستطيع أن نتوقع بدقة معدل الانتشار الإجمالي للوباء في مجتمع ما".

توقع البروفيسور ديفيد كيتشيسون في أواخر فبراير الماضي تطور هذا الوباء ليصل الى ما هو عليه الآن من جائحة عالمية، وقام في منتصف شهر مارس الماضي بكتابة سلسلة من المقالات شرح فيها نموذج انتشار الأمراض المعدية باستخدام معادلة تفاضلية تقليدية تقسم الناس إلى ثلاث مجموعات: المعرضين للإصابة، والمصابين، والمتعافين.

"تسطيح منحنى" انتشار الوباء

ما شرحه كيتشيسون في هذه المقالات يتماشى مع ما يحدث الان من السرعة الكبيرة لانتشار الفيروس، الا أن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو احتمالية أن تكون هناك ما بين 5 الى 10 مرات حالات إصابة أكثر من المبلغ عنها حاليًا في العالم. وفي الوقت الذي أفادت فيه المنصة المعلوماتية لجامعة جونز هوبكنز أنه تم تأكيد أكثر من مليون حالة في جميع أنحاء العالم، يرجح كيتتشيسون وجود ما بين 3 الى 6 ملايين مصاباً بالفيروس في العالم، خصوصاً أن العديد من هؤلاء الأفراد لا تظهر عليهم أعراض المرض.

يقصد برقم انتشار العدوى، متوسط عدد الأشخاص الذين يمكن أن ينتقل إليهم الفيروس من مخالطة الشخص المصاب. وتحدثت التقديرات المنشورة في وقت مبكر عن أن رقم انتشار عدوى فيروس كورونا المتجدد (كوفيد-19) هو ما بين (2 الى 2.5)، ولكن البروفيسور كيتشيسون وجد من خلال تحليل البيانات أن الرقم يصل إلى (5). وقد أكدت التحليلات الحديثة المقترحة من قبل خبراء آخرين بأن الرقم هو أعلى بكثير مما كان يعتقد سلفاً، الأمر الذي يدلل على مدى الحاجة لفرض المزيد من الإجراءات الصارمة كالحجر والتباعد الاجتماعي خصوصاً بين الفئات الأكثر عرضة للوفاة بهذا الفيروس. يقول كيتشيسون: " قدرتنا على تسطيح منحنى هذا الوباء مرهونة بتقليل رقم انتشار العدوى، وتقليل متوسط عدد الأفراد الذين يتواصل معهم المصابون بالفيروس، وبذلك نستطيع أن نبطئ معدل النمو المطرد للمنحنى بحيث يستغرق الأمر وقتًا أطول كي يصل الفيروس الى ذروته، وفي الوقت نفسه نقوم أيضًا بخفض ارتفاع هذه الذروة."

الاستفادة الأمثل من هذه النتائج

البروفيسور ديفيد كيتشيسون هو عضو في تحالف تعاوني أكاديمي عالمي في كاوست يضم علماء من بيئات متعددة التخصصات كعلوم البحار وعلوم الحاسب الآلي والرياضيات وعلم الجينوم، ويسعى هذا الفريق إلى توفير بيانات قوية عن هذه الجائحة العالمية يمكنها تسريع وتيرة الأبحاث والاكتشافات لمكافحة هذه الازمة والتقليل من تبعاتها الصحية والاقتصادية من خلال نشر منصة معلوماتية دقيقة يمكن استخدامها من قبل الحكومات والهيئات الصحية والمؤسسات المحلية والدولية وعامة الناس.