Top

التصدي لظاهرة تغيّر المناخ

البروفيسور حسين حطيط، الأستاذ المساعد في مركز علي النعيمي لأبحاث وهندسة البترول.

تعتبر المملكة العربية السعودية من أكبر منتجي الطاقة المتمثلة في المحروقات (النفط والغاز) في العالم. ولكن هل يمكن للمملكة أن تكون أيضاً من أكبر المساهمين في حماية البيئة في ظل التحديات البيئية القائمة حالياً كالتغيرات المناخية؟

تعد ظاهرة الاحتباس الحراري من التحديات الرئيسية التي تواجه البشرية في القرن الحادي والعشرين. وقد أظهرت الدراسات المتزامنة وجود ارتباطات قوية بين ارتفاع درجة حرارة الأرض وزيادة تركيز الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، لا سيما غاز ثاني أكسيد الكربون. كما أن انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون العالمية في تسارع مضطرد منذ بداية الثورة الصناعية الأمر الذي دفع صناع السياسات من 195 دولة، بما فيها المملكة العربية السعودية، على الموافقة على اتخاذ تدابير وقائية للحفاظ على متوسط احترار عالمي دون 2 درجة مئوية من مستوى ما قبل الصناعة. ويمكن فعلاً تحقيق هذا الهدف عن طريق خفض معدلات انبعاثات الكربون الناتجة عن الأنشطة البشرية. وقد التزمت المملكة العربية السعودية، من خلال التصديق على اتفاقية باريس المناخية، باتخاذ تدابير للحد من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، وفي نفس الوقت، المضي قدماً نحو تحقيق الرؤية السعودية 2030، وهي خطة شاملة وطموحة لمعالجة مختلف التحديات الاقتصادية والإنمائية الوطنية. ويعتبر الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية مطلباً وطنياً، ولا شك أن قطاع الطاقة في المملكة سيواجه تحدياً كبيراً للتكيف مع لوائح بيئة أكثر صرامة في المستقبل، ناهيك عن أن خلق قيمة مضافة سيعتمد على قدرة الصناعة على الاستفادة من اقتصادات تكون فيها انبعاثات الكربون مقيدة. ويعتبر عزل الكربون وتخزينه من مجالات العلوم والهندسة التطبيقية الناشئة التي تهدف إلى عزل وتخزين غاز ثاني أكسيد الكربون في تشكيلات الصخور تحت سطح الأرض.

وفي هذا السياق، تقوم مجموعة بحثية متنوعة من جامعات ومنظمات وطنية مختلفة من داخل المملكة بدراسة جدوى عزل وتخزين الغازات الدفيئة (غازات الغلاف الجوي) في الهياكل الصخرية تحت سطح الأرض في المملكة العربية السعودية. حيث يقوم كلّ من البروفيسور حسين حطيط من مركز أبحاث علي النعيمي لأبحاث وهندسة البترول في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، وخريج جامعة الملك عبدالله الدكتور علي حمية، والدكتور نبيل أبو خطوة من وزارة الاقتصاد والتخطيط، والدكتور منتصر شيخ من جامعة الملك عبدالعزيز، بهذه الدراسة البحثية التعاونية تحت إشراف وزارة الاقتصاد والتخطيط السعودية بهدف مساعدة المملكة في التصدي لتحديات تغير المناخ.


خريطة لمصادر ثاني أكسيد الكربون في المملكة وملخص لتقنيات العزل المثلى.

حماية البيئة حفاظاً على الموارد الطبيعية

ويشرح البروفيسور حطيط أن مكتب الشؤون السعودية في جامعة الملك عبدالله قام في فبراير عام 2017 باستضافة فريق من وزارة الاقتصاد والتخطيط، لبحث فرص التعاون والاستفادة من نقاط القوة في علوم وهندسة البيئة وعلوم الأرض في الجامعة، وتم توسيع نطاق هذا التعاون لاحقاً ليشمل الدكتور محمد مفتي من جامعة الملك عبدالعزيز بجدة. وكان الهدف النهائي للمشروع البحثي المشترك هو دراسة جدوى تخزين ثاني أكسيد الكربون في التكوينات البركانية الواقعة في المنطقة الغربية من المملكة العربية السعودية. ومن خلال هذا العمل عالج الفريق ثلاثة أهداف رئيسية:

  1. إنشاء جرد تفصيلي لانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون لمصادر التلوث الرئيسية في المملكة
  2. تقييم القيود الاقتصادية والتقنية لعزل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون
  3. تحديد المكامن المحتملة لتخزين ثاني أكسيد الكربون تحت سطح الأرض وعمل دراسة جدوى تخزين غاز ثاني أكسيد الكربون في الصخر البركاني كما هو مبين في الخريطة التالية.

وقال البروفيسور حسين حطيط: "نطمح من خلال هذا المشروع التعاوني إلى مساعدة الصناعات الكبرى مثل محطات توليد الطاقة وتحلية المياه والبتروكيماويات على المساهمة في رؤية المملكة 2030 والالتزام ببنود اتفاق باريس مع الحفاظ في نفس الوقت على البيئة والموارد الطبيعية".

(من اليسار إلى اليمين): علي حمية، الحائز حديثاً على شهادة الدكتوراه في العلوم الكيميائية من جامعة الملك عبدالله، والبروفيسور حسين حطيط، الأستاذ المساعد في مركز علي النعيمي لأبحاث وهندسة البترول.

 ​

مواجهة واحدة من أكبر التحديات البيئية للبشرية


أكمل فريق جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية وجامعة الملك عبد العزيز ووزارة الاقتصاد والتخطيط في هذه المرحلة المبكرة من المشروع عمل التقييم كمي لانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون من الصناعات الست الرئيسية في المملكة العربية السعودية وهي: الكهرباء وتحلية المياه ومصافي التكرير والاسمنت والبتروكيماويات وصناعات الحديد والصلب، فضلاً عن النقل البري والصناعات الصغيرة الأخرى. وتوفر الدراسة أيضاً خريطة تفصيلية لمصادر غاز ثاني أكسيد الكربون في المملكة وملخصاً للتقنيات المثالية لعزله واستخلاصه.

ويقوم الفريق حالياً بالبحث عن مواقع مناسبة لتكون مكامن تخزين غاز ثاني أكسيد الكربون في الصخور النارية في منطقة الحقول البركانية (الحرات) بالقرب من المدينة المنورة، إضافة الى دراسة أحد مصادر غاز ثاني أكسيد الكربون في مصفاة في ينبع -وهو ما قد يوفر طريقه لتوسيع نطاق عملية تخزين كميات كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون. وفي حين أن المشروع لا يزال في مراحله المبكرة، الا أن نتائجه على المدى البعيد واعدة جداً، وستساهم في توسيع آفاق فهمنا عن العمليات الجيولوجية والكيميائية والحرارية والميكانيكية في التشكيلات الجيولوجية تحت سطح الأرض. ولكن الأهم من ذلك، أن هذا العمل من قبل البروفيسور حطيط وفريقه في مركز علي النعيمي لأبحاث وهندسة البترول في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية يضع الجامعة في قلب ريادة هذا النوع من الأبحاث على الصعيد العالمي والذي يعالج واحدة من أكبر التحديات البيئية للبشرية.