Top

مختبرات كاوست تكافح فيروس كورونا المتجدد

يواجه العالم اليوم معركة غير مسبوقة لاحتواء انتشار جائحة فيروس كورونا المتجدد (كوفيد-19)، أبطالها في المقام الأول هم العاملون والمتخصصون في قطاع الرعاية الصحية، الذين يسّطرون أنبل وأسمى علامات التفاني والتضحية في الخطوط الأمامية. أما على الخطوط الخلفية، فأبطالها العلماء الذين يعملون باستمرار على دراسة هذا الفيروس، أملاً في كبح جماحه في أسرع وقت، وحماية البشرية من هذا الوباء القاتل.

تضم جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) مختبراً لدراسة مورثات (جينوم) الأمراض. ويستخدم المختبر تقنيات تسلسل الاحماض النووية (DNA) و (RNA) وغيرها من تقنيات الجينوم الوظيفية، لفهم الخصائص الحيوية والتنوع الجيني للأمراض ومسبباتها وتأثيرها على صحة الإنسان والحيوان. ويقود المختبر البروفيسور "أرناب باين" مع فريقه البحثي، الذي يعمل ضمن مجموعة الاستجابة البحثية السريعة (R3T)، التي شكلتها كاوست حديثاً بهدف دعم جهود الجهات المختصة وقطاعات الرعاية الصحية في المملكة في مكافحة انتشار فيروس كورونا (كوفيد-19).

البروفيسور أرناب بين في مختبره لدراسة المورثات المسببة للأمراض في كاوست. الصورة بعدسة: حلمي السقاف.

 ​

دعم المملكة والعالم في مواجهة الجائحة

يقول البروفيسور أرناب: " تعمل مجموعة الاستجابة البحثية السريعة في كاوست، على تسخير خبرات علماء وباحثي الجامعة والتقنيات التي تمتلكها لدراسة الحلول المحتملة، والتي تساعد أبحاث تطوير علاج الفيروس وطرق الكشف المبكر له".

وفي هذا السياق، ينسق البروفيسور أرناب بمساعدة من الطالب السعودي شريف حلا، أحد طلبة الدكتوراه في فريقه البحثي، مع المركز الوطني للوقاية من الأمراض ومكافحتها (وقاية) والعديد من مستشفيات وزارة الصحة في جدة ومكة والمدينة المنورة، لتسهيل عمل التسلسل الجينومي اللازم وتحليل المعلوماتية الحيوية لمجموعة كبيرة من عينات مرضى فيروس كورونا (كوفيد-19) في المملكة.

الجدير بالذكر، أن الطالب شريف حلا يعمل أيضاً موظفاً في مركز الملك عبدالله العالمي للأبحاث الطبية التابع للشؤون الصحية في الحرس الوطني السعودي، ويقوم بجهود كبيرة لتعزيز علاقات التعاون بين كاوست والمجتمع الطبي في المملكة، من مستشفيات ومراكز صحية وأطباء بهدف ترتيب عملية جمع العينات في الوقت المناسب من مرضى فيروس كورونا المتجدد. ويقول شريف: " بدأت أتواصل مع الجهات المعنية فور استشعاري بزيادة انتشار فيروس كورونا للحصول على التصاريح اللازمة، لجمع العينات خصوصاً أننا مختبر متخصص في  علم المورثات المسببة للأمراض، ومن واجبنا أن نشارك عمليًا في جهود معالجة هذا الوباء."

عمل شريف بعد ذلك على استخراج الأوراق اللازمة لنقل العينات من المستشفيات وفنادق الحجر الصحي في المملكة، إلى كاوست وتحضيرها لاستخراج الحمض النووي الريبي (RNA)، وعمل التحليلات اللازمة لتحديد ما إذا كانت العينات إيجابية أم لا،  ثم الانتقال إلى بروتوكول التسلسل الجينومي.

طالب الدكتوراه شريف حلا في أحد مختبرات كاوست. المصدر: شريف حلا.

 ​
يقول شريف:" نستطيع من خلال تحليل هذه العينات، تزويد المستشفيات بملاحظات إضافية على العينات الإيجابية والسلبية، وتقديم المزيد من المعلومات للأطباء المعالجين، وإجراء دراسات حول طرق انتقال الفيروس. وبذلك نكون قد ساهمنا من خلال كاوست، ليس فقط بدعم المملكة في مكافحة هذه الجائحة، بل العالم بأسره".

تم جمع أكثر من 600 عينة حتى الآن من مرضى فيروس كورنا في المملكة، والخطة التالية هي جمع المزيد لإجراء تحليل شامل عن تأثير هذه الجائحة في المملكة.

