Top

كيف حوّلنا جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) من تحدي إلى فرصة

نائب الرئيس للابتكار والتنمية الاقتصادية د.كيفن كولين

نشر مسبقاً، 29 نوفمبر 2020 في جريدة الرياض

استشعر العالم في بداية شهر مارس الماضي لأول مرة حجم التحدي الكبير لجائحة فيروس كورونا (كوفيد -19) وتبعاتها الخطيرة على الصحة العامة والاقتصاد ونمط الحياة، وكان هاجسنا الأول في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) هو سلامة موظفينا وطلبتنا، وضمان مواصلتهم للبحث العلمي والابتكار الضروريين للمساعدة في التغلب على هذا الوباء.

وكان واضحاً منذ البداية أن النهج المعقول والوحيد لمكافحة هذه الجائحة هو بالعلم من خلال البحث العلمي وتطوير التقنيات المؤثرة وهذا صميم ما نقوم به هنا في كاوست، فقد علمنا أننا - وجامعات أخرى من حول العالم - لدينا دور حاسم ومحدد لنلعبه إذا ما أردنا التغلب على هذه التحدي غير المسبوق.

وكانت الخطوة الأولى هي جمع الموارد الفكرية لطلبتنا وباحثينا ومبتكرينا واستخدامها لتسريع التقنيات الجديدة للوقاية من الفيروس وتشخيصه وعلاجه واحتوائه، على سبيل المثال ، قامت طالبتا الدكتوراه في كاوست، لويزا خافيير وساندرا مدينا ، مؤسستا شركة وايا كِت (Wayakit)، بتكييف منتج شركتهن وهو رذاذ للغسيل الفوري ومنظف محمول متعدد الاستخدامات، واستخدامه كمعقم لجعل السفر الجوي أكثر أمانًا أثناء فترة الجائحة، وقد جذب هذا المنتج شركة النقل الجوي السويسرية "سويسبورت" التي ابرمت عقداً مع وايا كِت لاستخدام منتجها  كحل مبتكر لتعقيم الطائرات والحافلات في المطارات السعودية في جدة والرياض والدمام.

ولأن الأبحاث المؤثرة هي المخرج لكثير من الأزمات والتحديات الملحة التي تواجه العالم، فإننا في كاوست مصممون على تحويل أبحاثنا الى تقنيات تصنع هذا التأثير من خلال دعم شركائنا في الصناعة، ومن الخطوات الكبيرة التي اتخذناها في هذا الصدد خلال الأشهر القليلة الماضية هو انضمامنا لبرنامج الشراكة بين الجامعات والصناعة (UIDP) كأول كيان في الشرق الأوسط يحصل على عضوية هذا البرنامج المرموق، والانضمام لمجموعة من الجامعات الرائدة في العالم، مثل هارفارد، وستانفورد، وييل، وأكسفورد، وكامبريدج، وكنا أيضاً أول من ينضم إلى شبكة الوصول المفتوح للملكية الفكرية التي تقودها جامعة ستانفورد، والذي من خلاله جعلنا الملكية الفكرية الخاصة بالجامعة متاحة بسهولة لخبراء الصناعة ورواد الأعمال، لقد مكنتنا هاتين المبادرتين من وضع أبحاثنا المتطورة مباشرة تحت تصرف الجهات التي تحتاجها في هذا الوقت والمساعدة في طرح التقنيات المنقذة للحياة في السوق بشكل أسرع من أي وقت مضى.

سد الفجوة بين الصناعة والأوساط الأكاديمية هو من التحديات القائمة التي تسعى كاوست جاهدة لحلحلتها خصوصاً في فترة هذه الجائحة عبر بناء شراكات خارجية رئيسية لتحفيز الابتكار وخلق تأثير حقيقي وهادف، فخلال جلسة المجلس الاستشاري الصناعي لكاوست لهذا العام، والتي عُقدت عن بُعد لأول مرة ، شارك كبار الشخصيات من شركات مثل الشركة الامريكية إير بوردكتس (Air Products) و شركة تصنيع اللقاحات والأدوية الحيوية السعودية (سعودي فاكس) وشركة داو كيميكال بخبراتهم حول أفضل السبل للعمل في هذه الأوقات المضطربة ، بهدف تحديد ونشر أفضل الممارسات لمساعدة الشركات على الاستمرار والتكيف مع تبعات جائحة فيروس كورونا.

من بين الميزات التي نفخر بها في كاوست هو جودة التعليم المبني على التجارب والعمل في المختبرات والتي تتيحها الجامعة لطلبتها ومبتكريها الذين تستقطبهم من جميع أنحاء العالم، لكن هذا التعليم مبني على أساس التدريس وجهاً لوجه، وهو أمر أصبح مستحيلاً الآن في هذه الجائحة التي فرضت تطبيق إجراءات التباعد الجسدي والإغلاق في جميع أنحاء المملكة وحول العالم، وأجبرتنا على تحويل نموذجنا التعليمي التقليدي وتبني منهج التعليم عن بُعد.

على الرغم من خسارة فرص التفاعل العفوي بين الطلبة والذي يمكن أن يلعب دوراً كبيراً في الاكتشافات، إلا أن الكفاءة والمرونة العالية لمنهج التعليم عن بُعد قدم لنا بعض الفرص الحقيقية، فعلى سبيل المثال، سمح لنا التعليم عن بُعد بتقديم نخبة من المتحدثين والضيوف المتميزين لطلبتنا بصورة مباشرة من أمثال بوب لانجر، عالم الهندسة الطبية الحيوية الحائز على قلادة العلوم الوطنية الأمريكية، والمحامي راندي كوميسار المتخصص في مجال التقنية وهو أيضاً مدير تنفيذي ومؤلف في وادي السيليكون في كاليفورنيا، حيث أن مثل هذه الشخصيات الكبيرة يصعب حضورها شخصياً في ظل الظروف العادية.

ومن ناحية أخرى، لا ينبغي أن ننظر للتعليم عن بُعد بعين العزلة الاجتماعية فقط حيث يمكن تبني هذا المنهج وإبقاء الطابع الإنساني الاجتماعي من خلال إضافة أنشطه اجتماعية له، وأذكر هنا أننا نظمنا برنامج "ريادة الأعمال للجميع" عبر الإنترنت خلال شهر رمضان الماضي بالشراكة مع جامعة كاليفورنيا بيركلي وجامعة كورنيل، بهدف تعليم الطلبة أساسيات ريادة الأعمال، وتضمنت إحدى فقرات البرنامج حفل إفطار افتراضي للمشاركين يتم خلاله توصيل الإفطار إلى منازلهم، ولا شك أن هذه اللفتة الاجتماعية البسيطة المتمثلة في مشاركة الطعام مع الحضور عزز في إضفاء الطابع الإنساني على منهج فُرض في الاساس لتعزيز التباعد الاجتماعي.

بقدر ما يمثله عام 2020 من تحدي لنا جميعًا كأفراد ولكاوست كمركز للبحث والابتكار والتعليم، فقد تعلمنا منه الكثير خصوصاً في مواجهة الأزمات، ومن خلال تبنينا طرقاً جديدة للعمل والتعلم من تجارب الآخرين، وبناء روابط أوثق مع شركائنا، وتحقيق الاستفادة القصوى من التقنيات المتوفرة، وابتكار طرق إبداعية للبقاء على اتصال، سنتمكن في نهاية المطاف من التكيف والازدهار ومواصلة النجاح خلال هذه الفترة التي تعتبر اختباراً صعباً للإنسانية لم تمر به منذ أجيال.