Top

كاوست تأخذ الري بالمياه شبه المالحة في منحى جديد

يعمل مارك تستر، أستاذ علوم النبات بجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، مع فريق من الباحثين على تطوير تقنية الري الجديدة التي ستجعل إنتاج المحاصيل باستخدام المياه شبه المالحة ممكنًا. بعدسة أشرف عبدالرحمن.

-بقلم لولوه شلهوب, من أخبار جامعة الملك عبدالله

تواجه السعودية والعديد من دول المنطقة تحديات كبيرة فيما يتعلق بالموارد المائية، ومما يفاقم مشكلة ندرة المياه العذبة والطلب المرتفع عليها من قبل القطاع الزراعي، حيث يستهلك هذا القطاع أكثر من 84 في المائة من مجمل أوجه الاستهلاك المائي في السعودية. كما أن عملية تحلية مياه البحر تعد باهظة التكلفة في حين أن ثمة حاجة لتخفيض التكاليف المتعلقة بالري.

هذا الواقع شكل تحديا وهاجسا مستمرا لدى العلماء ليس في السعودية فحسب بل في جميع أنحاء العالم، ومنذ منتصف القرن الماضي شرع العلماء في تجاربهم ومحاولاتهم لاستخدام مياه البحر المالحة في ري وإنماء بعض أنواع النباتات والمحاصيل. إحدى التجارب المبشرة والواعدة جاءت من مختبرات جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية حيث يعمل علماء الجامعة على تطوير تقنية جديدة صديقة للبيئة تعمل على خفض التكلفة الزراعية باستخدام مياه البحر التي تحيط بالمملكة من جانبين.

وتكمن الغاية المتوخاة من هذه التقنية الاعتماد على المياه العذبة بنسبة 10٪ فقط في الدفيئات الزراعية والاعتماد على استخدام مياه البحر المخففة في الري، الأمر الذي قد أن يؤدي إلى خفض التكلفة الإجمالية إلى 10 سنتات أمريكية لكل متر مكعب، مقارنة بدولار أمريكي لكل متر مكعب، وهو سعر التكلفة الحالية باستخدام المياه المحلاة.

ويقول البروفسور مارك تستر، عالم النبات في قسم العلوم والهندسة البيولوجية والبيئية (BESE)  في كاوست " لـ "الشرق الأوسط" ان سعر التكلفة المتمثل بعشرة سنتات أمريكية هو الهدف الذي نسعى لتحقيقه."

وكانت أبحاث حديثة أجراها باحثون صينيون في دولة الإمارات العربية المتحدة قد شملت فحص بعض أنواع الأرز عالية التحمل للملوحة من الصين، وتم عقد بعض هذه التجارب لزراعة الأرز في مياه شبه مالحة في إمارة دبي، تضمنت نسبة 10٪ من مياه البحر. وفي ذلك يقول تيستر: "يعد الأرز نبات حساس جدا للأملاح، لذا فإن مياه البحر بنسبة 1/10 هو ما قد يتحمله، وهي نفس النسبة التي وجدناها مناسبة لزراعة الأرز أثناء تجاربنا في كاوست."

ويقوم مارك تيستر وفريقه بتطوير شركة جديدة بالتعاون مع مستثمر محلي تحت اسم "مزارع البحر الأحمر". يعمل الفريق على زراعة الطماطم التي تتحمل الملوحة في مياه البحر المخففة في دفيئة زراعية يتم تبريدها بمياه البحر. ويتم إزالة الغبار من أسطح الدفيئة الزراعية دون استخدام المياه بواسطة تكييف تقنية NOMADD  " نوماد"، وهي إحدى الشركات الناشئة التي تم تطويرها في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية لتنظيف الألواح الشمسية دون استخدام المياه.

أبحاث مجدية اقتصاديا

وتتبنى شركة "مزارع البحر الأحمر" أسلوب الدمج بين العلوم ومجالات المعرفة المتنوعة، والذي يعد أحد أبرز الأسس التي تقوم عليه جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية. حيث تجمع الشركة الجاري تطويرها بين علوم النباتات والهندسة. فالمهندسون يتعاملون مع المواد وبعض الديناميكيات العملية لوضع نظام بيئي واقتصادي فعال. وعلى الجانب الاخر، يعمل العلماء على تحسين طرق تحمل النباتات للملوحة باستخدام علم الجينوم، وهو أحد أفرع علم الوراثة الذي يُعنى بتحديد تسلسل الحمض النووي والمادة الوراثية للتعرف على الجينات المسؤولة على تحمل ظروف الملوحة في النباتات في ظل الثورة التي نعيشها في علم الأحياء. يقول تيستر: "نحن قادرون على استخدام علم الجينوم ليمكننا من اكتشاف الأشياء بشكل أسرع وبالتالي تحقيق النتيجة بوقت قياسي. فعلم الجينوم النباتي يساهم بشكل كبير في تحسين إنتاجية المحاصيل من خلال تحديد النباتات التي لها القدرة على تحمل الملوحة."

ويضيف: "بإمكاننا ليس فقط القيام بشيء رائع، بل يمكننا أيضا تنفيذه على مستوى تجاري وبالتالي يمكن أن يكون ذلك مجد اقتصاديا - وهذا، بالنسبة لي، هو المحك – أن نقدم شيئا يمكن يطبق في مكان آخر لكننا سنكون الروّاد."

إن الأبحاث التي تقوم بها جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية لتطوير أنظمة زراعية جديدة لري المحاصيل التي تتحمل الملوحة بمياه شبه مالحة من شأنها أن تساهم في التخفيف من الضغط الهائل الموجود على موارد المملكة من المياه العذبة كما يقول تيستر: "علينا إدخال تغييرات وتحقيق قفزات كبيرة. فالماء عامل حاسم في الزيادة المستمرة في إنتاج الغذاء وعلينا أن نكون قادرين على استخدام المياه التي لا نستخدمها الآن، وهي المياه المالحة".

وبحسب وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية فان متطلبات المياه في المملكة (التي قدرت عام 2015 بحوالي 24.8 مليار متر مكعب) تشهد زيادة سنوية ثابتة بنسبة 7%، يمثل قطاع الزراعة فيها المستهلك الأكبر للمياه في المملكة، بنسبة 84% من إجمالي الطلب على المياه. ويعكس استخدام المياه في القطاع الزراعي تحدياً بيئياً نظراُ لاعتماده على الموارد غير المتجددة، التي تمثل 90% من إجمالي المياه الموردة للقطاع.

يؤمن البروفسور مارك تستر أن الفرص المتاحة لإنتاج الغذاء باستخدام مياه مالحة في المملكة لا حدود لها نظراً للمساحات الساحلية الكبيرة التي تحيط بالمملكة، وتوفر الموارد الطبيعية كالتربة الرملية، وأشعة الشمس فرص كبيرة لبناء الدفيئات الزراعية.