من المستشفيات إلى مختبرات كاوست

بعد يومين من العمل لإنشاء مكتبات للتسلسل الجينومي، تتمثل الخطوة التالية في استخدام التقنيات والأجهزة المتطورة لعملية التسلسل والمتوفرة في المختبر المركزي للعلوم الحيوية في كاوست.  ويقول البروفيسور أرناب :" أنا ممتن للغاية لأن مختبر العلوم الحيوية في كاوست، فتح أبوابه للمساهمة في هذا المشروع النبيل، فبدون مساعدتهم لن يكون هذا ممكنا".

لا شك أن مهمة نقل العينات التي تم جمعها تقع ضمن مسؤوليات وزارة الصحة، الا اننا اليوم نمر بظروف استثنائية صعبة من تباعد اجتماعي وحظر تجول، الامر الذي يزيد من تعقيد هذه المهمة. ولمواجهة ذلك، طور شريف عملية فعالة ومتقنة للغاية لنقل العينات إلى كاوست، تأخذ بعين الاعتبار الإرشادات الصارمة لمنظمة الصحة العالمية. وقام بالتنسيق مع الأطباء الاستشاريين في مختلف المرافق الصحية والمستشفيات، لتيسير جمع العينات بمجرد حصوله على التصاريح اللازمة لذلك.

ويقول شريف: " أود ان اشيد بجهود الأطباء والعاملين في القطاع الصحي، فهم حقاً جنودنا البواسل الذين يحمونا ضد هذا الخطر، لقد كانوا يدخلون الى مناطق تنويم المرضى ويجمعون العينات، ولم أكن ادخل معهم، كنت أشرف فقط على العينات وأتأكد من انها على ما يرام".


طالب الدكتوراه في كاوست، شريف حلا، أثناء زيارته لأحد المراكز الصحية في المملكة لجمع عينات مصابي فيروس كورونا المتجدد (كوفيد-19). المصدر: شريف حلا.

 ​
إن عملية تخزين العينات ونقلها وتسليمها معقدة للغاية، حيث توصي منظمة الصحة العالمية بنقل العينات في ثلاث حاويات. يتم أولاً وضع العينة في أنبوب، ثم يوضع الانبوب داخل كيس الخطر البيولوجي، ثم يوضع الكيس داخل صندوق صغير، ثم في صندوق أكبر. ويقول أشرف: " يجب أن يكون الصندوق الكبير مليء بالثلج، ثم يوضع بعد ذلك في كيس أكبر مخصص لنقل عينات الخطر البيولوجي ومقفل بشريط لاصق".

التعرف على السمات الجينية وفهرسة سلالات الفيروسات

أحد الجوانب الرئيسية التي يركز عليها الباحثون في العالم، هي فهم الطفرات التي تحدث للفيروس أثناء انتقالها من شخص إلى آخر. فمن خلال العينات التي يتم جمعها في نقاط زمنية مختلفة ومن مجموعة متنوعة من المرضى، يمكن تحديد سمات هذه الطفرات - أو رمز الشريطي الجيني - التي يمكن أن تساعد في تحديد سلالات معينة للفيروس. لذلك يقوم مختبر علم المورثات المسببة للأمراض التابع لكاوست حالياً، بدراسة التركيب الجيني للسلالات الفيروسية التي يقوم الفريق بتسلسلها بهدف مقارنتها بمجموعات البيانات الوبائية والطبية والسريرية العالمية. يقول البروفيسور أرناب: "ما ننظر إليه الآن بشكل منهجي، هي السمات أو الطفرات الجينية في سلالات هذا النوع من الفيروسات من خلال التسلسل الجينومي بشكل أساسي".

البروفيسور أرناب بين يعمل مع زملائه في أحد مختبرات الجامعة. المصدر: أرناب بين.

 ​

سباق مع الزمن

تعرّف العلماء على جينوم فيروس كورونا المتجدد قبل أقل من شهر. ويوجد الآن أكثر من 8700 تسلسل جينومي متاح للفيروس، لذلك من الممكن استخدام قوة المعلوماتية الحيوية لفهم الجينوم الجديد وطفراته. ويوضح أرناب: "نحاول أن نفهم كيف ترتبط الحالات المصابة بالفيروس في المملكة ببعضها البعض، والأهم من ذلك ، كيف ترتبط مع باقي الحالات في العالم ، لأن معظم الحالات الأولية في المملكة قدمت من خارج عبر مسافرين دوليين".

وتابع: " العلماء اليوم يسابقون الزمن للعثور على إجابات لمزيد من الأسئلة عن طبيعة هذا الفيروس، التي ستتوفر بكل تأكيد عند القيام بتسلسل لكل هذه الجينومات بشكل منهجي وتحديد الشفرة الوراثية لكل السلالات والاختلافات، التي تحدث في تلك الشفرة بمرور الوقت."